انتفاضة الشعوب في إيران وقصف النظام

في هذا الوضع الراهن، الأمر الرئيسي الآن، هو أن يرى ويفهم المحتجون والشعب الإيراني خدعة النظام هذه، وأن يتخذوا موقفاً ضدها، كما يجب أن يرى المثقفون والناس وبالأخص من خارج المجتمع الكردي هذا الأمر.

وفي الوقت التي تتواصل فيه الاحتجاجات الشعبية التي تقودها المرأة بعد جريمة مقتل جينا أميني (22 سنة) من قِبل "شرطة الأخلاق"، والتي بدأت في جميع أنحاء شرق كردستان وإيران تزداد انتشاراً في البلاد، ونلاحظ بأن النظام الإيراني  في الأيام القليلة الماضية بات يشعر بالإنزعاج، وبدأ بقصف قوات وأحزاب شرق كردستان المتواجدة على حدود جنوب كردستان.

واليوم، نرى أن المظاهرات التي تقودها المرأة، وخاصة من الشعب الكردي، بالإضافة للشعب الفارسي والبلوشي والأذري والمكونات الأخرى، تتواصل  في طهران وأكباتان وقزوين ومشهد وكرج وأصفهان وبعض المدن الأخرى في محافظات فارس وفيروزاوا وزارين دشت، وقم ، وتبريز، وكذلك في مناطق شرق كردستان، وبشكل أساسي في مدن سنا ، وكرمانشان، ولوريستان، وأورميا والعديد من الأماكن الأخرى، وعلى الرغم من أن النظام الإيراني قطع الإنترنت ووسائل الإعلام حتى لا تظهر الاحتجاجات، فقد وقفت جميع شعوب المنطقة وعلى رأسهم المرأة ضد النظام وطالبت بإسقاط النظام.

إن هذه الاحتجاجات آخذة في الانتشار أكثر فأكثر، فاليوم، انضم الطلاب أيضاً إلى الاحتجاجات وأعلنوا مقاطعة المدارس، كما أعلن عمال صناعة النفط والغاز أيضاً، أنه إذا استمر النظام على هذا النحو وأسرف في ممارسة قمعه، فسوف يقاطعون العمل أيضاً، كما أفادت صناعة السيارات أيضاً أنها قد تعلن مقاطعتها للعمل.

وهنا أود أن ألفت الانتباه إلى أن الاحتجاجات التي جرت ضد شاه إيران، والتي كانت أيضاً بسبب نزع الإجباري  للحجاب، والتي بدأت الاحتجاجات حينها مرة أخرى بقيادة المرأة، وأعلن عمال النفط والغاز، والطلاب المقاطعة مرة أخرى للعمل والمدرسة، حيث كان لهذه المقاطعة تأثير كبيرعلى نظام الشاه وأدت إلى سقوطه، لأنه مع إعلانهم الإضراب عن العمل بشكل كامل، فإن النظام يُصاب بالشلل الاقتصادي والصناعي ولن يمكنه الصمود والمقاومة.

ومن مفارقات وخصوصية هذا الانتفاضة في البلاد، هو أن شعوب المنطقة قد انتفضت الآن بشكل علني وبلا خوف ضد النظام الإيراني، فالفقراء على وشك الموت بسبب هذا الوضع، لأنهم رضخوا لقمع وضغوطات النظام، فمن خلال المظاهرات يمكن ملاحظة هذا الأمر، وأن هذا الأمر كان سبباً في دفع الناس لعدم تحمله أكثر من ذلك، وهذا الأمر حرض الناس لتثور وتنتفض، فشعوب المنطقة لم تعد تطالب فقط بإلغاء الحجاب القسري، ولا بتحسين الاقتصاد وتوفير الخدمات فقط، بل باتت تطالب بالحرية، وهذه إحدى الخصوصيات المختلفة عن الاحتجاجات الأخرى، فالناس تطالب بإسقاط النظام، ولهذا السبب، فإن الانتفاضة لم تنحصر في ساحة ومنطقة محدودة فقط، ولم يقتصر الأمر على شريحة من المجتمع، بل انتفضت جميع شرائح المجتمع في  الشوارع والميادين تحت شعار " المرأة، الحياة، الحرية".    

