تقرير مفصل يوضح مسؤولية مسعود بارزاني عن الإبادة الجماعية الإيزيدية

أشار موقع The Cradle الإعلامي في تقريرٍ مفصل نشره قُبيل أيام من السنوية الـ 10 لمجازر داعش ضد المجتمع الإيزيدي في شنكال، أن داعش ليس وحده من كان مسؤولاً عن ارتكاب المجازر بحق الإيزيديين عام 2014، إنما البارزاني أيضاً كان شريكاً فيها.

نشر موقع The Cradle الإعلامي المختص بشؤون غرب آسيا، النشط باللغتين العربية والإنكليزية، تقريراً شاملاً يوضح دور عائلة البارزاني، يتقدمهم مسعود برزاني، مع حكومته في تعرّض عشرات الآلاف من الإيزيديين لهجوم عنيف شنه مرتزقة داعش على قضاء شنكال في الـ 3 من آب عام 2014.

وجاء التقرير قُبيل أيام من السنوية الـ 10 للإبادة التي شاركت فيها أطراف أخرى بشكل غير مباشر، دعمت مرتزقة داعش خلال سنوات انتشارها وسيطرتها على مساحات واسعة في سوريا والعراق، وهذا ما جاء في مضمون التقرير الذي نشره الموقع:

"من المعروف على نطاق واسع أن حملة تنظيم الدولة «داعش» لذبح واسترقاق واغتصاب الآلاف من أبناء الأقلية الإيزيدية في منطقة سنجار في العراق في آب 2014 تشكّل إبادة جماعية. ومع ذلك، فإن دعوى قضائية قيد النظر حالياً في محكمة منطقة واشنطن العاصمة في الولايات المتحدة، تتحدث أن تنظيم المذبحة الجماعية جاء من قبل مسعود بارزاني، مستخدماً «داعش» كوكيل".

إبادة جماعية مدبّرة

العديد من الإيزيديين من أبناء سنجار الذين تحدّثوا إلى The Cradle أكّدوا مسؤولية بارزاني عن الإبادة الجماعية، من بين هؤلاء ميرزا ​​إسماعيل، رئيس منظمة حقوق الإنسان الإيزيدية الدولية، الذي أدلى بشهادته أمام الكونغرس الأميركي والبرلمان الكندي، وقال إسماعيل لـ The Cradle إن "الإبادة الجماعية للإيزيديين دُبّرت مسبقاً، فقد خطّط مسعود بارزاني للإبادة من أجل إقامة دولة إسلامية في كردستان".

ويتأكّد دور بارزاني من خلال مراجعة دقيقة لسلوك قوات الأمن الكردية، البيشمركة، قبل هجوم "داعش" في آب 2014 وأثنائه، فبعد التعهّد بحماية الإيزيديين في سنجار حتى "آخر قطرة دم"، عملت البيشمركة على تمكين "داعش" من قتل الآلاف من الرجال الإيزيديين واسترقاق الآلاف من النساء الإيزيديات، وتهجير مئات الآلاف، وبعد مرور عشر سنوات، لا يزال دور بارزاني كمنسق للإبادة الجماعية الإيزيدية غير معروف تماماً، باستثناء ما يتم تداوله بين الناجين أنفسهم.

وعد البيشمركة بالدفاع عن شنكال

قبل الإبادة الجماعية في آب 2014، كان الخوف بين الإيزيديين من هجوم "داعش" على شنكال يتصاعد منذ أشهر.

 ففي كانون الثاني، بدأ "داعش" حملته الخاطفة للاستيلاء على أراضٍ في شرق سوريا وغرب العراق. وقال ميرزا ​​إسماعيل لـ The Cradle إنه بعدما قتل "داعش" مزارعين إيزيديين في بلدة ربيعة في أيار، "علمنا أن شيئاً ما سيحدث لنا".

بعد استيلاء "داعش" على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، في حزيران بمساعدة مسعود بارزاني، أصبح الوضع أكثر إثارة للقلق. فجأة، حاصر التنظيم شنكال من ثلاث جهات: من بلدة البعاج في الجنوب، ومن تلعفر والموصل في الشرق، ومن سوريا في الغرب. وكان الطريق الوحيد لمغادرة سنجار شمالاً باتجاه المعبر الحدودي السوري، ومن ثم إلى مدينة دهوك في جنوب كردستان.

