بشرى علي: "المرأة الكردية.. من أين وإلى أين؟" تعريف بإرث المرأة الكردية ومرتكزات مسارها النضالي

في حوار خاص لوكالة فرات للأنباء؛ تحدثت الكاتبة الكردية بشرى علي عن كتابها الجديد الصادر في القاهرة مؤخراً "المرأة الكردية.. من أين وإلى أين" معبرة عن الحالة الفريدة التي قدمتها المرأة الكردية على طول مسيرتها نحو الحرية.

قدمت الكاتبة الكردية بشرى علي في كتابها الصادر مؤخراً في القاهرة، "المرأة الكردية .. من أين وإلى أين" حالة، ربما تكون الفريدة والوحيدة لدى قراء العربية، عبرت خلالها عن واقع المرأة الكردية وماضيها وسعت إلى تلمس أفق مستقبلها عبر كتابة رصينة في عمل يعت من خلاله إلى التعريف بصانعات الحرية في تاريخ الكرد القريب والراهن.

وسعت بشرى علي إلى التعريف في كتابها بمسيرة النضال الكردي لكن هذه المرة عبر المرأة التي كان لها أثر كبير في قضية شعبها وقامت بدور كبير في جوانب عدة توضحه بشرى في عملها الأول الذي رافق صدوره في القاهرة، خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي، احتفاء كبير من عدد من الشخصيات الأكاديمية والمتخصصة في الشأن الكردي إضافة إلى عدد كبير من المصريين من أصول كردية الذين شاركوها الاحتفاء بعملها الشهر الماضي.

ومنذ اللحظة الأولى لقراءة الكتاب تتعرف على كثير من الجوانب المجهولة عن حالة ووضع امرأة من الشرق استطاعت في وقت وجيز أن تقتنص حقوق جمة وتطمح إلى المزيد مرتكنة في ذلك إلى منجز ليس بالبسيط من سابقاتها، تلك هي المرأة الكردية، والتي تأتي بشرى علي لتقدم حالتها المتفردة عنها.

وكالة فرات للأنباء طرحت على بشرى علي عدد من الأسئلة حول كتابها ورؤيتها لواقع المرأة الكردية وكذلك رؤيتها لحالة العالم في الاحتفاء بالمرأة تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، فإلى نص الحوار:

* "المرأة الكردية.. من أين وإلى أين"، ما الذي رميتي إليه من هذا العمل الذي يتناول سيرة المرأة الكردية تأريخياً وعملياً؟

بعد سطوع نجم المرأة الكردية في شمال وشرق سوريا بالتحديد، وتَحَوُّلها إلى منبر يستقطب الكثير من المنظمات والشخصيات النسائية والعامة دولياً، رأيتُ أن غالبية (إن لَم نَقُل كل) وسائل الإعلام، تسلط الضوء على الجانب العسكري والقتالي فقط للمقاومة الباسلة التي تخوضها المرأة الكردية ضد جحافل داعش الإرهابية. وهذا ما وجدتُه إجحافاً بحقها، وتقليصاً من الدور الحقيقي الذي تقوم به على أرض الواقع.

وعلى الرغم من تطرقي إلى هذه الجوانب في الكثير من المحافل والأوساط التي حضرتها أو شاركتُ فيها بشكلٍ ما، إلا إنني وصلتُ إلى قناعة تكاد تَكون تامة، بأن التعتيم على كل أبعاد المقاومة التي تخوضها المرأة الكردية في جميع مناحي الحياة، إنما هي سياسة مقصودة، لا تهدف إلى تحجيم دورها فحسب. بل وتَعكس انطباعاً وكأن كل هذا أمر مرحلي ومؤقت من جهة، وعسكري بحت من جهة ثانية، ولا يرتكز إلى أي أرضية فكرية أو رؤية استراتيجية حول الحياة من جهة ثالثة.

