المؤامرة الدولية لاختطاف أوجلان ...26 عاماً من الرسائل الحاضرة لـ"مانديلا الشرق الأوسط"

شباط من كل عام، شهر لا تنساه الشعوب التواقة للحرية، فيه أرسل المفكر عبدالله أوجلان إلى تركيا ليبدأ 26 عاماً من الظلم والعزلة والقهر.

في شباط من عام 1999 اكتملت حلقات المؤامرة الدولية لاختطاف المفكر الأممي عبدالله أوجلان، حين أرسل إلى تركيا بعد أسره في كينيا بالتعاون مع بريطانيا وأمريكا والموساد الإسرائيلي وربما أطراف دولية أخرى، ثم أُخضع لمحاكمة ظالمة قضت بإعدامه قبل أن يخفف لاحقاً إلى المؤبد، أملاً في القضاء على فكره ورمزيته، لكن هيهات.

اختطفته تركيا وأسرته في إمرالي في جريمة نكراء تبقى سبة على جبين الأنظمة التركية المتعاقبة، والدول التي شاركت في تلك المؤامرة، فقد لاقى ما لاقاه لأنه قاوم أفكار الهيمنة العالمية، وأنظمة الحداثة الرأسمالية، وإفرازاتها التي تصدرها مفهوم الدولة القومية الرأسمالية، التي تحولت إلى آلة تكوى بها الشعوب والمكونات التي تريد التمتع بحقوقها الهوياتية.

استهداف المشروع التحرري

لا يتوفر وصف.

يقول إلهامي المليجي منسق المبادرة العربية لحرية القائد عبد الله أوجلان إن اختطاف القائد أوجلان واحدة من أخطر المؤامرات الدولية التي استهدفت مشروعاً تحررياً بأسره، وليس مجرد شخص أو تنظيم سياسي، حسب تصريحه لوكالة فرات للأنباء (ANF).

وأضاف أن الهدف كان واضحاً منذ البداية، وهو إسكات الصوت الذي حمل رؤية مغايرة للنظام العالمي القائم، والقضاء على فكر قادر على زعزعة المعادلات المفروضة في المنطقة، عبر طرح مشروع يتجاوز الحدود المصطنعة، ويدعو إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الشعوب على أسس جديدة من العدالة والحرية والديمقراطية.

ويؤكد المليجي أن اعتقال أوجلان لم يكن مجرد حدث أمني، بل عملية سياسية عابرة للحدود، شاركت فيها أجهزة استخبارات دولية وإقليمية، لأن فكره كان يشكل تهديداً حقيقياً للأنظمة التي تقوم على الاستبداد والقمع والتبعية، فهو لم يكن يسعى فقط إلى حقوق شعبه الكردي، بل كان يطرح تصوراً جديداً لهوية سياسية غير قومية وغير دينية، قائمة على مفهوم الأمة الديمقراطية، حيث تعيش الشعوب بإرادتها الحرة بعيداً عن الطغيان والتمييز والهيمنة الإمبريالية.

ويقول الكاتب الصحفي المصري إن رؤية عبد الله أوجلان شكلت نقطة تحول في الفكر التحرري العالمي، لأنها لم تستند إلى النضال العسكري وحده، بل قدمت بدائل سياسية واجتماعية عميقة لكيفية بناء مجتمعات حرة قائمة على الديمقراطية والمشاركة الجماهيرية، مع رفض الدولة القومية كأداة قمعية تحصر الهوية في إطار ضيق.

وأضاف أنه رغم مرور 26 عاماً على اختطافه، لم تفلح هذه المؤامرة في إطفاء جذوة الفكر الذي طرحه أوجلان، بل على العكس، تحول إلى رمز عالمي لكل الشعوب الباحثة عن تقرير المصير، وأصبحت كتاباته جزءاً أساسياً من أدبيات الحركات التحررية، سواء في كردستان أو في أمريكا اللاتينية أو في المجتمعات التي تواجه الاضطهاد بأنواعه المختلفة.

ويشدد على أن26عاماً من السجن لم تكسر أوجلان، ولم تقضِ على مشروعه، بل جعلت منه أسطورة نضالية تتجاوز حدود كردستان إلى كل الشعوب الساعية للتحرر، مضيفاً: "اليوم، في ظل تصاعد الأزمات الدولية والإقليمية، يصبح فكره أكثر أهمية من أي وقت مضى، لأنه يقدم بديلاً حقيقياً عن الخراب الذي زرعته الأنظمة القائمة".

واختتم تصريحاته بالتأكيد أن هذه الذكرى ليست مجرد استعادة لحادثة اختطاف سياسي، بل إعادة تذكير بأن النظام العالمي القائم لا يسمح بأي بديل خارج عن هيمنته، وأن القوى الاستعمارية، القديمة والجديدة، لا تزال تسعى إلى إخضاع الشعوب وإسكات القادة الذين يحملون مشاريع تحرر حقيقية.

هنا بدأت المؤامرة

واختطف عبد الله أوجلان، زعيم ومؤسس حزب العمال الكردستاني (PKK)، في 15 شباط 1999 في عملية استخباراتية معقدة، بعد مغادرته سوريا في تشرين الأول من عام 1998 تحت ضغط تركي، وانتقل بين عدة دول وصولاً إلى العاصمة الكينية نيروبي حيث القبض عليه من قبل الاستخبارات التركية، بمساعدة دولية غير معلنة.

وجاء اختطافه كنقطة تحول في الصراع الكردي-التركي، حيث أدى إلى تغييرات في سياسات حزب العمال الكردستاني، وشهدت فترات من المفاوضات والهدنات، لكنها انهارت لاحقاً، ولا يزال أوجلان الشخصية المركزية في القضية الكردية، ويحظى بدعم واسع بين الشعب الكردي، بل امتدت شعبيته إلى كثير من شعوب المنطقة.

الإفراج عنه ضرورة

لا يتوفر وصف.

بدوره، يقول الدكتور مختار غباشي وهو خبير سياسي مصري ومتخصص في القانون الدولي، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الإفراج عن عبد الله أوجلان بعد كل هذه السنوات أصبح ضرورة، منوهاً إلى اللقاءات التي يجريها وفد إمرالي، معرباً عن أمنياته أن تتكلل بالنجاح.

وأوضح غباشي أن أوجلان رجل بقيمة نيلسون مانديلا، فهو مانديلا الكرد والشرق الأوسط، مشدداً على أن إطلاق سراحه من شأنه أن يساهم في حل الكثير من القضايا والإشكاليات التي تمر بها المنطقة، والتي يأتي في مقدمتها القضية الكردية بامتداداتها المختلفة سواءً في سوريا أو تركيا أو العراق أو إيران.

ولفت إلى أن أوجلان على مدار كل هذه السنوات كان يثبت أنه صاحب رؤية، ثم جاءت اللقاءات الأخيرة لوفد إمرالي، والتصريحات التي خرجت منها لتؤكد أن لديه رؤية ما بشأن عملية السلام وفرص نجاحها، لا سيما وأنه أكد قدرته القانونية والسياسية على ذلك.

وتتزامن ذكرى المؤامرة مع الحديث عن مباحثات سلام يجريها النظام التركي مع القائد أوجلان عبر لقاءات وفد "إمرالي" وإن كانت لم تتبلور بعد، لكنها بكل الأبعاد والمعاني تؤكد أن اعتقال "آبو" لم ينل أبداً من عزيمة النضال الكردي، ولا من رمزيته وتأثيره بين الشعوب، وأن العمليات المسلحة للنظام التركي لم تكن حلاً.