أيقن العديد من الإيزيديين أن "داعش" سيهاجم شنكال، لكن مسؤولين محليين من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني، أكّدوا لهم أنه ما من سبب للقلق لأن البيشمركة ستدافع عنهم، وكتبت الصحفية كريستين فان دن تورن في صحيفة "ديلي بيست" أن سارباست بابيري، رئيس الفرع 17 التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني في شنكال، تفاخر قائلاً: "سندافع عن شنكال حتى آخر قطرة دم".

البيشمركة تمنع مغادرة شنكال

لكن، وسط تهديد "داعش" الذي كان يلوح في الأفق، رفضت البيشمركة بشكل صادم السماح للإيزيديين بالفرار من شنكال، وأوضح أحد سكان شنكال لـ The Cradle أنه عندما شعر بالخوف وحاول الهروب مع عائلته إلى المنطقة الكردية العراقية في 1 آب، قبل يومين فقط من هجوم "داعش"، أوقفتهم قوات البيشمركة عند نقطة تفتيش، وأبلغوه “أننا تلقينا أوامر من بارزاني بعدم السماح لأي من السكان بالفرار”، وبعض الذين تحدوا أوامر البيشمركة أُطلقت النار عليهم. وأضاف أنه أُجبر على تسليم سلاحه إلى قاعدة محلية للبيشمركة، إذ "وثقنا بالفعل أنهم سيحموننا".

نزع سلاح الإيزيديين

وقال مصدر إيزيدي من شنكال لـ The Cradle إن عناصر البيشمركة انتقلوا من منزل إلى آخر، وصادروا الأسلحة من الإيزيديين، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة التي حملها أفراد إيزيديون في الجيش العراقي معهم إلى شنكال بعد انهيار الجيش في الموصل.

وذكرت الكاتبة الأميركية والناشطة الحقوقية الكردية إيمي بيم، أن قوات البيشمركة صادرت أسلحة الإيزيديين، وأن "بعضهم يؤكّد أن وجود البيشمركة كان للسيطرة عليهم، وليس لحمايتهم، إذ لم تُقم قواعد للبيشمركة في القرى العربية المجاورة".

وأكّدت كريستين فان دن تورن أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني حاول منع الإيزيديين من الفرار من شنكال، ونقلت عن مسؤول محلي في الحزب الديمقراطي الكردستاني أن "كبار المسؤولين في الحزب طلبوا من ممثلي الحزب ضبط السكان، وهددوا بقطع رواتبهم إذا غادر الناس مناطقهم".

البيشمركة ترفض تسليح الإيزيديين

بسبب عدم ثقتهم بالبيشمركة، طالب الإيزيديون الذين خدموا في الجيش العراقي بإعادة الأسلحة الثقيلة التي صادرتها القوات الكردية إليهم، وقال قاسم ششو، وهو قائد إيزيدي في البيشمركة في الفرع 17، إنه توسل رؤساءه الأكراد لعدة أشهر، وحتى ليلة هجوم "داعش"، إعطاء الإيزيديين أسلحة ليتمكنوا من المساعدة في الدفاع عن شنكال.

إلا أن سعيد كيستاي، القائد العام لقوات البيشمركة في شنكال، عبّر عن غضبه من طلبات شيشو، قائلاً: "لم نأت إلى هنا لنعطي أسلحتنا لأحد. ما زلنا على قيد الحياة، وما دامت فينا قطرة دم، لن يدخل أحد إلى شنكال".

أوامر بالانسحاب

ولكن عندما هاجم "داعش" شنكال في وقت مبكر من اليوم التالي، في 3 آب، سحبت قوات البيشمركة القوية 10.000 من عناصرها إلى إقليم كردستان من دون سابق إنذار، وقال قاسم ششو إن قيادة البيشمركة "هربت قبل فرار أي مدني". وبسبب انسحاب قوات البيشمركة في وقت واحد تقريباً من جميع الجبهات، فُتح الباب أمام "داعش" للهجوم على شنكال من جميع الاتجاهات وذبح واسترقاق أكبر عدد ممكن من الإيزيديين.