وهنا يكمن بيت القصيد، كي لا تستفيد من هذه التجربة الوليدة أيٌّ من المكونات والشعوب والقوميات والهويات الموجودة في المنطقة، وكي لا تُصاب بالتالي بـ"عَدوى" المقاومة العصرية الفعالة والمؤثرة والممنهجة، حينما تتعرف على كل أبعاد هذه المقاومة، وحينما تتعرف على خلفيتها التاريخية والاجتماعية والثقافية والفكرية التي حوَّلَت المرأة الكردية (التي كانت حتى وقت ليس بالبعيد لا تجرؤ على خطوِ عتبة الباب من دون محرّم بسبب العادات والأعراف والتقاليد) إلى منبر يستقطب القاصي والداني.

من هنا جاءت فكرة هذا الكتاب، لتسليط الضوء على مسيرة المرأة الكردية، ولو بالخطوط العريضة جداً. وذلك بهدف التعرف على الإرث النضالي الذي اعتمدت عليه، والرؤية الفكرية والفلسفية التي انطلقت منها لتخط مسار نضالها الذي ما يزال مستمراً.

* هل يمكن القول إن الكتاب بمثابة تأريخ لمسيرة عمل المرأة الكردية بشكل عام؟

لنقل أنه مجرد توثيق لبعض المحطات الأساسية والمنعطفات المهمة في مسيرة نضال المرأة الكردية. فالتأريخ يتطلب تناولاً أوسع بكثير حسب اعتقادي، ويقتضي الغوص في الكثير من المراحل بتفاصيلها الدقيقة والمهمة.

* أغلب كتابات المرأة تتحدث عن العقلية الذكورية المتحكمة.. في كتاباتك أيضاً نقابل هذا الملمح بشدة. فكيف غادرت المرأة الكردية هذا التابو ووصلت لما هي عليه الآن..؟

ثمة تيارات نسوية عديدة تتناول العقلية الذكورية السلطوية. وكل تيار منها يتناول هذا الموضوع من جهة أو عدة جهات. لكن أغلبيتها يتناول هذه العقلية منحصرةً في "جنس" الرجل. وعلى الرغم من نصيبِ هذا التناول من الحقيقة، إلا أنه يبقى ناقصاً في حال جعله حكراً على جنس دون آخر. إذ نتحدث عن "عقلية"، أي عن "ذهنية" تعود إلى خمسة آلاف سنة حسبما تقدّر أغلب الدراسات التاريخية. بالتالي، فإن هذه الذهنية قد تحولت إلى "ثقافة" تتحكم بكل مفاصل المجتمع عموماً، وبمسار ومصير المرأة خصوصاً، وتترك فيها تداعياتها العميقة.

وإذا لم نتناول الأمر بهذا النحو، فسنقع في الكثير من الأفخاخ المنصوبة أمامنا نحن النساء. ولعل أهم فخ، هو رؤية النواقص في "الآخر"، دون رؤية تداعياته على "الذات". وبمعنى آخر، عدم تثبيت نقاط الخلل الموجودة في الذات النسائية، حصيلة القصف المستمر لآلاف السنين على هويتها وإرادتها وعقليتها وذهنيتها. وهذا ما ركّزت عليه المرأة الكردية في نضالها الشاق والمعقد، إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن.

إذ حللت شخصيتها كامرأة، وحددت الخصائص الأصيلة التي تعود إلى طبيعتها كأنثى، فنفضت عنها الغبار وصقلَتها ونَمَّتها أكثر. ومن ناحية أخرى، شخَّصَت الخصائص التي لُقِّنَت بها على مر آلاف السنين، والتي تُعَدُّ دخيلة عليها وغريبة عن طبيعتها الأصيلة، فكافحت ضدها بلا هوادة. وبذلك تمكّنت من أن تؤثر في "الرجل" كي يغير من نظرته إليها، وكي يتغير هو أيضاً نحوها ونحو ذاته. ورغم كل شيء، لا يمكننا القول أن هذا الصراع انتهى. فعلى الرغم من كل المكتسبات التي أنجزتها المرأة الكردية، إلا أن "مشوار" استرداد كينونتها الأصيلة ما يزال طويلاً وشاقاً...

