العقوبات الاقتصادية.. سلاح الرئيس الأمريكي لاستعادة نفوذ البيت الأبيض

خلال ولايته السابقة، استخدم دونالد ترامب عقوبات اقتصادية كأداة رئيسية في سياسته الخارجية، للضغط على الدول المستهدفة لتغيير سياساتها، وسط تباين أراء المختصين حول جدوى تلك العقوبات فمنهم من يرى أنها تسببت في تصاعد التوترات بسبب تأثيرها على الاقتصاد العالمي.

بعد تنصيبه بساعات، أعلن الرئيس الأمريكي اتخاذ قرارا بقطع المعونات عن كل الدول حتى حلفائها باستثناء دولتين، وسبق ذلك تهديدات بفرض عقوبات على العديد من الدول بينها كندا وروسيا والصين فضلا عن إيران، ووفقا لمراقبين، كشفت تلك القرارات استراتيجية ترامب في التعاطي مع مجموعة من الأزمات الدولية ضمن خطط استعادة النفوذ الأمريكي بسلاح الاقتصاد بعيدا عن التدخلات العسكرية المباشرة وغير المباشرة.   

العقوبات

أحد أبرز الأمثلة على استخدام ترامب للعقوبات الاقتصادية كان تجاه إيران، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، حينها فرضت إدارته سلسلة من العقوبات الاقتصادية الصارمة بهدف تقويض الاقتصاد الإيراني وشملت العقوبات قطاعات حيوية مثل النفط والغاز، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني وأدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، كما فرض ترامب عقوبات اقتصادية على الصين في إطار الحرب التجارية بين البلدين، تضمنت فرض رسومًا جمركية على مجموعة واسعة من المنتجات الصينية، واستهدفت تلك العقوبات تقليل العجز التجاري الأمريكي مع الصين وحماية الصناعات الأمريكية من المنافسة غير العادلة، بالإضافة إلى  فرض قيود على الشركات الصينية مثل هواوي، مما أثر على قطاع التكنولوجيا في الصين.

لم تكن روسيا بمنأى عن سياسة العقوبات الاقتصادية التي انتهجها ترامب بسبب تدخلها في الانتخابات الأمريكية وضمها لشبه جزيرة القرم، بهدف إلى عزل روسيا دوليًا والضغط عليها لتغيير سلوكها وتضمنت العقوبات تجميد أصول شخصيات روسية بارزة وفرض قيود على الشركات الروسية الكبرى، كما فرض ترامب عقوبات اقتصادية على كوريا الشمالية بهدف الضغط على النظام الكوري الشمالي للتخلي عن برنامجه النووي ومن بينها قيود على التجارة والاستثمار كجزء من استراتيجية ترامب للضغط على كوريا الشمالية للتوصل إلى اتفاق بشأن نزع السلاح النووي.

جدل واسع

نادر رونج محلل صيني المحلل السياسي الصيني، قال في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إنّ «العقوبات الاقتصادية التي فرضها ترامب لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، إلا أنها أثارت جدلاً واسعًا حول فعاليتها وتأثيرها على العلاقات الدولية، ففي الوقت الذي يبرر فيه الرئيس الأمريكي أن العقوبات كانت ضرورية لحماية المصالح الأمريكية، إلا أن الحقائق تؤكد أنها أدت إلى تصاعد التوترات وزيادة العزلة الدولية للولايات المتحدة، بالإضافة إلى ذلك، أثرت العقوبات على الاقتصاد العالمي وأدت إلى تدهور العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والدول المستهدفة».

ماك شرقاوي المحلل السياسي والباحث المختص بالشؤون الأمريكية، أكد في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «التوترات الجيوسياسية في عدة مناطق تفرض تغيير نهج التعامل معها من خلال اعتماد سياسات جديدة بخلاف القوة العسكرية لفرض حالة من الاستقرار وإنهاء النزاعات، وفقا لرؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يرى في الاقتصاد والعقوبات والصفقات سلاحا رادعا قد يثمر عن تهدئة الأوضاع وإنهاء الصراعات». 

تداعيات خطيرة

وفي محاولة لفهم تداعيات السياسية الأمريكية الجديدة، قد يثمر نهج الرئيس الأمريكي في التعامل مع الصين وإيران وروسيا عبر فرض العقوبات، إلا أن هذه السياسة قد لا تؤتي ثمارها في التعامل مع ملفات معدة مثل القضية الفلسطينية حيث تعاني فلسطين أوضاع اقتصادية مدمرة فضلا عن تراجع تعاملاتها الاقتصادية كدولة لا تنتج ولا تصدر  ومن ثم فإن نهج العقوبات لن يؤدي إلى حل للقضية المزمنة التي تسببت في استمرار اضطراب الأوضاع في الشرق الأوسط، إلى جانب العقوبات التي فرضها على السودان والتي لم تثمر عن حل القضية، وعليه يمكن القول أن سلاح العقوبات قد يؤتي ثماره مع القوى الاقتصادية العظمى ولا يمكن تعميمه كمنهج سياسي في التعاطي مع الأزمات الدولية، بل على العكس تؤدي العقوبات إلى مزيد من اضطراب الأوضاع على الصعيد الدولي فحينما فرضت أمريكا عقوبات على روسيا كانت أوروبا هي المتضرر الأول بسبب نقص الغاز فيما ظل الاقتصاد الروسي متماسكا رغم ظروف الحرب، كما أدت تلك العقوبات إلى تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي للدول في مختلف أرجاء العالم وخاصة الشرق الأوسط ناهيك عن اضطراب سلاسل الإمداد التي أصابت الاقتصاد العالمي بالشلل.