تعتبر زيارة كل من وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ووزير الجيوش الفرنسية سيباستيان ليكورنو إلى جيبوتي أول الزيارات الفرنسية رفيعة المستوى إلى القارة منذ خروج قوات باريس من النيجر، مما يثير التساؤلات حول ماذا تريد فرنسا من مستعمراتها القديمة وأحد الدول التي تحتفظ بقواعد عسكرية فرنسية بالقارة السمراء، خاصة مع تنامي المخاطر على مضيق باب المندب الذي تشرف جيبوتي على ساحله الأفريقي بعد تهديدات الحوثيين.
كشف محمد كدعمي رئيس جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية، حركة المعارضة الرئيسية في جيبوتي، أن الزيارة تأتي في إطار لعبة القوى الكبرى في جيبوتي، المستقلة منذ عام 1977، خاصة بعد اندلاع الحرب في اليمن كلعبة إقليمية.
وأكد كدعمي في تصريح خاص لوكالة فرات، أن جيبوتي تقع جيبوتي ملتقى المصالح العربية وأفريقيا، على ساحل البحر الأحمر، وجيبوتي هي موقع حديدي من هذا الخط البحري المهم للحياة الاقتصادية الدولية، إنها في إطار حقيقة ذات قيمة استراتيجية وجيوسياسية، وما يترتب على ذلك من نتائج.
وأضاف رئيس جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية، أن جيبوتي أصبحت موطئ قدم لملايين الجنود الغربيين، بالإضافة إلى قاعدة صينية، مشيرا إلى أن سواحل باب المندب التي تقع تحت الولاية القضائية التقليدية لعفر وسلطان راحيتا عبد القادر داود أصبحت هدف جميع الرحلات بين الصين والأمريكيين.
وأوضح كدعمي، أن الصينيون ينطلقون مع الأسلحة والحقائب المحملة بالأموال لإثارة السموم بجانب وجود الأمريكيين في هذا الموضع الإستراتيجي الهام هو ما دفع بالزيارة الفرنسية.
بينما كشف ابو هاني شمسي، القيادي في حركة 24 مايو الارترية، وهي الدولة الملاصقة لجيبوتي في منطقة القرن الأفريقي، أن والله بالنسبة لجي لجيبوتي هي المستعمرة الفرنسية الوحيدة سابقا في القرن الأفريقي ولا تزال تربطها اتفاقات حماية مع فرنسا، وفرنسا ملتزمة بحماية جيبوتي من أي أطماع من الدول المجاورة، لأن جيبوتي دولة صغيرة يمكن اجتياحها في يوم واحد من أي دولة مجاورة، لكن في الفترة الأخيرة ضعف النفوذ الفرنسي مع تنامي النفوذ الأمريكي في جيبوتي لعلها تأتي ضمن تقوية الوجود الفرنسي كما كان في السابق.
وأكد شمسي في تصريح خاص لوكالة فرات، أن جيبوتي تتمتع بموقع استراتيجي مهم (باب المندب) لذلك التنافس بين القوى الدولية على تعزيز الوجود بات كبير الآن سواء أمريكا والصين وروسيا وغيرها.
هناك اتفاقات قديمة مع فرنسا وجود تاريخي فعلى فرنسا أن تعلم أنها لم تعد الحليف الأقوى في جيبوتي، لذلك عليها أن تبذل مشاريع مغرية للجيبوتيين في التنمية والاستثمار بالإضافة القوة الدفاعية.
ولم يستبعد القيادي في حركة 24,مايو الارترية تكرار تجربة الغرب الإفريقي مرة أخرى مع فرنسا في شرقها، خاصة وأن القبول الذي كانت تتمتع به فرنسا في أفريقيا انتهى والدور الفرنسي اضمحل بلا شك بعد صعود اليسار الأفريقي العسكري إذا جاز التعبير، كما ذكرت في في وسط وغرب أفريقيا فقدت فرنسا نفوذها بل وباتت تمثل العدو الذي يهدد القرار الأفريقي الحر.