* للحديث عن واقع المرأة الكردية، فلابد أن نتناول حالة الجغرافيا على حدة. فالمرأة الكردية في سوريا تختلف عن تلك التي تعيش في تركيا والتي تقبع في إيران، وحتى التي تتواجد في إقليم كردستان.. برأيك هل هناك ترمومتر يمكنه قياس ما وصلت إليه المرأة في هذه الأرجاء المترامية..؟

على الرغم من أننا نتحدث هنا عن امرأة تنتمي إلى وطن اسمه "كردستان"، لكن تقسيم هذا الوطن، واختلاف سياسات الأنظمة الحاكمة والمتحكمة بأجزاء كردستان الأربعة المذكورة إزاء الكرد الذين ضمن حدودها، قد أدى في النتيجة إلى اختلاف نسبي في واقع المرأة الكردية ومستوى وعيها وتطورها.

رغم ذلك، ثمة قواسم مشتركة كثيرة، سيما وأن الحراك الوطني الساري خلال العقود الأخيرة، قد نسَفَ الحدود المصطنعة تلك عملياً، وأزالها من العقول والقلوب. إذ نجد الكثير من النساء استشهدن دفاعاً عن كوباني أو عن عفرين، على الرغم من أنهن ينتمين إلى جزء آخر من كردستان، أي إلى دولة أخرى حسب التعريف الرسمي. مثلما أن الكثير من النساء من عفرين أو كوباني قد استشهدن دفاعاً عن مدن أخرى في أجزاء كردستان الأخرى.

بمعنى آخر، فإن حالة التشتت والاغتراب القومي التي كانت تعاني منها المرأة الكردية والشعب الكردي، باتت حالة شبه زائلة مع ازدياد الوعي القومي والسياسي بل والتنظيمي أيضاً بفضل نضال حركة الحرية الكردستانية.

* وضع المرأة في الشرق الأوسط متشابه، اللهم فيما عدا فروق طفيفة وربما فردية تختلف من بلد لآخر.. والسؤال: ما الذي يفرق حالة المرأة الكردية عن غيرها من نساء الشرق؟

للإجابة على هذا السؤال، لا بد من العودة إلى الكتاب... فهو يتناول المحطات الرئيسية التي ميّزت المرأة الكردية، وجعلَتها تغير "قَدَرَها" في فترة زمنية قياسية، لدرجةِ أنها تمكنت من إنجاز "ثورة نسائية" داخل ثورة وطنية عامة تتطلع إلى تقرير مصيرها بنحو يضمن لها الحياة العادلة والحرة والكريمة. لكن، لعله من أهم هذه المحطات، هو تركيز المرأة الكردية على تنظيم صفوفها بنحو شبه مستقل وقائم بذاته وله خصوصياته، كي تتمكن من تَركِ بصماتها على كل الأنشطة التي تقوم بها، وأن تطبعها بلونها الأنثوي، وأن تضفي عليها رؤيتها الأنثوية التحررية المعاصرة.

* يتناول الكتاب توثيقاً لواقع المرأة الكردية منذ أواخر القرن التاسع عشر، وقبل ذلك تتحدثين عن حالة مجتمعية أدت إلى قمع المرأة وقهرها بصورة غاية في القسوة. هل هذه هي الحقيقة المجتمعية للمرأة الكردية فعلاً، أو أن في تاريخها أمور لم تذكر أيضاً؟

التاريخ الكردي عموماً، وتاريخ المرأة الكردية خصوصاً، هو نموذج مصغَّر عن تاريخ شعوب الشرق الأوسط. بمعنى أنه لا يمكن التطرق في كتاب متواضع كهذا إلى كل الأبعاد التي يتشكل منها تاريخها أو يتأسس عليها. مع ذلك، ثمة قواسم مشتركة كثيرة بطبيعة الحال. ولعل أهم قاسم مشترك هو مدى القمع والضغط والقصف الذهني والفكري الذي تعرّضت له المرأة على مر آلاف السنين من قِبَل الذهنية الذكورية السلطوية، ممثَّلةً في أنظمة الدولة على اختلاف أشكالها وتسمياتها من جهة، وممثَّلة في "الإمبراطور الصغير/الزوج أو الأب" داخل إطار حُكمِه المتجسد في الأسرة من جهة ثانية. زد على ذلك ما نمَّ عن هذه الذهنية من عادات وأعراف اجتماعية ومجتمعية تعمل على تكريس تلك الذهنية ومأسستها في كل مناحي وتفاصيل الحياة الاجتماعية.

