يستمر الأمازيغ في ليبيا في رحلتهم للحصول على حقوقهم المشروعة والنضال من أجل تلك الحقوق، بعد أن حافظوا على هويتهم ولغتهم الممتدة لآلاف السنين، ولذلك حاورت وكالة فرات للأنباء (ANF) فتحي بن خليفة رئيس حزب ليبيا الأم والرئيس السابق للكونغرس الأمازيغي العالمي، حول وضع أمازيغ ليبيا وما يواجهونه في سبيل الحصول على حقوقهم المشروعة والعلاقات بين الشعبين الأمازيغي والكردي، وإلى نص الحوار القسم الأول:
أين يتواجد الأمازيغ في ليبيا وما هي أهم مدنهم ومراكزهم الرئيسية وماهي نسبتهم لسكان ليبيا وهل جميع الأمازيغ في ليبيا يتكلمون لغتهم؟
للتعرف على الامازيغ في ليبيا هناك مدخلين، أغلب الناس يعتقدون أن الامازيغ في ليبيا هو من يتحدثون الأمازيغية، وهم متواجدون في بعض المدن الساحلية والصحراوية والجبلية، ولكن هناك مدخل أعم وأشمل هم الليبيون، وذلك لأن كل الليبيين من أصول أمازيغية ولكن تعرب لسانهم، ولكن نمط معيشتهم وحياتهم اليومية وأرثهم الحضاري والتراثي والتاريخي والثقافي سواء كان فناً أو أزياء وأدب شفوي وأكل وشرب أو نمط الحياة اليومية في وسائل حياتهم وكل مشاغلهم اليومية هي ملامح للتراث الأمازيغي الأصيل.
ولا تملك أي فئة في ليبيا أي مظاهر ثقافية خاصة بها تميزها عن باقي الليبيين، وهناك بعض الليبيين أصولهم "جريكية" أو إغريقية قديمة ولكنهم ذابوا، لم يتمسكوا بأي شيء من تراثهم القديم، فهم يلبسون ويأكلون ويفرحون بل ويفكرون مثل باقي اليبيين، وأيضا شركس وبقايا أتراك، وهناك بعض العائلات الزنجية منها ملامحهم زنجية أفريقية أصيلة، ولكنهم ذابوا في الهوية الليبية وفي مناحي الحياة الحضارية الليبية، ولذلك الطابع الغالب في ليبيا هو طابع ليبي أصيل متأصل.
كما لا يوجد فرق حقيقي في هوية الليبيين إلا الجانب اللغوي أو اللساني، هناك ليبيون تمسكوا بلغتهم ويسميهم العامة أمازيغ، وآخرون استعربوا باللسان ولكن عاداتهم وتقاليدهم ليبية أصيلة، ولكن مع الأيديولوجية الإسلاموية والقومجية أصبحوا ينسبون أنفسهم إلى الشخصية العربية، لكنهم يفتقدون لأي دليل معيشي يومي يستطيعون أن يثبتوا به أنهم ينتمون إلى تلك الثقافة العربية.
يوجد الأمازيغ الناطقون بالأمازيغية وهم يتواجدون في عدة مدن ساحلية مثل مدينة زوارة جبل نفوسة بمدينة المتعددة مثل نالوت وجادو وكاباو ويفرن، والقلعة وتنداميرا وتمظيم ووازن والعديد من المدن الجبلية، بالإضافة إلى الواحات في الصحراء كواحة غدامس الشهيرة ومدن في الصحراء حيث يتواجد الأمازيغ الطوارق مثل أوجلة وجالو.
لا يوجد تعداد ثابت للأمازيغ في ليبيا لأن كل الأنظمة ديكتاتورية، والتعداد الرسمي للناطقين بالأمازيغية في ليبيا لم يراعي التعداد العلمي المبني على التمييز اللغوي، فلم يحسب حتى الآن أي تعداد حقيقي ولا مرجعية سوى إدارة النفوس أو الأحوال المدنية التي تقدر عدد الناطقين بالأمازيغية بحوالي 900 ألف نسمة أو مليون نسمة الذي يشكل من 20 الى 25 في المائة من تعداد ليبيا.