البيشمركة تكذب وتعد بالمساعدة

لم تفشل البيشمركة في تحذير الإيزيديين من هجوم "داعش" قبل الانسحاب فحسب، بل خدعتهم أيضاً، إذ طلبت منهم عدم الفرار لأن التعزيزات كانت في الطريق. الإيزيديون الذين قاوموا غزو "داعش" في بدايته بأسلحة قليلة كانت في حوزتهم، رووا "قصصاً عن اتصالهم بأصدقاء ومسؤولين من الحزب الديمقراطي الكردستاني والبيشمركة أكدوا لهم أن الدعم قادم، لكن ذلك لم يحدث أبداً. وفي الواقع، كان عناصر البيشمركة والحزب الديمقراطي الكردستاني قد انسحبوا بالفعل"، وفق كريستين فان دن تورن.

ولأن كثيرين من المقاتلين الإيزيديين بقوا في مواقعهم في مناطق مختلفة في شنكال بانتظار التعزيزات الموعودة، قتل تنظيم "داعش" نحو 200 منهم.

البيشمركة تقتل إيزيديين أرادوا قتال "داعش"

وفي قرية صور آوا، لم ينسحب المقاتلون الأكراد فحسب، بل قتلوا ثلاثة عناصر إيزيديين من البيشمركة نفسها، وهم إياد نايف مراد ويوسف جبل وعلي جبل، بعدما طالبوا قائدهم الكردي بأن يترك الأسلحة لهم ليتمكنوا من الدفاع عن القرية.

وعن الحادث، كتب الخبير في شؤون العراق جويل وينغ أنه "عندما رأى عناصر البيشمركة الإيزيديون وحدتهم تحزم أمتعتها للمغادرة، أخبروا قادتهم أنهم سيبقون للدفاع عن قراهم وطلبوا أسلحة. أدى ذلك إلى شجار وقتل ثلاثة من البيشمركة الإيزيديين". وأضاف وينغ أن "القرار الكردي سمح لداعش بمحاصرة القرى الجنوبية، ومن ثم السيطرة على بقية المنطقة بعدما تغلبوا على القرويين المسلحين بأسلحة خفيفة".

وقال قريب أحد الرجال الإيزيديين الثلاثة لـ The Cradle إنه قبل اندلاع القتال، قال قائد البيشمركة إن لديه أوامر من أعلى المستويات بعدم إعطاء أي أسلحة للإيزيديين.

البيشمركة تحاصر الإيزيديين

وفي حالة أخرى، منع مقاتلو البيشمركة الإيزيديين من الفرار إلى جبل شنكال، مما مكّن مقاتلي "داعش" من القبض على أكثر من 1000 منهم.

في شهادتها أمام برلمان بريطانيا، قالت سلوى خلف راشو، وهي فتاة إيزيدية تبلغ من العمر 16 عاماً، إنها عندما حاولت الفرار مع عائلتها إلى الجبل، "أوقفتنا نقطة تفتيش تابعة للبيشمركة ومنعتنا من إكمال طريقنا". وعندما سلكوا طريقاً آخر أطول للفرار نحو الجبل، "صوبت قافلة من البيشمركة مع قائدها سارباست بابيري وجنوده بنادقهم نحونا وهددونا"، وقالوا لسلوى وعائلتها: "ابتعدوا عن الطريق لتتمكّن قافلة البيشمركة من الفرار أولاً والوصول إلى الجبل". وأضافت أنه بعد خروج قافلة البيشمركة، "تعطلت إحدى السيارات وأغلقت الطريق ما أدى إلى ازدحام مروري. كنا ننتظر. وخلال هذه الفترة، وصل إلينا إرهابيو داعش وحاصرونا".

تعرّضت سلوى للاسترقاق والاغتصاب لمدة ثمانية أشهر على يد أحد قادة "داعش" قبل أن تتمكّن من الفرار.

