فرنسا في مأزق ومخاوف من صراع أفريقي أكبر بعد نشر بوركينا جيشها في النيجر

تتصاعد المخاوف داخل قارة أفريقيا من نشوب صراع إقليمي واسع في منطقة الغرب والساحل، مع وصول وحدات من جيش بوركينا فاسو، اليوم، إلى جارتها النيجر، في رسالة تحمل تحدياً كبيراً لمجموعة "إيكواس" وكذلك الدول الداعمة لها وعلى رأسهم فرنسا.

وكان قادة الانقلاب في النيجير أعطوا الضوء الأخضر لجيشي الجارتين، مالي وبوركينا فاسو، بالتدخل في النيجر حال تعرضت الأخيرة لأي عمل عسكري أو عدوان من قبل فرنسا أو بعض القوى الغربية الأخرى أو مجموعة "إيكواس"، وهما الدولتان اللتان شهدتا أيضاً انقلابين عسكريين مناوئين للنفوذ الفرنسي في تلك المنطقة ما بين عامي 2020 و2022.

ترتيب منطقي للأحداث


في هذا السياق، يقول رامي زهدي، الخبير في الشأن الأفريقي إن وصول وحدات الجيش البوركينابي إلى النيجر يأتي كترتيب منطقي للأحداث، لأنه عندما أعلنت مجموعة "إيكواس" نيتها التدخل العسكري لإعادة الرئيس المنقلب عليه محمد بازوم، أعلنتا حكومتا مالي وبوركينا فاسو رفضهما لهذا التوجه من قبل المجموعة، وأن الأمر ليس مجرد رفض كلامي بل إنهما مستعدتان كذلك للدفاع عن نيامي والمجلس العسكري الذي يدير البلاد.

وأضاف، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه بناء على ذلك، فإن باماكو وواجادوجو ستتدخلان في النيجر ضد أي عمل عسكري يحدث ضدها، ومع مرور الوقت، بقي الحل العسكري قائماً ومجموعة "إيكواس" لم تنفيه حتى لو تراجع للخلف قليلاً وكان هناك حديث عن التفاوض، لكنه ظل طوال الوقت ولا يزال التدخل العسكري من دول الـ "إيكواس" قائماً وأن لديهم خطة يمكن تنفيذها.

وكانت وزيرة خارجية بوركينا فاسو، أوليفيا رومبا، ونظيرها المالي، عبد الله ديوب، في زيارة إلى نيامي، أمس، وكان في استقبالهم الجنرال عبد الرحمن نيامي قائد الانقلاب، حيث اختتمت تلك الزيارة ببيان تلاه الأمين العام المساعد لوزير الخارجية في النجير عمر إبراهيم سيدي أكد خلاله ترحيب الوزيرين بتوجيهات نيجرية تسمح لقوات الدولتين بالتدخل في حال وقوع أي عدون ضد نيامي، وقد وصلت بالفعل طلائع القوات البوركينابية.

توسع الصراع

ويرى "زهدي" أنه بالفعل هناك مخاوف كبيرة من أن يتحول الوضع في النيجر إلى صراع إقليمي أوسع، وهذا أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم اتخاذ مجموعة "إيكواس" قراراً بالتدخل العسكري بعد، لأن الجميع يعلم أنه في حال حدوث ذلك لن يكون الأمر قاصرًا على مواجهة بين جيوش دول "إيكواس" وجيش النيجر فقط، بل ستتدخل مالي وبوركينا فاسو، حتى إنه من الوارد أن تتدخل مجموعات أخرى عرقية وقبلية، لأن هناك قبائل مشتركة بين تلك البلاد.

وأضاف أنه كذلك من الوارد أن يكون هناك دعم خارجي من دول مثل الصين وروسيا للنيجر في مواجهة التدخل العسكري سواء بالسلاح أو الدعم اللوجيستي، بل ربما تتدخل دول مجاورة حال خروج الوضع في النيجر عن السيطرة مثل الجزائر التي أعلنت رسمياً رفضها التدخل العسكري، لكنها ستكون مضطرة للاشتراك والتدخل ولعب دور عسكري حال رأت الصراع يخرج عن حدود جارتها النيجر.

علامات استفهام حول وضع فرنسا

ويفرض هذا الوضع بلا شك، تحدياً كبيراً أمام فرنسا التي تواجه أساساً، انتقادات بشأن أدائها السياسي والدبلوماسي في تلك المناطق، لا سيما مع تواصل سلسلة الانقلابات في دول هي مناطق نفوذ فرنسية تقليدية، كما أن التحذيرات التي أطلقتها ضد قادة الانقلاب في النيجر لم تحل دون منع الانقلاب العسكري في الغابون الذي أتى بعد شهر واحد تقريباً من الأول.

يقول بيير لوي ريمون، وهو أكاديمي فرنسي متخصص في العلاقات الدولية، إن أزمة فرنسا وتراجع نفوذها في أفريقيا يعود بالأساس إلى المنطق الذي تعمل به في تلك المناطق، موضحاً، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن باريس ظلت منذ فترات طويلة تعتمد على فكرة التواجد العسكري في أفريقيا من أجل حماية مصالحها، لكن هذا المنطق لم يعد صالحاً ولن يجدي في حماية المصالح الفرنسية.

وقال "ريمون" إن الشعوب الأفريقية أيضاً أصبح لديها رفض لهذا الوضع الفرنسي، وبالتالي فإن باريس، وإذا ما كانت تريد بالفعل الحفاظ على مصالحها ونفوذها، فعليها أن تقوم باستثمارات في الجانب الاقتصادي والمجال التكنولوجي لتلك الدول ونقل الخبرات التي تفيدها وليس الوقوف عند مسألة التواجد العسكري.

وأشار الأكاديمي الفرنسي إلى أنه في الوقت ذاته، تحميل فرنسا مسؤولية التوترات الأخيرة في أفريقيا حكم غير صائب، إذ يرى أن باريس كانت تسعى بالفعل إلى تنفيذ بعض مطالب تلك الدول والتي تم الاتفاق حولها مع النظم التي كانت تدير تلك البلاد قبل الانقلابات، وبالتالي كانت تسعى لتحقيق أهداف تريدها تلك الدول، وهنا تكمن المشكلة في أن بعض الدول اعتبرت حكامها امتدادَاً لقوة كانت تستعمرهم في السابق أي فرنسا وهو ما وضح في حالة الغابون.

كما يُذكر أن النجير شهدت مسيرات داعمة للانقلاب العسكري، بل ورفع بعض المشاركين بها لافتات كتب عليها "الموت لفرنسا"، في وقت كان قادة الانقلاب دعوا روسيا ومجموعة فاجنر للتدخل ومساندتهم في مواجهة التحشيد الغربي ضدهم، بينما وجه الرئيس المخلوع بازوم رسالة إلى أمريكا والدول الغربية يدعوهم للتدخل العسكري في البلاد من أجل منعها من السقوط في براثن النفوذ الروسي على حد تعبيره.

وكانت حكومة النيجر المعينة من قبل المجلس العسكري ندت قبل أيام بتصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينتقد فيها الانقلاب العسكري، معتبرة أن تصريحاته بمثابة ضغوط على قادة دول مجموعة "إيكواس" من أجل إحياء ما أسمته بالمشروع الاستعماري الجديد الذي سينفذ عبر غزو النيجر.