كانت للإيديولوجيات القومية والإسلاموية ممارسات سلبية تجاه شعوب المنطقة مثل الشعبين الكردي والامازيغي؟ كيف عانى الشعب الأمازيغي من ذلك؟
في الإيديولوجيات المستوردة أو الوافدة من الخارج مثل الايدلوجيات القومية العربية أو الإسلام السياسي، ممارسات لا نقول إنها سلبية ولكن هي ممارسات إقصائية وتهميشيه تميزية، وأعتقد أن ما يعاني منه الشعب الكردي يعاني منه الشعب الأمازيغي، تقريباً خصومنا واحد من دعاة القومية العربية سواء حزب البعث أو الناصرين وتيارات الإسلام السياسي بكل مظاهرها وأشكالها ومسمياتها، وهم أعداء كل ما هو إنساني وعادل.
كيف كانت أحوال الأمازيغ في ظل النظام الليبي السابق، وهل كانت الخصوصية الأمازيغية معترف بها؟
النظام السابق كان نظاماً عروبياً ناصرياً ديكتاتورياً، كان لا يعترف بأي وجود امازيغي، وكان يحاول التعريب القسري والتعريب بالقوة على كافة مناحي الحياة الليبية بدرجة أنه كان يحاول تغيير اسم ليبيا وهو الاسم التاريخي المستمد من قبائل الليبو وهم أحد القبائل الليبية الكبرى التي عاشت منذ ما قبل التاريخ، ولذلك تسمى ليبيا وكان يقول أن اسم ليبيا في حقيقته تحريف لاسم عريبيا، وهي من النكات السمجة والمحاورات السطحية الهزيلة المتخلفة لقلب الحقائق التاريخية، إن الأمازيغ عاشوا في حقبة من الاضطهاد والتعسف لدرجة أنه لم نكن نستطيع أن نطلق الأسماء الأمازيغية على أبناءنا وبناتنا ولم نكن نتحدث الأمازيغية بشكل رسمي، ناهيك أن تكون في المدارس أو في الإعلام. ناهيك عن الاعتقال والاغتيالات للرموز الأمازيغ والمفكرين والسياسيين وغير ذلك، نعم ممرنا بأوقات عصيبة جداً، مع أنه المفارقة الغريبة أن اصول القذافي وعائلته أصول أمازيغية، ولكن هذا دليل على تغلل الأيدولوجية القومجية وتأثيرها التدميري على الشخصية الليبية التي تجعل تلك الشخصية تتنكر لذاتها وترتمي في أحضان قوميات وثقافات أخرى فقط لأسباب فكرية ومصالح توسعية بدأت مع الغزو العربي ولا زالت تتوغل في شخوصنا ومناطقنا إلى اليوم.
بعد أحداث ما عرف بالربيع العربي مجازاً كيف تبدلت أحوال المجتمع الأمازيغي الليبي، وهل أصبح للأمازيغ إدارة خاصة بهم في مناطقهم، وماذا عن الهوية واللغة الأمازيغية؟
الظروف تغيرت بشكل كلي بعد ربيع الياسمين في شمال أفريقيا ليس فقط في ليبيا بل في كل شمال أفريقيا باستثناء الأنظمة الديكتاتورية كما في الجزائر أو النظام العسكري في مالي حيث الأمازيغ الطوارق لا زالوا يضطهدون، الأوضاع تغيرت بشكل جذري ودفعنا دماء من أجل التغيير ولم يكن منة من أحد أو فضل من أحد.
وانخرط الأمازيغ في ثورة 17 فبراير/ شباط 2011 وعبروا عن موقفهم الوطني بشكل راسخ وحرروا مناطقهم وساهموا في تحرير مناطق أخرى، كانت لا زالت ترزح تحت سطوة النظام حتى آخر أيامه، وتزامناً مع هذه التضحيات انتزع الأمازيغ مكاسب حقوقهم ووجودهم، وأصبح للأمازيغ صوت مسموع منذ تلك اللحظات الأولى، وإرادة ذاتية متمثلة في مراكزهم المحلية التي تميزت عن المراكز الأخري بالانضباط والأمان والعامل السلمي واللا مناصرة من للخارج، هناك الكثير من الجماعات في ليبيا استنصرت بالخارج واستقوت به سواء من الغرب عبر تركيا وبعض دول الخليج، إلا الأمازيغ اعتمدوا على أنفسهم ولم يثقوا في أحد في أن يكون لهم سند في بناء وطني حقيقي، وهذا ما يميز الأمازيغ إلى هذه اللحظة.