ويظهر مقطع فيديو أن السيارة التي تسبّبت في ازدحام مروري لم تكن مدنية، بل مركبة عسكرية للبيشمركة، وأكّد ميرزا ​​إسماعيل أن البيشمركة تعمّدت محاصرة الإيزيديين بقطع الطريق. وقال لـ The Cradle "وضعوا السيارة في الطريق وقالوا إنها معطلة. ثم قالوا للناس إن عليهم العودة. كان مسلحو داعش وراءهم وأُسر الكثيرون. كانت عائلتي هناك لكنهم تمكنوا من الفرار. كان هناك اثنان من أبناء عمومتي هناك".

البيشمركة تنضم إلى "داعش"

وقالت إيزيدية لـ The Cradle إنها أثناء هروبها وشقيقها سيراً على الأقدام نحو الجبل، رأت بعض أفراد البيشمركة ينضمون إلى "داعش". وأضافت "خلف تلة أكبر رأينا ثلاث مركبات للبيشمركة. كان بإمكاننا أن نرى كيف خلع أفراد البيشمركة زيهم الرسمي وارتدوا ملابس داعش السوداء. لقد صدمت. لا أعرف عددهم، لكن كان هناك الكثير منهم".

وقال محام إيزيدي وثّق شهادات ناجين من الإبادة الجماعية لـ The Cradle "لدي أكثر من 500 شهادة، الجميع يقولون الشيء نفسه: لقد خانتنا البيشمركة. ورأى كثيرون منهم كيف انضم أفراد البيشمركة إلى داعش، وقالو إن الطلقة الأولى أتت من البيشمركة. عمليات القتل الأولى بدأت على يد البيشمركة".

بارزاني يؤوي قيادات "داعش"

بعد ارتكاب الإبادة الجماعية، لجأ بعض أعضاء "داعش" إلى منطقة كردستان الخاضعة لنفوذ بارزاني. وقال الناشط الكردي البارز قادر نادر إنه في أعقاب الإبادة الجماعية للإيزيديين، كان قادة "داعش" المقرّبون من أبو بكر البغدادي يقيمون في عاصمة الإقليم هولير، تحت حماية الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني الذي قدم لهم شققاً آمنة ورواتب سخية.

على سبيل المثال، اكتشف الإيزيديون أن قائد "داعش" الذي ساعد في قيادة الإبادة الجماعية، صلاح مصطفى قرباش، كان يعيش لاحقا في هولير. وتعرّف الإيزيديون إلى قرباش من مقابلة تلفزيونية أجراها خلال هجوم آب 2014 وبرّر فيها أخذ النساء الأيزيديات كعبيد جنس، ودعا الإيزيديين إلى اعتناق الإسلام أو القتل.

عام 2017، ظهر قرباش على محطة تلفزيونية مموّلة من الحزب الديمقراطي الكردستاني في هولير، وأعلن تأييده للاستفتاء الذي دعا إليه بارزاني من أجل استقلال الأكراد، واصفاً إياه بأنه خطوة نحو إقامة دولة إسلامية.

لماذا دبّر بارزاني الإبادة الجماعية؟

قبل الإبادة الجماعية وأثنائها، قامت قوات البيشمركة التابعة لمسعود بارزاني بمحاصرة الإيزيديين ونزع سلاحهم وخداعهم والتخلي عنهم. ومكّنت خيانة البيشمركة للإيزيديين تنظيم "داعش" من ذبح واسترقاق الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، في حين أجبر مئات الآلاف على الفرار من شنكال.

لكن لماذا استخدم بارزاني البيشمركة لارتكاب إبادة جماعية للإيزيديين بالشراكة مع "داعش"؟

إيزيدي من شنكال شرح لـ The Cradle دوافع البارزاني، مشيراً إلى أن "المسلمين الكرد ليسوا من السكان الأصليين لشنكال، لكنهم يريدون الاستيلاء عليها. يستولون على الأراضي ثم يبنون المساجد ويقتلون بعض الناس ويسيطرون على الأرض ويحاولون تحويل الناس إلى الإسلام بالقوة".