على الرغم من ذلك، ثمة شخصيات نسائية عديدة يذكرها التاريخ، وثمة نساء كثيرات جداً ممَّن لم يذكرهن التاريخ ولم يُنصِفهنّ، ممَّن لعبن دوراً رئيسياً في رسم مسار بلادهن وحكم شعوبهن، سواء على الصعيد الإقليمي أو الكردستاني.

بالتالي، ثمة الكثير مما لم يُذكَر في هذا الكتاب –بطبيعة الحال-، لأن هذا  الكتاب قد رسم له مساراً معيناً يخدم فكرةً معينة، وهي التي تم توضيحها في الرد على السؤال الأول.

* أستعير منك المقولة البديعة "إن تاريخ عبودية المرأة لم يدون بعد.. وإن تاريخ تحرر المرأة ينتظر التدوين".. وسؤالي هل بدأت توثيق وتأريخ مرحلة تحرر المرأة الكردية بهذا العمل؟ وهل ستواصلين هذا المنحى؟

هذه المقولة الرائعة، أنا أيضاً اقتبستُها من كتابٍ للزعيم الكردي "عبدالله أوجلان"، لدى ذكرها في كتابي. ستَكون مبالغةً إن قلتُ أنني مَن ابتدأ توثيق وتأريخ مرحلة تحرر المرأة الكردية بعملي هذا. إذ ثمة مئات الكتب التي توثق تاريخ حرية المرأة الكردية. لكن المؤسف في الأمر هو أن القليل النادر منها قد صدر باللغة العربية. من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب باللغة العربية خصيصاً، ليَكون موجَّهاً إلى القارئ/ة العربي/ة للتعريف بهذا المسار بلغة مبسطة وسلسة.

* دراسات علم المرأة «الجنولوجيا» تجربة جديدة بها ارتكان على أمور عدة سابقة. لكن السؤال عن أبرز ما يمثله هذا العلم وما يقدمه من دراسات أمر لابد من التطرق إليه؟

مصطلح "علم المرأة/الجينولوجيا" هو مصطلح جديد طرحه الزعيم الكردي عبدالله أوجلان في مرافعته الأخيرة المؤلفة من خمسة مجلدات ضخمة تحت عنوان "مانيفستو الحضارة الديمقراطية. وما لا شك فيه هو أنه مصطلح شامل سيفتح آفاقاً جديدة بمثابة ثورة حقيقية على درب نضال حرية المرأة بصورة خاصة، وفي مجال العلوم الاجتماعية كافة بصورة عامة. إذ يسعى إلى تناول كل الاصطلاحات برؤية أنثوية جديدة وشاملة، ويعيد تعريفها، أو بالأحرى يسترد لها معانيها الأصيلة التي أُفرِغَت منها، ويعمل على مواكبتها مع روح العصر.

وبهذه المناسبة أود القول أنني أعمل الآن على التحضير لمشروعٍ في تقديم مقالات معنية بتناوُل هذا العلم وأهدافه ومنطلقاته وإطاره، كي يتم جمعها في كتاب آخر. إذ ليس هناك مراجع باللغة العربية تتناول هذا الموضوع أيضاً.

* قدمت في الكتاب تأريخاً لشخصيات نسوية كردية شكلت عُقداً يمثل تاريخ حكاية المرأة الكردية في العصر الحديث. لكن السؤال كيف جاء اختيارك لهذه الشخصيات؟ وهل من عمل مستقبلي لك لحالة أوسع في هذا الجانب تحديداً؟

بصراحة، أنا لم أختَر هذه الشخصيات. بل هي التي فرضَت ذاتَها عليَّ بأعمالها وبعملياتها وبروحها الفدائية وبما تركَته من بصمات استراتيجية لا تنسى في تاريخِ وذاكرة نضال المرأة الكردية الحديث. وما فعلتُه لم يكن سوى التطرق إليها والكتابة عنها ولو بنبذة قصيرة، لإيفائها بعضاً من حقها (إن جاز التعبير)، ولإيصال صوتها إلى القراء.