توجد محطات هامة من المحطات النضالية المسلحة وكذلك تلك المحطات النضالية السباسية، الأمازيغ لم يتورطوا في أي خيانة أو اي مساومة أو تنازل أو استقواء خارجي وهذا إلى يوماً هذا شعار شرف ونقاء وطني قل نظيره في ليبيا، الأمازيغ منذ البدايات وعندما سقطت نظام القذافي بدأت مظاهر عودة القومجية والاسلام السياسي تمترس الأمازيغ خلف هويتهم ومطالبهم المشروعة المشروعة ولم ينخرطوا في أي عمل سياسي قد يؤدي بهم إلى مكيدة أو صراع مع قومجية أخرى، فقاطعوا الانتخابات البرلمانية في 2013 ولم ينخرطوا في الحرب الأهلية في 2014، وكذلك قاطعوا انتخابات لجنة الدستور من منطلقات وأسس وطنية خالصة، ورغماً عن ذلك ظل الآخرون في مسارهم البرلماني والدستوري إلا أن مشروعهم فشل فشلاً ذريعاً، ولم يحققوا اي شيء على مدار عشر سنوات، وبهذا تحققت نبوءة ونظرة الأمازيغ الثاقبة للمستقبل وأن الأساس كان مغلوط منذ البداية ولن يؤدي إلا إلى دمار الوطن وتشتت مقدراته والتطاحن بين أبناء الواحد وهذا ماحصل بالضبط، ويكفينا فخراً بأننا تعففنا عن ذلك الصراع الدموي المخجل، وبقى حتى الآن تاريخنا الوطني ناصع ونزيه، الأمازيغية كلغة تدرس اليوم في كافة مدارس التعليم الابتدائية والإعدادية ولنا محطتنا الإعلامية المتواضعة ولنا خطاباتنا الحقوقية والثقافية بشكل جهوري وأصبحت لغتنا تكتب في جميع اللافتات والشوارع وصوتنا أصبح مسموع، والجميع يحترمها رغم عن أنفه لمواقفنا الوطنية، وأننا اثبتنا أن الوطنية أنتماء وليس فقط أيدولوجيات وشعرات جوفاء.
ماهي التحديات والصعوبات الحالية أمام تمتع الشعب الأمازيغي في ليبيا بهويته وثقافته حالياً، وكيف ترون الحل في ليبيا في ظل الانقسام الحاصل وتعقد المشهود الحل في ليبيا واستمرار التدخلات الخارجية في ليبيا وخاصة أنكم رئيس حزب ليبو؟
تعقد المشهد في ليبيا وتفاقم مع التدخلات الخارجية، واستعمال بعض المؤسسات والأشخاص الليبية الداخلية كأداة لتأجيج الصراع بواسطة تمويلها من الخارج، وهذا كما ذكرت سابقاً أن الأمازيغ تفطنوا له مبكراً وظلوا بمنئ عن هذه الانزلاقات والخيانات الوطنية.
لن أدخل في التفاصيل ولكن أعدكم أن الحل في ليبيا في ظل الشهور القادمة سيسمع العالم بتطور سياسي حقيقي في الملف الليبي، ويكفي الامازيغ فخراً أنهم أحد ركائز النظام الليبي القادم، والذي سيكون لا محالة نقطة خلاص أو نقطة تحول في طريق الخلاص ودفع عربة ليبيا كدولة ديمقراطية مدنية بعيداً عن كل الصراعات الأيديولوجية والعقائدية والقومجية والعسكرية وهناك مشروع سياسي ضخم واعتبره تاريخياً ساهم فيه الأمازيغ مساهمة فعلية وحقيقية.
