إسقاط أنظمة ثم تنظيمات.. هل يدخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة من "الفوضى الخلاقة"؟

قبل أيام تحدث رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو عن تحول استراتيجي في الشرق الأوسط، كتصريحات أعادت إلى الأذهان ما كان يثار قبل نحو عقدين عن الشرق الأوسط الجديد.

رافق حديث نتنياهو كثير من التقارير الصحفية الدولية، خاصة الأمريكية، تتحدث عن بناء شرق أوسط جديد تقوده إسرائيل على أساس علاقات بين الدول يغلب عليها الطابع الاقتصادي، ولا توجد به جماعات مثل حماس أو حزب الله أو الحوثيين، إذ أن مهمة تل أبيب الآن هي القضاء عليها.

والحديث يجر بعضه، فمصطلح الشرق الأوسط الجديد يبدو أنه فكرة لا تسقط دائماً، فمنذ الغزو الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003 تردد المصطلح بقوة مقترناً بمصطلح آخر هو "الفوضى الخلاقة" وقتها كان على لسان كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة.

ثم مرت سبع سنوات تقريباً ودخلت المنطقة مرحلة غير مسبوقة حملت عنوان "الربيع العربي" أسقط فيها أنظمة عتيدة واقترنت بموجة إرهاب عاتية، وضربت الاضطرابات عدة دول كانت تشكل العمود الفقري لهذا الإقليم، فيما بقت إسرائيل قوية، والآن يثار مجدداً الحديث عن شرق أوسط جديد، وكأن الأخير يمر بمراحل عديدة إحداهما ما يجري في الوقت الحالي بما يشهد من تغيرات دراماتيكية.

خريطة القوى

يقول الباحث السياسي أحمد سلطان، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن ما يجري إعادة ترتيب لخريطة القوى في المنطقة برغبة الولايات المتحدة المنشغلة بالصراع الجيوسياسي والاستراتيجي مع روسيا والصين، ولذا فإن واشنطن تريد التفرغ من منطقة الشرق الأوسط ومن ثم التركيز مع موسكو وبكين.

وأضاف أن هذا الاتجاه كان واضحاً على مدار السنوات الماضية، على نحو شكل خصماً من الرصيد الأمريكي في المنطقة، ما دفع حلفاء تقليديين إلى إعادة النظر في العلاقة مع واشنطن وتقويتها مع منافسيها سواء الدب الروسي أو التنين الصيني، معتبراً أن الإدارة الأمريكية رأت بعد هذا ضرورة العودة بقوة إلى الشرق الأوسط ولكن من خلال قاعدتها المتقدمة إسرائيل.

وقد كان ملاحظاً بالفعل على مدار السنوات الماضية أن دولاً إقليمية حليفة للولايات المتحدة مثل الإمارات والسعودية تعمل على تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا، لدرجة أن بكين رعت اتفاقاً لإعادة تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، كما أعادتا الدولتان علاقاتهما مع النظام السوري حليف موسكو رغم التحفظات الأمريكية.

ويرى سلطان أنه لكي يتم إعادة رسم خريطة تلك القوى وحدود النفوذ، فإنه يفترض التخلص من كل الفواعل الذين يشكلون خطراً على الإدارة الأمريكية أو إسرائيل، من خلال هجمات ضد الفصائل الولائية المرتبطة بإيران أو توجيه ضربة للأخيرة نفسها، يعقب ذلك تطبيع للعلاقات على أساس اقتصادي مع إسرائيل، والتهيئة لحصار الدول التي ترفض التطبيع الاقتصادي عبر أحزمة أزمات وتفجير الأوضاع الداخلية.

وقد طبعت عدة دول عربية مع إسرائيل عبر اتفاقات رسمية مثل الإمارات والبحرين وعمان والسودان والمغرب، وكانت السعودية قاب قوسين أو أدنى من التطبيع مع تل أبيب لولا اشتعال حرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقبل ذلك ومع رهن التطبيع السياسي بحل للقضية الفلسطينية كان هناك التفكير في إقامة علاقات اقتصادية تكون تل أبيب شريكاً رئيسياً فيها في إطار ما يمكن تسميته "شرق أوسط اقتصادي جديد" وسياسياً يعبر على الأقل عن جبهة موحدة في مواجهة طهران.

ويؤكد سلطان أن هذه الخطط ليست جديدة وإنما قديمة تعود للستينات خاصة في عهد الرئيس الأمريكي جونسون، على أساس الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ومنح الدول العربية بعض المزايا وتعويضها اقتصادياً عما جرى في حرب 1967، مروراً بالاتفاقيات السياسية التي أبرمت على مدار العقود الراحلة، وسط رغبة حالياً في القضاء على الأطراف ذات الطبيعة العقائدية لإتاحة المجال أمام الأبعاد الاقتصادية.

وتعتقد واشنطن وكذلك تل أبيب أن تنظيمات مثل حماس وحزب الله على وجه التهديد هما عقبات رئيسية أمام هذا التحول في شكل الشرق الأوسط سواء في شقه الاقتصادي أو ما قد يعقب ذلك من حيث الشكل السياسي، ولهذا فإن المعطيات الحالية على الأرض تشير إلى أن الفرصة مواتية للقضاء التام على تلك التنظيمات، ولهذا كانت الضربات المكثفة القاسمة المؤثرة على نحو كان مفاجئاً للعالم.

تغيرات كبيرة؟

  

في المقابل، يرى الدكتور طارق فهمي الخبير في شؤون الشرق الأوسط أننا لسنا في مرحلة جديدة بالمنطقة، وإنما نحن أمام سؤال أهم يتعلق بفهم وتحليل ما قصده نتنياهو بالتغير الاستراتيجي في الشرق الأوسط أو الشرق الأوسط الجديد، مشيراً إلى أن كان سؤالاً مطروحاً في التسعينات من قبل المصريين تحديداً عندما أتى نفس المصطلح على لسان شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلي الراحل.

وأضاف فهمي، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن إسرائيل تتحدث اليوم عن لحظة مصيرية وفارقة و قضية وجود بالنسبة لها، تتطلب إحداث تغيرات كبيرة في الشرق الأوسط لصالحها وفق ما جرى في غزة وما يجري في لبنان وربما قد يصل الأمر إلى مناطق أخرى، لافتاً إلى أن نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تحدث عن تهديدات من 7 جبهات.

ويرى أنه بالتالي حديثه يعني أن تل أبيب يمكن أن تقوم بعمليات داخل الأراضي الأردنية والسورية والعراقية كما هو الحال بالنسبة للأراضي اللبنانية وفي فلسطين سواء غزة أو الضفة الغربية، مؤكداً أننا أمام مرحلة تغلب عليها النزعة العسكرية ستحدث تغييراً في النظام الإقليمي وبنية وهيكلة الشرق الأوسط، وسيكون أخطر ما في هذه المرحلة إنهاء دور جبهات الإسناد أي الفواعل من غير الدول مثل حماس وحزب الله، وفقاً له.

وسط هذا التوجه نحو إعادة تغيير الشرق الأوسط، تتصاعد المخاوف من إمكانية أن يؤدي ذلك إلى حرب أوسع وأشمل تأكل الأخضر واليابس، لكن هناك رأي لديه قناعة بأن الحرب لن تتسع لتشمل دولاً ذات سيادة، فلا يتصور دخول مصر أو سوريا لها ولا الأردن كذلك، وحتى المواجهة الواسعة بين طهران وتل أبيب تبدو مستبعدة في ظل التباعد الجغرافي وتبقى في إطار الوكلاء أو الضربات المتبادلة المحدودة غير المؤثرة.