منسق العلاقات العربية بالبرلمان الألماني: لا مكان لحقوق الإنسان

تحقيق جديد جاءت نتائجه كارثية بشأن أوضاع اللاجئين في تركيا، إذ أدان النظام التركي والاتحاد الأوروبي فيما يتعرض له هؤلاء من انتهاكات وتعسف واعتقالات وإبعادهم وتعريضهم للخطر.

أجرت منظمة "لايت هاوس ريبورتس" تحقيقاً مؤخراً جاء فيه أن الاتحاد الأوروبي سكب مئات الملايين من اليورو في البنية التحتية من أجل الإبقاء على اللاجئين السوريين والأفغان في تركيا، الذين "احتجزوا" – حسب وصف التحقيق – من قبل أنقرة في ظروف مزرية، ثم يتم ترحيلهم قسراً إلى بلدانهم الأصلية التي وصفها بـ "المناطق الخطيرة" بالمشاركة مع الاتحاد الأوروبي الذي كان حاضراً في كل خطوة.

ويواجه سجل اللاجئين وخصوصاً السوريين في تركيا على مدار السنوات الماضية أوضاعاً قاسية للغاية، لا سيما وأن عديداً من التقارير أكدت أن النظام التركي استغلهم في عمليات ابتزاز لأوروبا، وكذلك كورقة انتخابية داخلية، كما أنه حصل على مليارات من أوروبا بداعي الإنفاق عليهم لكن لم ينالوا منها إلا مبالغ زهيدة، فضلاً عن ترحيل بعضهم إلى مناطق في شمال وشرق سوريا بهدف تغيير التركيبة الديمغرافية لتلك المناطق.

سر التعاون التركي الأوروبي

لكن ما الذي يدفع الاتحاد الأوروبي المدافع عن حقوق الإنسان إلى التعاون مع تركيا في جريمة كهذه؟، سؤال تأتي الإجابة عليه من خلال التحقيق المشار إليه، والذي قال إن أنقرة التي تستضيف ملايين اللاجئين من أفغانستان وسوريا رحلت مئات الآلاف منهم في السنوات الأخيرة، باستخدام نظام ممول من قبل الاتحاد، موضحاً أنه في حين لا يستطيع الأخير ترحيل السوريين أو الأفغان مباشرة إلى بلدانهم الأصلية بسبب القوانين الدولية التي تحظر العودة إلى أماكن الخطر، فقد عمل مع أنقرة لإنشاء منطقة عازلة خارج حدودها، حيث ضخ ما يقرب من مليار يورو للسيطرة على الهجرة منذ عام 2014، وإن كان الواقع يؤكد أن المبالغ أكثر من ذلك.

التحقيق الذي شاركت فيها مجلة بوليتيكو الأمريكية وصحيفة إل بايس الإسبانية ودير شبيجل الألمانية إلى جانب منظمة "لايت هاوس ريبورتس" توصل إلى أنه على سبيل المثال فإن الاتحاد الأوروبي أنفق 235 مليون لبناء وتجديد وصيانة ما يقرب من 30 "مركز إبعاد" في تركيا، حيث يواجه المحتجزون ظروفاً مكتظة وغير صحية، وإساءة المعاملة وحتى التعذيب، وكثيراً ما يُرغَم اللاجئون بعنف على التوقيع على وثائق تعلن زوراً عن رغبتهم في العودة "طوعاً" إلى بلدانهم الأصلية.

تعذيب وانتهاكات

وذكر التحقيق، الذي نقلت تفاصيله صحيفة "تركيش مينيت" التركية في نسختها الإنجليزية، أن المعتقلين وصفوا تعرضهم للضرب، واحتجازهم في غرف شديدة البرودة لمدة تصل إلى 12 ساعة قبل أن يتم ترحيلهم قسراً، كما تكشف شهادات هؤلاء الذين احتجزوا عن انتهاكات منهجية وتجاهل لحقوق الإنسان الأساسية، وهو ما تم تحذير المسؤولين في الاتحاد الأوروبي منه مراراً وتكراراً، لكنهم اختاروا تجاهله.

