في هذا السياق، أفادت وكالة أنباء ميزوبوتاميا (MA) مؤخرا أنه تم اعتقال 34 صحفيا بسبب عملهم الصحفي خلال الـ 11 شهر الماضية فقط عبر مجموعة تحقيقات منفصلة في جميع أنحاء البلاد، وهو رقم قياسي بالنسبة لمعدل اعتقالات الصحفيين داخل دولة واحدة خلال أقل من عام.
تركيا تتراجع 16 مرتبة في تصنيف حرية الصحافة
ووفق التقارير، فإن الاتهامات التي توجه للصحفيين الكرد على الفور هي دعم منظمة إرهابية أو الانتماء لمنظمة إرهابية، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني الذي تحظره السلطات التركية، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بتغطيات صحفية تتعلق بأوضاع الكرد في البلاد، والذين يعانون من القمع الحكومي.
ولهذا تذيلت تركيا مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود الدولية في حرية الصحافة، حيث حلت في المرتبة 165 من أصل 180 دولة لتقترب من كوريا الشمالية، وتسجل تراجعا 16 مرتبة دفعة واحدة خلال عام 2023 مقارنة بتصنيف العام الماضي عندما كانت في المرتبة 149.
وانتقد تقرير مراسلون بلا حدود الذي صدر يوم 3 مايو بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة المضايقات الكبيرة التي تقوم بها السلطات التركية ضد الصحفيين، خصوصا مع اقتراب الانتخابات المقرر إجرائها في 14 أيار الجاري، حيث وصفت أوضاع الصحافة بـ"السيئة للغاية".
الاعتقالات تستهدف الضغط على حزب الشعوب الديمقراطي
في هذا السياق، يقول موقع "فرانس فانكاتر" الفرنسي إن الاعتقالات المستمرة تستهدف مزيدا من الضغوط على حزب الشعوب الديمقراطي المناصر لقضايا الأقليات وعلى رأسهم الكرد قبيل الانتخابات، حيث باتت كتلة التصويت الكردية التي تقدر بأكثر من 6 ملايين صوت بشكل كبير تتجه لكمال كليجدار أوغلو مرشح المعارضة الرئيسي للانتخابات الرئاسية في مواجهة أردوغان.
فيما قال حزب الشعوب الديمقراطي إن الاعتقالات التي تطال عددا كبيرا من الصحفيين والمعارضين غرضها استهداف كل من يمكنه حماية الصناديق الانتخابية، ومن ثم تسهيل سرقة العملية الانتخابية لصالح أردوغان في الرئاسة وتحالفه الحزبي لانتخابات البرلمان.
دعوات دولية لوقف المضايقات الممنهجة بحق الصحفيين
وفي بيان مشترك، دعت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، بما في ذلك فريدوم هاوس، والمعهد الدولي للصحافة، وPEN International، السلطات التركية إلى "وقف المضايقات الممنهجة والترهيب بحق الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام ووسائل الإعلام والمحامين الأكراد.
وقال إيرول أوندير أوغلو، الممثل التركي لمنظمة مراسلون بلا حدود، أن مداهمات الشرطة تنفذ لقمع الصحفيين الكرد، مضيفا أنه من الواضح أن ما يجري تطهير لوسائل الإعلام الكردية ووضع أحزاب المعارضة في مأزق قبل الانتخابات، وهذا لم يعد يفاجئ أحداً، وفق ما نقلت عنه إذاعة صوت أمريكا.
الاعتقالات تطال المعارضة وليس الصحفيين فقط
وواصلت السلطات التركية حملتها المسعورة كذلك تجاه بعض السياسيين، حيث تم اعتقال 3 برلمانيين عن حزب الخضر اليساري، بتهمة الانتماء إلى منظمة محظورة في تركيا، في إشارة أيضا إلى حزب العمال الكردستاني.
وتستهدف تلك الحملة من الاعتقالات تحديدا حزب الشعوب الديمقراطي المناصر لقضايا الأقليات الذي قرر خوض الانتخابات البرلمانية تحت تحالف حزب الخضر اليساري، وذلك لتجنب قرار محتمل من المحكمة العليا بإمكانية حظر الحزب.
ويملك الكرد أكثر من 10% من أصوات الناخبين ولهذا توصف قوتهم التصويتية بـ"الكتلة الحرجة صانعة الملوك"، كونها على الأقل ستحرم حزب العدالة والتنمية من تحقيق الأغلبية البرلمانية، كما أنها يتوقع أن تكون سببا في هزيمة أردوغان أو على الأقل جعله يخوض جولة ثانية أمام منافسه الرئيسي كمال كليجدار أوغلو.
وكان حزب الخضر اليساري قرر عدم الدفع بمرشح للانتخابات الرئاسية، وهي الخطوة التي فهمت على أنها دعم لمرشح تحالف المعارضة وكمال كليجدار أوغلو، وهو الأمر الذي يقلق النظام التركي، ويجعله يقوم بكل تلك الممارسات.
ويخشى أن يطال القمع كذلك حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، وذلك بعد اتهام الرئيس التركي للحزب المعبر عن الكمالية في البلاد ويسار الوسط، بالاستسلام لأجندة حزب الشعوب الديمقراطي ودعم جماعات إرهابية، على حد زعمه.
سلطات مطلقة لـ"أردوغان" منذ تحويل البلاد إلى النظام الرئاسي
وبات الرئيس التركي يتمتع بسلطات تنفيذية مطلقة منذ أن أقدم على تعديل النظام السياسي في البلاد وتحويله من النظام البرلماني إلى الرئاسي، وذلك بعد أن كان الرئيس مجرد منصب رمزي، بينما كانت السلطات الفعلية بيد رئيس الوزراء.
لكن "أردوغان" يشعر بحالة من الارتباك في ظل تراجع شعبيته أمام مرشح المعارضة وفق استطلاعات الرأي، وذلك بسبب السياسات القمعية التي يتبعها، فضلا عن استجابة حكومته الضعيفة للتعامل مع الزلزال المدمر الذي أوقع أكثر من 50 ألف قتيل.
كما تعاني البلاد اقتصاديا، حيث وصل معدل التضخم إلى أكثر من 80%، فيما فقدت العملة التركية "الليرة" نحو ثلثها أمام الدولار الأمريكي، في وقت يتمسك الرئيس التركي بتخفيض سعر الفائدة، ولهذا تواجه سياساته النقدية انتقادات كبيرة، لكن دون أي استجابة من "أردوغان".