الهجوم على الفاشر.. هل تغير المدينة مسار الحرب في السودان

يستمر الصمود الأسطوري الذي تسطره مدينة الفاشر المعقل الأخير للجيش السوداني بدارفور أمام الهجمات المتتالية لقوات الدعم السريع، وسط تساؤلات عن مصير المدينة بين السقوط أو الاستبسال في الصمود.

كشفت تقارير دولية عن هجوم واسع شنته قوات الدعم السريع خلال اليومين الماضيين على مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور وآخر معاقل الجيش السوداني بالإقليم، حيث استمر الهجوم أربعة أيام متوالية في 3 محاور، وسط مزاعم لقوات الدعم عن سيطرتها على أجزاء من المدينة، وتعتبر واحدة من جولات القتال الأعنف على المدينة، التي نجحت في التصدي لكافة محاولات الدعم في السيطرة عليها.

الهجوم الأخير

صاحب الهجوم الأخير على الفاشر تنديد دولي، حيث دعت الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض شون سافيت إلى الوقف الفوري للهجمات على مدينة الفاشر، منددا بتصاعد الحصار الذي تفرضه قوات الدعم على المدينة منذ أشهر.

وتبنت نفس الموقف المنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، مطالبة بوقف العنف المسلح المستمر والدمار بمدينة الفاشر، مشيرة إلى أنه لا يوجد عذر للهجمات المباشرة على المدنيين والمرافق الأساسية مثل المستشفيات.

يقول أحمد حسين مصطفى أردوب، الناطق باسم القوة المشتركة للحركات المسلحة في الفاشر في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF) من داخل المدينة، إن الهجوم الأخير كبدت ميليشيات الدعم السريع خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وتم القضاء على معظم القوة المهاجمة والقضاء على مجموعة من القيادات بما فيه قائد المتحرك العقيد عبد الرحمن قرن شطة.

وأضاف، أن الأوضاع في مدينة الفاشر هادئة ومستقرة والحياة بدأت تسير بصورة طبيعية فقط هنالك قصف لمليشيات الدعم السريع بالمدفعية الثقيلة من خارج المدينة.

بينما يقول كمال كرار القيادي في الشيوعي السوداني في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه تبدو الفاشر للطرفين وكأنما هي أم المعارك بالنسبة للجيش والحركات العسكرية المتحالفة معه فيما يسمى بالقوات المشتركة هي اختبار قوة لهم ومعركة يعتبرونها مصيرية بعد أن أعلنوا صراحة تخليهم عن الحياد، وأضاف أن معركة الفاشر بالنسبة للدعم السريع فهي عاصمة شمال دارفور ولو استطاعت قواته الاستيلاء عليها فقد أصبحت كل دارفور تحت سيطرته، وهذا يتيح لهم التمدد ناحية ما تبقى من كردفان مثل مدينة الأبيض.

وتعتبر الفاشر العاصمة التاريخية للإقليم وعاصمته السياسية قبل انضمامه إلى السودان، وتتميز جغرافية شمال دارفور بأنها براري تتخللها وديان ومساحات صحراوية شاسعة، تسكنها قبائل رعاة الإبل والغنم، مثل "الزغاوة" و"البديات".

الجيش يقصف مقره

تعتبر أبرز المشكلات التي ظهرت خلال الهجوم الأخير هو القصف الخاطئ الذي قامت به الطيران الحربي للجيش السوداني على مقر سلاح النقل داخل الفرقة السادسة مشاة، مما أدى لمقتل 5 جنود وإصابة 9 آخرين بالإضافة إلى مستودع للأسلحة.

وأشار بيان للقوات المشتركة التابعة للجيش إلى تعرض الطائرة التي نفذت الغارة إلى "تشويش" أدى إلى قصف المقر بالخطأ.

وتعددت الروايات التي فسرت قصف الجيش السوداني لمقراته، تدور أحاديث على أن قائد الفرقة السادسة في الفاشر وقائد سلاح الاستخبارات بها يسربون معلومات لقوات الدعم السريع، وهم السبب في الإحداثيات الخاطئة للطيران الحربي. وتحدثت تقارير أخرى عن نشوب قتال داخل الفرقة على إثر القصف الخاطئ أسفر عن مقتل ضابط إداري متهم بالوقوف وراء جهاز التشويش وآخر برتبة ملازم قلل من حجم الحادثة.

