ومع سيطرة هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا على مقاليد السلطة في دمشق قبل أسابيع، بدا تنظيم الإخوان الإرهابي يشعر بحالة من الانتعاش والنشوة على المستوى الإقليمي، ترجم ذلك في حالة "الهياج التحريضي الكبير" الذي تشنه الجماعة وقياداتها عبر منصاتها الإعلامية، خصوصاً ضد دول مثل الإمارات والسعودية ومصر.
في ظل هذه الأجواء، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، أمس الأربعاء، إدراج 11 فرداً و8 كيانات على القوائم المحلية للإرهاب، لارتباطهم بتنظيم الإخوان الإرهابي، وذلك ضمن قرار أصدره مجلس الوزراء بشأن اعتماد قائمة الأشخاص والتنظيمات الإرهابية، وفقاً للقوانين والتشريعات المعتمدة في الدولة.
وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية أن القرار يأتي في إطار حرص الدولة والجهود المشتركة على المستويين المحلي والدولي على استهداف وتعطيل الشبكات المرتبطة بتمويل الإرهاب والنشاطات المصاحبة له بشكل مباشر وغير مباشر، وعليه يتوجب على المنشآت المالية، والجهات الرقابية التنفيذ واتخاذ الإجراءات اللازمة، وفقاً للقوانين والتشريعات المعتمدة في الدولة.
خطوة وقائية
"الوقاية خير من قنطار علاج"، بتلك العبارة استهل الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الإماراتي الدكتور جاسم خلفان تعليقه لوكالة فرات للأنباء (ANF) على ذلك القرار، موضحاً أن الدولة حين تتأكد من أن وضعيات بعض الشخصيات والمنظمات الإرهابية، وأنها تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، فلا بد أن تعلن عن ذلك وتضع مثل هؤلاء في مكانهم الطبيعي، أي على لوائح الإرهاب.
ويلفت "خلفان" إلى أن كل ذلك يتم في إطار إجراءات قانونية؛ فيتم القبض عليهم أولاً، وتجري محاكمتهم محاكمة عادلة، ثم التخلص من "تلك الكائنات" التي تنفذ أجندات دول الاستعمار السابقة في الوطن العربي، التي لا تزال تعمل وتنشط وتجند مثل هؤلاء؛ لتدمير الدول العربية.
ويقول المحلل السياسي الإماراتي إنه ما إن تتأكد السلطات الإماراتية من نشاط أي جهة أو عنصر، يتم القبض عليهم على الفور، ويتم إعلان ذلك رسمياً وإعلام الناس بما يجري، في ظل إيمان بأن هذه المنظمات الإرهابية تتبع من يشغلها لخدمة مصالحه، وتدمير أوطانها.
رسائل للداخل والخارج
ومن بين الشخصيات التي جرى إدراجها شخص يحمل الجنستين الإماراتية والتركية، يدعى سعيد خادم أحمد بن طوق المري، الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين أنه يحمل رسالة تؤكدا أن تحركات أبوظبي لحصار نشاط تنظيم الإخوان الإرهابي في الخليج العربي لن تستثني أحداً.
يقول إسلام الكتاتني الخبير السياسي المصري المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية إن القرار يأتي في سياق رغبة من السلطات الإماراتية توجيه عدة رسائل بعضها للداخل وبعضها للخارج، فداخلياً التأكيد على أن هناك "طلاقاً بيناً" مع تلك الجماعة الإرهابية، مثلما هو الحال في دول مثل مصر.
وأضاف الكتاتني، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه على الصعيد الخارجي، فإن أبوظبي تؤكد موقفها بأنه لا مجال لوجود هذه الجماعات في منطقة الشرق الأوسط، والدول العربية على وجه الخصوص، وأن تجربة حكم الإخوان من قبل فاشلة ولسنا على استعداد لتكرارها، والتأكيد أننا أمام جماعة لا تؤمن بفكرة الدولة مهما غلفت خطاباتها من شعارات تبدو مثالية.
ويرى أيضاً أن الإمارات أرادت أن تقول إنها حتى لو تواصلت مع الحكومة الجديدة في دمشق، وجرى استقبال وزير خارجيتها، فإن هذا لا يعني تأييدها لتجربة الإخوان وحكم تلك التيارات، فهي تؤمن أن هؤلاء لا يملكون أي مقومات نجاح في الحكم نتيجة معتقداتهم، وبالتالي فإن أبوظبي تقول لهم حتى لو كنتم تشعرون بنشوة هذه الفترة، فإننا لن نسمح بمد تلك التجارب إلى الخليج، وأن الموقف من الإخوان لا مجال فيه للمناورة.
رسالة لأردوغان
يلفت خبير الحركات الإسلامية إلى أن وجود شخص يحمل الجنسية التركية ضمن الأسماء المدرجة أمر يحمل رسالة مبطنة إلى تركيا، وهو مرتبط بشكل غير مباشر بما يجري في سوريا؛ لأنه كما نعلم فإن أنقرة هي الداعم الأكبر لهيئة تحرير الشام وسيطرتها على السلطة، قائلاً إن "تركيا هي الحاكم الفعلي الآن لسوريا".
ويضيف: "وبالتالي فالإمارات تمرر رسالة مغلفة إلى أنقرة"، منوهاً إلى أن ذلك يأتي على الرغم من إعلان الرئيس التركي أردوغان من قبل عن فتح صفحة جديدة من العلاقات مع أبوظبي وتسفير المشكلات، لكن الكل يعلم أن رئيس تركيا شخص برجماتي، وتتقلب مواقفه بشكل مستمر حسب مصالحه.
والإمارات هي واحدة من أشد دول المواجهة ضد تنظيم الإخوان الدولي الإرهابي، لا سيما وأن الأخير لا تتوقف محاولاته عن العبث بأمن دولة الإمارات داخلياً، ومن هنا جاءت العديد من القرارات والأحكام ضد عناصره، فضلاً عن تحركات خارجية لمطاردته وكشف مخططاته.
ويعتبر التنظيم الدولي للإخوان ومعه النظام التركي أن نجاح هيئة تحرير الشام في الإطاحة بنظام بشار الأسد، انتصاراً كبيراً لتيارات الإسلام السياسي، ويمهد الطريق لعودتهم إلى دوائر السلطة مجدداً، لا سيما في الدول التي لفظتهم وعلى رأسهم مصر، ولهذا يصعدون حملتهم الفترة الأخيرة ضد القاهرة، تزامنا مع اقتراب ذكرى ثورة 25 كانون الثاني التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وأوصلت جماعة الإخوان إلى السلطة.