ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا داخل الوطن العربي وسط ضجيج الأحداث عن حرب غزة والذي غطى على أحداث الحرب الأوكرانية التي لم تتوقف، وذلك في زيارتين الأولى للمملكة العربية السعودية والثانية للإمارات، مما يثير الأسئلة حول ماذا يريد بوتين من المنطقة في هذا الوقت الحساس ولماذا اختار تلك الدولتين المبتعدين عن نطاق نفوذه أو قواعده بالمنطقة.
كشف إيفان أوس مستشار السياسة الخارجية في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية، أنه في بداية ديسمبر/ تشرين الأول 2023، زار الرئيس الروسي بوتين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، و تجدر الإشارة إلى أن بوتين لم يغادر روسيا عمليا منذ اندلاع حرب واسعة النطاق في أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022 صدور مذكرة اعتقاله من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في 17 مارس/ آذار 2023، وفي يوليو/تموز 2022، سافر إلى إيران، حيث تشتري روسيا طائرات بدون طيار لقصف المدن الأوكرانية، وفي سبتمبر/ أيلول 2022، ذهب إلى قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ذهب إلى الصين، التي يعتمد عليها الاقتصاد الروسي بشكل متزايد.
وأكد أوس في تصريح خاص لوكالة فرات، أنه كان هناك حديث عن أنه بعد تمرد يفغيني بريغوزين في يونيو/حزيران 2023، حاول بوتين عدم مغادرة روسيا، لأنه كان يخشى تكرار التمرد، وبالإضافة إلى ذلك، في تاريخ الاتحاد السوفييتي، كانت هناك قصتان عن محاولات انقلاب على السلطة في وقت لم يكن القادة فيه في العاصمة موسكو، وفي عام 1964، تمت إزالة نيكيتا خروتشوف، وفي عام 1991 كانت هناك محاولة لإزالة ميخائيل غورباتشوف، والتي انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي، ويخشى بوتين من تكرار مصائرهم.
وأضاف مستشار السياسة الخارجية في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية، أنه في ضوء الأحداث المذكورة أعلاه، كانت زيارة بوتين إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية غير متوقعة على الإطلاق، لكن يجدر تسليط الضوء على الأسباب الرئيسية لهذه الزيارة.
وأوضح أوس، أن هذه الزيارة تهدف، بين أمور أخرى، إلى التخلص من وصمة بوتين بأنه منبوذ على الساحة العالمية وإظهار أن روسيا لديها شركاء بارزون، بالإضافة إلى الأصدقاء التقليديين في الصين وإيران وكوريا الشمالية وبيلاروسيا، كما أن بوتين يشعر بالخوف من تكرار مسار انهيار الاتحاد السوفييتي، والذي حدث إلى حد كبير نتيجة لاتفاق بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في النصف الثاني من الثمانينيات، حيث قامت المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاج النفط، مما أدى إلى انخفاض أسعار النفط العالمية، الأمر الذي أدى بدوره إلى تقويض اقتصاد الاتحاد السوفييتي، لذلك، يبذل بوتين وروسيا كل ما في وسعهما لمنع التقارب بين السعودية والولايات المتحدة.
وبيّن مستشار السياسة الخارجية في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية، أن الآن تنتج دول أوبك+ طواعية أقل مما تستطيع من أجل دعم أسعار النفط وحجم الدخل من صادراتها التي تشكل أساس الاقتصاد الروس، ويحتاج بوتين إلى الحفاظ على أسعار النفط العالمية المرتفعة.
كما تطرق أوس إلى زيارة بوتين إلى الإمارات مبيناً أنه بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، أصبحت الإمارات العربية المتحدة مركزاً للنشاط التجاري الروسي والتجارة الدولية، وانتقل تجار النفط الروس إلى هناك من أوروبا، وتدفقت الأموال الروسية عبر دبي، واستقر هناك العديد من رجال الأعمال وعائلاتهم الذين غادروا بعد بداية الحرب.
وأردف أوس، أنه في سبتمبر/ أيلول 2023، ظهرت تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كانت قلقة بشأن العرض المتزايد للسلع ذات الاستخدام المزدوج عبر الإمارات العربية المتحدة إلى روسيا وأرسلت وفداً تمثيلياً إلى الإمارات لمناقشة هذا الأمر، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة إماراتية بسبب انتهاكها السقف السعري للنفط الروسي.
وأشار أوس إلى أن بوتين يريد التأكد من أن الإمارات العربية المتحدة لن تتخذ موقفاً أكثر مناهضة لروسيا نتيجة المحادثات مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولا ينبغي استبعاده أيضاً، اللحظة التي يختبر فيها بوتين الأجواء في الإمارات بشأن رحلته المحتملة إلى هناك مع أبنائه وأمواله في حال حدوث تطورات سلبية بالنسبة له.
بينما كشف ياسر أبو سيدو، السياسي الفلسطيني والقيادي في حركة فتح، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس بعيد عن الحرب في غزة، ولم تكن الحرب بعيدة عن جدول أعمال زيارته للمنطقة العربية، بل إن روسيا هي أكبر المستفيدين من الحرب لأنه بعدها تصدرت أحداث غزة وتوارت أحداث الحرب الأوكرانية، كما أن رجال الأعمال الصهاينة في الولايات المتحدة والغرب عامة اهتموا بدعم إسرائيل على حساب تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا.
وأكد أبو سيدو في تصريح خاص لوكالة فرات، أن روسيا تدعم المقاومة الفلسطينية في عملياتها الأخيرة وهي موجودة من خلف المشهد، والدليل على ذلك أنه بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى بيوم واحد تحدث بوتين عن وجود سلام في منطقة الشرق الأوسط في بداية العام الجديد.
وأضاف القيادي في حركة فتح، أنه حتى الأسلحة التي تستخدمها حركة حماس البعض منها ذو أصول روسية تم تهريبه لحماس عبر حزب الله وإيران بحراً، مثل قذيفة الياسين 105 الشهيرة والتي في الأصل هي نوع متطور من قذائف أر بي جي 17.