جاءت جهود المبعوث الأمريكي آموس هوكستين كجزء من مبادرات الولايات المتحدة الرامية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ويتمتع هوكستين بخبرة واسعة في الدبلوماسية والنزاعات الدولية، وتم تكليفه بوساطة لوقف إطلاق النار والسعي نحو إيجاد حلول طويلة الأمد للصراع، تزامنا مع التواصل المباشر بين نتنياهو والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، حيث أوفد رئيس الوزراء الإسرائيلي أحد أعضاء الحكومة المقربين إلى زيارة ترامب قبل أيام وأعرب الأخير عن أمله في الوصول إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في لبنان قبل توليه مهام منصبه.
ضغوط دولية وداخلية
وتزامنت جهود هوكستين في توفير قنوات حوار بين الأطراف المتنازعة، عبر عقد اجتماعات متواصلة مع المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين، مع ضغوط غربية مباشرة وغير مباشرة، أبرزها تصريح قادة السبع في إيطاليا باحترام قرار المحكمة الجنائية الدولية والامتثال لقرارها القاضي باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، فضلا عن تواتر معلومات لدى الأجهزة الإسرائيلية تؤكد نية الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن بالتقدم بمشروع قرار إلى مجلس الأمن لإصدار قرار بوقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني ما مثل ضغوطا متزايدة على إسرائيل دفع حكومتها إلى الموافقة على الاتفاق محمد سعيد الرز المحلل السياسي، أكد في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن "الهجمات المتكررة بين حزب الله وإسرائيل خلقت حالة من التوتر، وكان هوكستين على دراية بأن أي اتفاق سلام يجب أن يتضمن معالجة جذور الصراع، لذا، شرع هوكستين في البناء على القرار الأممي 1701 الذي صدر عقب حرب 2006 ليكون أساساً جيداً لتعزيز السلام، مع تحديث بعض البنود لتتناسب مع الأوضاع الحالية، وهو ما ساعد في تنفيذ الاتفاق وخروجه للعلن".
وعلى الصعيد اللبناني سرت حالة من التذمر الشعبي والسياسي تجاه حزب الله الذي زج بالدولة في أتون حرب، خاصة بعد إصرار زعيم الحزب الجديد على استمرار دعم الحزب لقطاع غزة، وهو ما تطلعت إسرائيل إلى إدراجه في مفاوضات وقف إطلاق النار، وفي المقابل واجهت الأخيرة ضغوطا محلية على الصعيدين الشعبي والسياسي بسبب قضية المحتجزين واحتجاجات ذويهم المستمرة تزامنا مع حالة الهلع والذعر التي تفشت في الشمال نتيجة استمرار استهداف المدن الإسرائيلية بصواريخ حزب الله، ما خلق ضغوطا على رئيس الوزراء دفعته إلى توقيع الاتفاق لضمان تحقيق هدف عودة السكان إلى المناطق الشمالية في إطار محاولة تخفيف الضغوط الداخلية على الحكومة.
مكاسب إسرائيل من الاتفاق
واجهت الحكومة الإسرائيلية انتقادات حادة من بعض الوزراء الرافضين للاتفاق بدعوى أنه يعيد إسرائيل للوراء، حيث أكد الدكتور خالد سعيد الباحث في الشأن العبري في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنّ "وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير انتقد ما وصفه بسياسة الهدوء مقابل الهدوء، مشددا على أنها لن تردع حزب الله عن عودته لقصف المدن الإسرائيلية مؤكدا أن الاتفاق لن يعيد السكان الإسرائيليين إلى مناطق الشمال، وهو ما حاول نتنياهو تداركه في تصريحاته الصحفية المُسوّقة للقرار، مؤكدا أن الاتفاق يمنح الجيش الإسرائيلي فرصة لالتقاط الأنفاس، فضلا عن عودة جنود الاحتياط لمنازلهم، وإعادة شحن الروح المعنوية ، لافتا إلى أن قرار وقف إطلاق النار سيُمكن إسرائيل من الحصول على الأسلحة التي رفضت إدارة بايدن منحها للجيش الإسرائيلي وهو ما تبين أنه وعد من الرئيس المنتخب ترامب وفقا لمصادر عديدة في الداخل الإسرائيلي".
شروط وبنود الاتفاق
تضمنت شروط الاتفاق ألا تنفذ إسرائيل أي عمل عسكري هجومي ضد أهداف في لبنان، ويعترف الطرفان بأهمية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وألا تلغى الالتزامات على الجانبين حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس، فضلا عن أن القوات الأمنية والعسكرية الرسمية في لبنان ستكون هي الجماعات المسلحة الوحيدة المرخص لها بحمل الأسلحة أو تشغيل القوات في جنوب لبنان، ومنع بيع وتوريد وإنتاج أسلحة أو مواد متعلقة بالأسلحة إلى لبنان إلا تحت إشراف ورقابة الحكومة اللبنانية، وتفكيك جميع المنشآت غير المرخصة المشاركة في إنتاج الأسلحة والمواد المرتبطة بالأسلحة، وتفكيك كافة البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة التي لا تفي بهذه الالتزامات وتشكيل لجنة تكون مقبولة لدى إسرائيل ولبنان، تقوم بمراقبة ومساعدة ضمان تنفيذ هذه الالتزامات، إلى جانب إبلاغ الطرفين اللجنة واليونيفيل عن أي انتهاك محتمل لالتزاماتهما.
وشملت البنود أن يقوم لبنان بنشر قواته الأمنية الرسمية والعسكرية على الحدود والمعابر والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية الموضح في خطة الانتشار، مقابل سحب إسرائيل قواتها بشكل تدريجي إلى جنوب الخط الأزرق خلال مدة تصل إلى 60 يوما، تزامنا مع تعزيز الولايات المتحدة المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان للوصول إلى حدود برية معترف بها.