وتجد رواية غير رسمية تحدث عنها قيادي من الحركة الإسلامية، مفادها أنه من أجل ألا يحدث ما حدث في مدن أخرى في دارفور مثل زالنجي ونيالا اقترح هذا القيادي على الجيش أن يقصف مقرات الفرقة من أجل ألا يترك عتاد عسكري وسلاح وذخيرة للدعم السريع باعتبار أن الدعم يستفيد من الأسلحة التي يتركها لهم الجيش.

بينما تحدثت فيديوهات لعناصر من الدعم السريع عن فرضية أخرى وهو احتواء مقرات الفرقة أسلحة محرمة دولياً وهم قصفوا المكان لكي يخفوا اثار تلك الأسلحة ولا يحصل عليها الدعم السريع

واكتفى "أردوب" بالإشارة إلى وجود تحقيق حول الحادثة يجري الآن، مبيناً أن التقارير التي تحدثت عن مقتل أفراد في اشتباكات داخل مقر قيادة الفرقة هي معلومات لا أساس له من الصحة وغير حقيقية أبدا.

وأشار الناطق الرسمي باسم القوة المشتركة للحركات المسلحة في الفاشر، إلى أن مصدر الخبر وهو موقع دارفور ٢٤ توجهاته معروفة وغير محايدة ودائما يقوم بعملية تضليل الرأي العام

بينما أوضح "كرار"، أن الجيش لم يوضح شيء عبر بيان رسمي، ولكن ما نشر عن القوات المشتركة انه قصف بالخطأ، وهذا تكرر أكثر من مرة في أكثر من موقع، ربما لأن سلاح الطيران والعمليات الجوية غير متطورة بالشكل الذي يستهدف بالضبط الاهداف المقصودة، وذلك يعود إلى أن الطائرات نفسها من جيل قديم وغير حديث.

وأشار السياسي السوداني إلى أن الروايات التي تتحدث عن قصف متعمد فلا اظنها حقيقة، لأنه لا مصلحة للجيش في قصف قوات متحالفة معه.

مصير الفاشر وسيناريوهات الصراع حولها

يعتبر السؤال الشائك حول الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور هو مصير المدينة، وماذا قد يحدث في حالة سقوطها أو استمرار صمودها

يصف المتحدث باسم القوة المشتركة المشهد الحالي مبيناً أن الأحياء الجنوبية التي دارت بها الاشتباكات بخير و ارتكازات الحركات موجودة بل أن القوة المشتركة في حالة تقدم.

وأوضح أن حديث الدعم السريع عن سيطرتهم على المستشفى أيضا لا أساس له من الصحة وكلها تضليل إعلامي بغرض التغطية على هزيمتهم الأخيرة والقضاء على معظم قياداتهم وقتل قائد المتحرك عبد الرحمن قرن شطة.

ويرى كرار، أن الوضع سيكون على ما هو عليه لفترة قد تطول الى حين ايجاد تسوية سياسية، لأن الفاشر مدينة ذات كثافة سكانية عالية، ومعظم نازحي دارفور هربوا اليها، وبالتالي يصعب اجتياحها.

وأورد السياسي اليساري السوداني أسباب أخرى ترجح صمود المدينة، وهو ان القوات المهاجمة تكون مكشوفة أمام المدافعين والطيران ولهذا فشلت كل الهجمات السابقة، مبيناً أنه قد يلجأ الدعم السريع لوسيلة الحصار والتجويع بدلا عن الهجوم العسكري.

وشدد كرار في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF) ، على صعوبة تحويل حالة الدفاع داخل المدينة إلى الهجوم لأن الفصائل المدافعة داخل الفاشر لا تستطيع ان تتقدم الي خارجها والى مناطق جديدة بل ستكتفي بالدفاع لأسباب لوجستية وعسكرية.

وتقول أمل محمد الحسن، الإعلامية السودانية ومديرة تحرير صحيفة التغيير السودانية في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء(ANF)،  أن المعركة ستستمر وقت طويل لأن المعركة فيها استماتة كبير من الطرفين سواء من الحركات المسلحة أن لا تسقط المدينة أو من طرف الدعم السريع أن يستولى على المدينة، مما يجعل من الأيام القادمة صعبة على سكان المدينة.

 وأضافت، أن الحركات المسلحة مستبسلة في الدفاع عن الفاشر أو بالأدق الحواضن الشعبية لتلك الحركات من القبائل الأفريقية وخاصة قبيلة الزغاوة.