وتحوي تركيا 32 مركز إبعاد تتسع لنحو 20 ألف شخص، ووفقا للوثائق التي تم استعراضها، تم إنفاق أموال الاتحاد الأوروبي على المرافق والمعدات بما في ذلك أسوار الأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة وأنظمة بصمات الأصابع وحتى ملابس الأطفال، وفي حين يزعم الاتحاد أن مساعداته كانت تهدف إلى تحسين الظروف في هذه المراكز، فإن اللاجئين أفادوا بأن الإمدادات التي يمولها الاتحاد الأوروبي، مثل الصابون والوسائد، كانت تُحجب في كثير من الأحيان.

كما وجد التحقيق أن المعتقلين تعرضوا لمصادرة ممتلكاتهم، بما في ذلك هواتفهم، مما يجعل من المستحيل تقريباً الاتصال بالمحامين أو أفراد الأسرة، وكان الوصول إلى الدعم القانوني مقيداً، حيث تمكن 21% فقط من المعتقلين في عام 2022 من تأمين محامٍ، وفقاً لبيانات داخلية للاتحاد الأوروبي، فيما تُرك العديد من اللاجئين دون تمثيل حيث أُرغموا على التوقيع على نماذج تحت التهديد بالعنف.

تجاهل أوروبي

وعلى الرغم من الأدلة الكثيرة على الانتهاكات، تجاهل كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي المخاوف مراراً وتكراراً، وقد أخبر دبلوماسيون أوروبيون ومسؤولون سابقون في الاتحاد الأوروبي فريق التحقيق أن القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والترحيل القسري تم محوها بشكل منهجي من التقارير الرسمية للاتحاد، بل قال أحد المسؤولين السابقين به إن "الجميع يعلمون. الناس يغمضون أعينهم".

تعليقاً على ذلك، يقول الدكتور عبدالمسيح الشامي منسق العلاقات العربية – الألمانية بالبرلمان الألماني إن موقف الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق باللاجئين سواء من سوريا وغيرها لم يكن يعنيه سوى إبعادهم عن حدوده بأي طريقة والنظام التركي استغل ذلك، مشدداً على أنه بالتالي لا مجال هنا للحديث عن حقوق الإنسان رغم أن الاتحاد يتشدق بذلك.

وأضاف، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء، أن النظام التركي حصل على الأقل من الاتحاد الأوروبي على 6 مليارات يورو، وكان يفترض أن هذه الأموال توجه لرعاية اللاجئين، لكن جزء قليل منها كان يوجه لهم، في حين الأموال كانت تذهب إلى البلديات الأخرى لصالح الأتراك، لدرجة أن المساعدات التي تم تقديمها إلى أنقرة خلال فترة الزلازل كان يتم توجيهها للأتراك رغم أن مناطق اللاجئين السوريين كانت الأكثر تضرراً.

اتفاقية جائرة

وقد حولت اتفاقية الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، التي تم توقيعها في عام 2016، أنقرة إلى الشريك الرئيسي للاتحاد الأوروبي في الحد من تدفقات الهجرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، ومنذ ذلك الحين، حولت الحكومة التركية بشكل متزايد البنية التحتية الممولة من الاتحاد إلى أدوات للترحيل الجماعي، في وقت أكد أردوغان علناً رغبتها في الحد من عدد اللاجئين في تركيا، وغالباً ما يستخدم التمويل الأوروبي لهذه العمليات.

في المقابل، تزعم بروكسل أنها تراقب كيفية استخدام أموال الاتحاد الأوروبي في تركيا، لكن العديد من الدبلوماسيين ومسؤولي الاتحاد الأوروبي صرحوا بشكل غير رسمي أن الرقابة ضئيلة، فقد قال أحدهم إنه قد كانت هناك دائماً مخاوف بشأن حقوق الإنسان فيما يتعلق بالتمويل لتركيا، ومع ذلك، لم يكن هناك سوى القليل من الإجراءات الملموسة لمعالجة الانتهاكات أو سحب التمويل.

ويؤكد التحقيق على تواطؤ الدول الأوروبية في نظام ينتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فمع استمرار تركيا في العمل كشريك فعلي للاتحاد الأوروبي في الترحيل، يُترَك اللاجئون، بما في ذلك النساء والأطفال، لتحمل وطأة نظام مسيء تم بناؤه وصيانته بأموال دافعي الضرائب الأوروبيين.