النظام الإسلامي الإيراني، الذي لم يكن يتوقع مثل هذا الموقف، خاصةً أنه لم يكن يتوقع أن تنتفض المرأة وأن تمتد مثل هذه الانتفاضة القوية إلى جميع أرجاء إيران تحت قيادة المرأة. ومع هذه الانتفاضة، تلقى الشعب دعماً قوياً من داخل وخارج البلاد، وبالإضافة إلى ذلك، يتعرض النظام الإيراني لانتقادات في الساحة الدولية بسبب سلوكه ومعاملته العنيفة ضد المتظاهرين، كما يتم تقديم الدعم للمتظاهرين، وهذا أيضاً يجعل النظام عاجزاً عن التصرف كما يحلو له، فهو يسعى لتجاوز هذه المعضلة بطريقة ما.

وفي هذا السياق، تعرضت خطوط حدود جنوب كردستان المتاخمة مع شرق وشمال كردستان للقصف من قِبل النظام الإيراني ودولة الاحتلال التركي لنحو 5 أيام متواصلة، وبشكل خاص اليوم، قصفت بالدرونات المسيّرة مراكز ومقرات قوات وأحزاب شرق كردستان، حيث طال القصف المكثف كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني-إيران وجمعية الكادحين الكردستاني وحزب الحرية الكردستاني (PAK) في السليمانية وكوي.

فمن خلال هذه الهجمات، يريد النظام أن يوجه رسالة إلى الاحتجاجات الداخلية وإلى الشعب الإيراني، فما هو مضمون هذه الرسالة؟ يريد أن يشير من خلال هذه الاعتداءات، أن هنالك أيدي خارجية في الاحتجاجات، ولا سيما الكرد، ويريد زرع الشرخ بين الأطراف المعارضة المشاركة في الانتفاضة والناشطين، لكي يظهر للقوميين الفارسيين مرة أخرى بأنهم مختلفون وهم من يقفون وراء العملية، وهكذا يتمكن من خلق فجوة بين النشطاء وتقسيمهم، وبهذه الطريقة يتمكن من إظهار الانتفاضة على أنها من جانب واحد، وإفراغ المطالب العامة من محتواها؛ وبهذه الطريقة يمكنه إخماد الانتفاضة، فعندما ينجح النظام في ذلك، فإنه سيفرق النشطاء ويوقف الانتفاضة من خلال ممارسة العنف والقتل والاعتقالات من قبل القوات الأمنية.

في هذا الوضع الراهن، الأمر الرئيسي الآن، هو أن يرى ويفهم المحتجون والشعب الإيراني خدعة النظام هذه، وأن يتخذوا موقفاً ضدها، كما يجب أن يرى المثقفون والناس وبالأخص من خارج المجتمع الكردي هذا الأمر، ويجب أن يعلموا أنهم بهذه الطريقة يريدون إخماد كل الاحتجاجات في شرق كردستان وإيران ، وقمع مطالب الناس.

ومن ناحية أخرى، فإن جنوب كردستان ، التي لم تتخذ موقفاً صريحاً وقوياً بعد ضد النظام الإيراني ولم تقدم بعد دعماً قوياً للاحتجاجات ، فيجب أن تعلم حينها جيداً أنه عندما يستمر هذا الهجوم على قوى وأحزاب شرق كردستان، فالنظام الإيراني، مثل تركيا ، سيدخل المنطقة عسكرياً ويبدأ هجماته الاحتلالية، ولهذا السبب كان يجب عليها إظهار موقف قوي أمام هذا وتقديم الدعم للاحتجاجات.