وكانت تركيا قد وافقت، مؤخراً، على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ومن المعروف أن أردوغان كان لديه عديداً من الشروط لكي يمرر برلمانه عضوية "ستوكهولم"، منها الحصول على صفقات طائرات "إف 16" وإعادة إحياء مسار عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وأن تمارس السلطات السويدية قيوداً على الكرد الفارين من تركيا إلى هذا البلد نتيجة القمع الذين تعرضوا له من الأنظمة التركية المتعاقبة.
ولأن مصلحة واشنطن في مواجهة روسيا تقترن بعضوية السويد في "الناتو"، ساوم النظام التركي بشروطه آنفة الذكر الإدارة الأمريكية، إلا أن أخطرهم - بحسب كثير من المراقبين - الحصول على طائرات "إف 16"، خاصة وأن هناك حالة كبيرة من عدم الثقة في سلوكيات الأتراك، لا سيما إمكانية استخدام "أنقرة" لها في ممارسات عدائية تجاه بعض الدول مثل قبرص أو اليونان أو حتى في سوريا.
حسابات أمريكية أوسع من رغبات تركيا
وفي هذا السياق، يقول محمد العالم الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الأمريكي بواشنطن إن "علينا أن نعترف بأن هناك واقعاً جديداً في العلاقات الأمريكية – التركية خلال الفترة الأخيرة، وبدأ أن يكون هناك علاقات جيدة بين أنقرة وواشنطن، وهذا الأمر انعكس كذلك على أوروبا من خلال الموافقة التركية على دخول السويد وفنلندا حلف شمال الأطلسي".
لكن "العالم"، خلال تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، يرى أن "الأمر يكون مختلفاً عندما يتعلق بصفقات الأسلحة، فتتعامل وستتعامل مع تركيا بحساسية في هذا الملف، كما كان الحال في بعض المقاتلات التي ترسل إلى الإمارات مثلاً ألا تكون مساوية في مجالها الجوي لدولة مثل إسرائيل، وبالتالي هناك ضوابط وحسابات مختلفة لدى الإدارة الأمريكية عندما يتعلق الأمر بصفقات الأسلحة".
وأعرب الكاتب الصحفي عن اعتقاده بأنه "عندما يكون الأمر متعلقاً بصفقة أسلحة إلى تركيا، فإن واشنطن ستكون أكثر حساسية وحرصاً، بل وستكون الإدارة الأمريكية بحاجة إلى أخذ مزيد من الضمانات لكي تعطها تلك الصفقة خصوصاً طائرات "إف 16" وذلك لأن أنقرة لديها علاقات كبيرة مع روسيا، وهو أمر تنظر إليه الولايات المتحدة بعين الريبة لما يشكله ذلك من خطورة بالنسبة لها، فأن تكون لدى تركيا قوة جوية توازي أوروبا فإن هذا يشكل خطراً على الحلفاء التقليديين للأمريكيين".
وأكد "العالم" أن "مكمن الخطر على أوروبا هو أن يحدث تقارب أكبر مستقبلاً بين تركيا وروسيا وكذلك مع إيران، خصوصاً أن أنقرة وطهران وموسكو لديهم نفس الأطماع لا سيما في سوريا، بل وقسموا الأمر في سوريا فيما بينهم، كما أن الجانب الإيراني لديه أحلامٌ توسعية في دول الخليج العربي وكذلك الجانب التركي، وروسيا بدورها ستساعد الطرفين على تحقيق تلك الأطماع، وبالتالي هذا أمر يثير قلق واشنطن بشدة".
ويؤكد محمد العالم أن "تركيا ستحصل إما آجلاً أو عاجلاً على صفقة طائرات "إف 16"، طالما أنها تلقت وعوداً بالحصول عليها مقابل الموافقة على عضوية السويد في حلف "الناتو"، لكن الأهم هو كيفية الحصول عليها والضمانات التي ستتخذ عليها من قبل الإدارة الأمريكية، وكذلك العدد الذي يمكن أن تحصل عليه تركيا من هذه الطائرات، وبالتالي لن تحصل أنقرة عليها إلا عندما تتأكد واشنطن من أن السلوك التركي لن يضر بمصالحها خصوصاً مسألة تفكيك النظام الدولي والحديث عن مرحلة جديدة من القطبية أو ما يتعلق بكسر هيمنة الولايات المتحدة".
حديث عن موافقة تركيا على الضمانات
وكان السيناتور الأمريكي كريس فان هولين، المعروف بأنه من أشد معارضي حصول تركيا على طائرات "إف 16"، استشهد بتأكيدات من إدارة جو بايدن بشأن سلوك تركيا في العديد من القضايا الجيوسياسية، ولهذا تراجع عن موقفه، خصوصاً وأنه كان يحذر في السابق من سلوكيات تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، وعملياتها العسكرية ضد الكرد في سوريا وتورطها في الهجمات العسكرية الأذربيجانية ضد إقليم ناغورني قره باخ.
وأكد أنه "أجرى مناقشات مع مسؤولي الإدارة وقدموا له إحاطات سلطت الضوء على التزام الإدارة بمراقبة التزام تركيا بالمعايير الدولية، لا سيما فيما يتعلق بتفاعلاتها مع اليونان وأذربيجان وأرمينيا وقوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، إذ كانت تحفظات السيناتور الأولية متجذرة في الموقف العسكري العدواني لتركيا، بما في ذلك توغلات المجال الجوي التي تؤثر على اليونان والإجراءات التي يُنظر إليها على أنها تقوض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة".
وقال "فان هولين" إنه يقدر جهود إدارة بايدن للتعامل مع هذه القضايا الحاسمة وتقديم استجابات موضوعية لمخاوفه، اعترف بتصديق تركيا مؤخراً على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي باعتباره خطوة إيجابية"، مشدداً على "الحاجة إلى اليقظة المستمرة والحوار لضمان توافق تركيا مع مبادئ "الناتو" والاستقرار الإقليمي.
الإدارة الأمريكية تتعهد بمراقبة سلوك أنقرة
وحسب ما ذكرت وسائل إعلام أمريكية، فقد تعهدت الإدارة بمراقبة الأعمال العسكرية التركية عن كثب، لا سيما تلك التي تؤثر على الأمن الأرمني وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد في شمال وشرق سوريا، وهي حليف محوري في القتال ضد عصابات "داعش" الإرهابية، ويشمل ذلك التواصل المباشر مع قوات سوريا الديمقراطية لطمأنتهم بدعم الولايات المتحدة الثابت وسط التهديدات والتحديات العملياتية.
وعلى الرغم من قراره بعدم منع بيع هذه الطائرات، يظل "فان هولين" ملتزماً بمراقبة تصرفات تركيا، مؤكداً أنه من الواضح أننا يجب أن نراقب تركيا عن كثب في الأسابيع والأشهر المقبلة، مشدداً على أهمية الأفعال بدلاً من الأقوال في العلاقات الدولية، وهي تصريحات تتوافق مع ما أكد عليه الكاتب الصحفي محمد العالم بشأن الضمانات اللازمة لكي تحصل تركيا على تلك الصفقة.