هل حقق الكونغرس الأمازيغي العالمي أهدافه خلال مراحل تأسيسه ونضاله، وما هي أهمية الكونغرس للأمازيغ وكتجربة يمكن أن يتبناها الكثير من الشعوب التي تعيش وضعاً مشابهاً للشعب الأمازيغي؟
الكونجرس الأمازيغي العالمي الذي تشرفت بقيادته من 2011 إلى 2015 عبارة عن منظمة حقوقية أمازيغية دولية تسعى إلى التعريف بالوجود الأمازيغي وبالتالي التعريف والدفاع عن حقوقه وإنصاف ضحاياه الأمازيغ أمام المحافل الدولية وأن يكون محاور دولي للأنظمة في المنطقة في شمال أفريقيا وأيضا أمام المنظمات والمؤسسات الدولية، وقد نجح الكونغرس في عدة محطات دولية للقيام بمهامه، و تحقيق أهدافه بشكل مطلق لا يمكن الوصول إليه في حقبة تاريخية محددة، وانما سيكون نضال مصيري دائم للشعب الأمازيغي في كل بقاع الأرض وفي كل دول المهجر، لعقود مستقبلية طويلة، الكونجرس الأمازيغي العالمي حقق العديد من الإيجابيات، وأغلب التطورات التي حدثت في المستوى الرسمي وهو الاعتراف بالأمازيغية في بعض دساتير المنطقة كما في المغرب والجزائر، والتعامل مع الجموع الأمازيغية لتوحيد صفوفها على مستوى الجمعيات والمؤسسات الحقوقية، أيضاً من جزر الكناري إلى واحة سيوه، والالتفاف حول رمزية العلم وتوحيد مطالب الشعب الأمازيغي الحقوقية ومشروع توحيد ووضع معايير للغة الأمازيغية وحروفها التاريخية الدفيناغ، والعديد من المكتسبات الرمزية والمعنوية والمادية تحققت تفاعلات وتأثيرات مع تحركات الكونجرس العالمي التاريخي، إلا أنه لا تزال هناك عقبات في السنتين الأخيرتين، في الجزائر تم اعتقال قيادات من الكونجرس العالمي الأمازيغي، وايداعهم السجن والحكم عليهم بأحكام قاسية جداً، تصل إلى 15 و16 سنة ، قمع حقيقي لكل تعاطف مع الامازيغ، قمع حقيقي للراية الأمازيغية الموحدة وهي راية ثقافية ولا تدعو إلى أي نشاط سياسي معادي، ولكن الحكام الجزائريين العسكر القومجيين لهم رأي آخر ومنطق أخر للتعامل مع حقوق الشعوب في دولهم. ولكن أنا أرى أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الشعب الكردي والشعب الأمازيغي من حيث الوضع السياسي بمرجعيته التاريخية ونوعية الخصوم والأعداء الذين يمارسون المحو القسري للهوية الكردية، وضع الكرد أكثر تعقيد وأعدائهم كثر بين التعريب والتتريك والتفريس، ونحن نساند الشعب الكردي والشخصيات الكردية بالمطلق وبدون اي تحفظ ولنا محطات نضالية سابقة وشخصيات واصدقاء.
الشعب الكردي مثل الأمازيغي تعرض لمحاولات طمس هويته وثقافته ومحاولة تعريبه وتتريكه وتفريسه، كيف ترون أهمية العلاقات بين الشعبين الكردي والأمازيغي وكيف يمكن تطوير العلاقات في المجالات الفنية والثقافية والسياسية؟
هناك العديد من القواسم المشتركة بين الكرد والأمازيغ، في نشأتهما التاريخية وفي نوعية الخصوم والأعداء الذين يحاولون المحو القسري للشخصية الكردية والامازيغية، بل أري وضع الكرد أكثر تعقيداً وأكثر حساسية لأن خصومنا في شمال أفريقيا هم قوميون عرب واسلاميين، ولكن الكرد الأشقاء خصومهم متعددون، فهم قومجيون من خلفيات مختلفة بين التتريك و التعريب والتفريس وبين تداخل هذه الأنظمة فيما بينها بين التشيع والتسنن اي شيعة وسنة وهو موضوع اكثر تعقيداً ونحن نساند الشعب الكردي والشخصيات الكردية بالمطلق وبدون أي تحفظ ولدينا محطات نضالية سابقة وتعاون وتضامن أمازيغي كردي ولنا شخصيات كردية صديقة ورفيقة نضال نفتخر بهم و بمسيرتهم النضالية مثل السيد أوجلان وهذا أمر تاريخي نفتخر بأننا عاصرناه وساندناه وسنسانده حتى يتحقق مراد الشعب الكردي في تحقيق تطلعاته.
أي تطور ايجابي في قضية الأمازيغ سينعكس إيجاباً في قضية الكرد والعكس صحيح، ونحن نرى أننا أشقاء في النضال وأشقاء في المعاناة الشعبين الكردي والامازيغي، وهناك الكثير من التكامل الثقافي والتقارب السياسي بحكم أن المنطقة تعاني من تطرف واضطهاد وعنصرية وإرهاب وستكون الحاضنة الأمازيغية والكردية خير صد لتلك التيارات التي تهدد الأمن والسلم في كل العالم، وعلى دول العالم أن تتفهم تلك الوضعية وتحسب الحساب الاستراتيجي لهذين الشعبين.