إشكاليات النفوذ التركي والإرهاب.. هل افتقد اجتماع الرياض إلى خطة واضحة حول سوريا؟

انتهت، أمس الأحد، أعمال اجتماع الرياض حول سوريا، ويبدو أنه لم يشر إلى تشكل خطة واضحة بعد بشأن التعاطي مع الوضع السوري، خاصة نفوذ تركيا المقلق ومخاطر جماعات الإرهاب.

وأتى اجتماع الرياض كأكبر اجتماع دولي بشأن سوريا منذ إسقاط نظام بشار الأسد بمشاركة 11 دولة، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، لكن رغم ذلك لم تبدو هناك خطة تحظى بإجماع حول الوضع المستقبلي لدمشق بعد وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، وتعدد الأجندات والأولويات لدى المشاركين بهذا الاجتماع الكبير.

ويرى كثير من المراقبين أن الثابت الآن أن الأراضي السورية أصبحت ملعباً رئيسياً للنفوذ التركي ومعه القطري، أو أقرب إلى ذلك، ومعهما تنظيمات الإسلام السياسي، لا سيما أن أنقرة كان لديها خطة واضحة بشأن مرحلة ما بعد سقوط بشار الأسد في سوريا، خاصة على الصعيد الاقتصادي، يمكن اعتبارها أنها استكمال للدعم المفتوح الذي كانت تقدمه لهيئة تحرير الشام من قبل.

غياب الخطط الواضحة

وطالبت مخرجات اجتماع الرياض برفع العقوبات المفروضة على دمشق، وتهيئة ظروف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، لكن الاجتماع لم يحدد الخطوات العملية لتنفيذ ذلك، لا سيما أن ملف مثل عودة اللاجئين يثير الكثير من الجدل لا سيما آلية عودتهم، وكذلك إلى أي أماكن سيعودون في سوريا.

أيضاً فإن هناك بعض الدول سواء عربية أو غربية لديها مخاوف بقدر كبير بشأن آلية توظيف الأموال التي يمكن أن يتم رفع الحظر عنها، خاصة وأنها ستكون تحت تصرف هيئة تحرير الشام، التي رغم التطمينات التي تقدمها، فإن العالم لا ينسى تاريخها، وأنها منبثقة عن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي.

يقول السفير شريف شاهين نساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه قد يكون صحيحاً أنه لم نرى خطة واضحة من اجتماع العقبة بشأن التعاطي مع الأزمة السورية، وهذا لأن الخطط لا تأتي إلا عبر سلسلة من الاجتماعات المتعاقبة؛ نظراً لتعقد المشهد في سوريا.

ويضيف "شاهين" أن هناك بعض الدول العربية لديها مخاوف من الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام والنفوذ التركي، مثل مصر والإمارات العربية المتحدة والعراق، ولكن هنا يمكن أن تكون هناك بعض الأوراق التي يتم استخدامها، منها حاجة السلطة الحالية في دمشق إلى الاعتراف الدولي والإقليمي، وحاجتها إلى الدعم الاقتصادي، لأنها ببساطة "حكومة قادمة من الميدان" وتحتاج إلى أشياء كثيرة.

إشكالية النفوذ التركي القطري

أيضاً إذا كان اجتماع العقبة ركز على مسألة رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وتقديم الدعم الإنساني اللازم، لكنها أمور تبدو مرحلية آنية، وليست ذات بعد استراتيجي، في ظل توجسات إقليمية تجاه إدارة هيئة تحرير الشام، والتي ترجمتها الهجمات التي تشنها تيارات الإسلام السياسي على مدار الأيام الماضية تجاه دول مثل مصر والإمارات، ومن هناك تظهر إشكالية مواجهة النفوذ التركي – القطري.

 

هنا يقول طارق البرديسي الخبير في العلاقات الدولية، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الدول العربية الرئيسية لا شك بأن لديها قلق ومخاوف بشأن انجراف الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام، او حتى الحكومات السورية القادمة نحو الارتماء في أحضان تركيا وحليفتها قطر، ويتدخل مع ذلك بطبيعة الحال التنظيم الدولي للإخوان.

ويضيف البرديسي أن هذا إن حدث، فسيكون كل ما تغير في سوريا أنها غيرت ولاءاتها من إيران إلى تركيا، لافتاً إلى أنه من المعروف أن طهران أو أنقرة لا يعنيهما إلا مصالحهما ونفوذهما وأطماعهما في المنطقة، وبالتالي فإن مواجهة النفوذ التركي تساوي مواجهة النفوذ الإيراني، وهنا تأتي الإشكالية الرئيسية لدى كثير من الدول العربية.

ويرى خبير العلاقات الدولية أنه حتى لو كانت ميول إدارة هيئة تحرير الشام أقرب إلى أنقرة التي دعمتها دعما كبيراً للغاية، إلا أن هذا لا يعني أن دول مثل السعودية ومصر والإمارات ستدير ظهرها لسوريا، وإنما سيكون لها وجودها، لأن ترك الساحة السورية خالية دون دور عربي جماعي يعني ذهاب دمشق إلى أنقرة "على طبق من ذهب"، كما حدث من قبل وذهبت إلى طهران.

ويؤكد البرديسي، في ختام تصريحاته، أن وجود الدور العربي هذا يعتمد على أمرين:

أولهما أن تكون هناك خطة عربية جماعية محددة الخطوات، وتتبناها جامعة الدول العربية بشأن سوريا، لا تقتصر على مجرد الدعوات إلى عملية سياسية شاملة، وإنما تترجم في شكل قرارات عملية في ملفات مهمة مثل إعادة الإعمار ودعم الاقتصاد، مشيراً إلى أن الجانبين القطري والتركي كانا أكثر استعداداً في ظل العلاقات التي تربطهما بهيئة تحرير الشام.

وكانت مصادر أمريكية تحدثت مؤخراً عن أن قطر ستمول الجانب الأكبر من زيادة في الأجور، تعتزم إدارة هيئة تحرير الشام تطبيقها، والتي يصل بعضها إلى ما نسبته 400% من رواتب العاملين بالقطاع العام، في الوقت الذي يدور فيه حديث واسع النطاق عبر الإعلام التركي عن برامج التعاون في الاقتصاد وإعادة الإعمار بين دمشق وأنقرة.

في الوقت ذاته، فلم يقدم المجتمعون كذلك رؤية واضحة بشأن التعامل مع العناصر الإرهابية المنضوية ضمن هيئة تحرير الشام، والذين كما سبق وتمت الإشارة إليه وجهوا تهديدات مباشرة إلى دول عربية معروفة بمواقفها المناوئة لتيارات الإسلام السياسي، فضلاً عن الموقف من المقاتلين الأجانب في هذا البلد الذي يعاني الفوضى منذ عام 2011، كما لم تكن هناك مواقف واضحة بشأن وجود إسرائيل في الأراضي التي احتلتها الأسابيع الماضية.