وأوضح شمسي، أنه على فرنسا تغيير آلياتها السابقة بأخرى يشعر فيها المواطن البسيط أنها صديق ودود وداعم لا مستغل وناهب أموال وإرادة أهل البلد، مشيراً إلى أنه لذلك لا يستبعد أن يطلب من القواعد الفرنسية في يوم من الأيام أن تخلي جيبوتي، فلم يعد مرحب بها في الأراضي الجيبوتية.
كشف سلطان البان، الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي، أن فرنسا تريد إعادة التفاوض بشأن اتفاقات دفاعية مع جيبوتي، والتي تستضيف قاعدة عسكرية فرنسية بحوالي 1500 جندي فرنسي، وتدرك فرنسا جيدا أن هناك قوى عسكرية كبرى تمركزت في جيبوتي بينها الولايات المتحدة الأمريكية والتي وصلت بشكل علني عام 2002 بقاعدتها الدائمة الوحيدة في أفريقيا، والتي تضم 4000 جندي أمريكي، والصين تملك الآن ميناء وقاعدة عسكرية قادرة على تأمين مصالحها الاقتصادية الهائلة في المنطقة بالإضافة إلى الوافد الجديد في افريقيا، وبالتالي تعزيز العلاقات وتنقيحها لتعزيز التواجد الفرنسي في الدولة الواقعة في القرن الأفريقي والتي تتمتع بموقع استراتيجي قبالة مضيق باب المندب الذي يمر منه جزء كبير من التجارة العالمية وامدادات الطاقة.
وأكد البان في تصريح خاص لوكالة فرات، أن الزيارة الفرنسية تعتبر خطوة ضرورية للمصالح الفرنسية والبقاء في حلبة الصراع على النفوذ الاستراتيجية التي تشكل ورقة قوية في لعبة المصالح الدولية خاصة في أفريقيا.
وأضاف الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي، أن فرنسا أيضا تلقت صفعة قوية في منطقة القرن الأفريقي في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتدرك جيدا أن عدوى الكراهية يمكنها أن تنتقل لجغرافيا أخرى إذا لم تبادر بالدفاع عن مصالحها وتعزيز تمركزها وفق عملية تحديث إن صح التعبير لسياستها في الدول الأفريقية التي لا تزال تدور في الفلك الفرنسي.
وأوضح البان، أن المنطقة غير مستقرة وتشهد صراعات عديدة وهذان البعدان يهمان فرنسا في سياستها الخارجية الجديدة في المنطقة، فقد تسعى لنشر قوات في الصومال أو على الأقل دعمها عسكرياً أو تقيم شراكات تجارية وعسكرية مع إثيوبيا وارتيريا من أجل إعادة تموضعها بعد خسارتها مناطق نفوذ مهمة في أفريقيا لها تكلفة باهظة على المستويين السياسي والاقتصادي في لعبة المصالح.
وبين الباحث في الشأن الافريقي، أنه من الصعب تكرار تجارب الغرب الافريقي في جيبوتي، وذلك لأن فرنسا قديمة الوجود في جيبوتي نتحدث عن اتفاقيات عسكرية في عام 1977، وتوجد اتفاقية أخرى في عام 2011 وفرنسا كانت هي الدولة الوحيدة التي لها قاعدة هناك حتى مطلع القرن ال21، وهي قاعدة قديمة جداً، وبعدها بدأ وجود النفوذ الأجنبي الآخر، وهو ما يفسر اختلاف الوضع الفرنسي عن الغرب الإفريقي.
وأردف البان، أن الوجود العسكري في الغرب الإفريقي حديث مقارنة بجيبوتي ومبرراته تتعلق بمحاربة الجماعات المسلحة الإسلامية على عكس جيبوتي لأن الحضور العسكري فيها مرتبط بمحاربة القرصنة فضلاً عن البعد الاستراتيجي المتعلق بالتجارة الدولية.
وأشار الباحث في الشأن الأفريقي إلى أن الوجود الفرنسي في جيبوتي يتيح عملية التدخل السريع عند الحاجة في أماكن الصراع القريبة من جيبوتي، ونحن نتحدث عن اليمن والسودان والصومال، وهذا العامل الأخير مهم جدآ في الوقت الحاضر نظراً لاعتراض الحوثيين السفن في البحر الأحمر.