* من بين الأفكار المحيرة في الكتاب "أيدولوجية حرية المرأة".. فكيف يمكن لحالة حرية المرأة أن تصبح أيدولوجيا؟ ألا ترين أنك تطرقين باباً يمكن أن يجر حالة من الغضب والضجر فكريا وعملياً؟

كانت المرأة في المجتمع الطبيعي، والذي يسمى في التاريخ الرسمي المكتوب "المجتمع المشاعي البدائي"، كانت هي القوة النافذة في المجتمع، وهي صاحبة كل البدايات الإيجابية الأولى، ولها الفضل في كل الاكتشافات والاختراعات الأولى التي ما تزال البشرية في يومنا الراهن أيضاً تقتات منها وعليها في تطوير ذاتها وعلومها.

بالمقابل، فإن أول انكسار في مسيرة المرأة كان بفرضِ الذهنية الذكورية عليها وعلى كافة مناحي الحياة، بعد أن سُرِقَت منها كل "ماءات"ـها (أي اكتشافاتها واختراعاتها)، ونُسِبَت زوراً وبهتاناً للرجل. أي أن قضية حرية المرأة قضية ذهنية، وبالتالي، قضية أيديولوجية بامتياز. وما لا شك فيه أن هذه القضية مشتركة من ناحية المضمون بين كافة النساء من كل الشرائح والطبقات والانتماءات. أي أنها قضية عابرة للحدود. إنها قضية عالمية.

وما دامت هذه القضية قد برزت نتيجة القصف الأيديولوجي الممنهج عليها، فلا بد أن يستند تحررها إلى أيديولوجيا خاصة بالمرأة وتنطلق من طبيعتها هي، وتتطبع بطابعها هي. من هنا جاءت فكرة "أيديوولجية حرية المرأة" التي طرحها الزعيم الكردي عبدالله أوجلان. وقد أثبتت هذه الفكرة-النظرية سدادها وجدارتها في شمال وشرق سوريا.

* في كل سياقات الكتاب تتحدثين عن حالة التأثر الواعي بالقائد عبدالله أوجلان وهنا هي المفارقة.. فقد كان هو المساعد للمرأة الكردية للتحرر من عبودية الرجل إن جاز التعبير. فما الذي يمثله لك أوجلان؟

في الحقيقة، لا يمكن تناول موضوع السيد عبدالله أوجلان بمنوال ضيق على أنه مجرد رجل. فقد صرّح هو بذاته في مرات عديدة أنه قد قَتَلَ الرجولة في ذاته. وله يعود الفضل في الكثير من المحطات الاستراتيجية والمحورية التي مرت بها المرأة الكردية في نضالها الشاق الطويل. وإليه يعود الفضل في نفض الغبار عن مواهبها المقموعة، وفي تفجير طاقاتها الكامنة، لتصبح على ما هي عليه اليوم في فترة قياسية بامتياز. وهو الذي عاهدَ نفسَه قبل الآخرين على أن يَكون مناضلاً دؤوباً على درب حرية المرأة.

وما يميز شخص السيد عبدالله أوجلان، هو أنه قد ترجَمَ كل ما قاله بصدد المرأة إلى خطوات عملية وإلى مشاريع ملموسة، على النقيض من كل الزعماء الاشتراكيين والشيوعيين وغيرهم، ممن ذكروا الكثير عن قضية المرأة، ولكنهم لم يحولوا ما قالوه إلى خطوات عملية ملموسة. فكما هو معلوم، "كل فكرة، مهما كانت جميلة وجيدة، فلن تجد معناها الحقيقي، مالم تُطبَّق على أرض الواقع".

* ماذا عن ردود الأفعال التي قابلتك حول الكتاب وما أبرز ما قيل لك؟

قد يَكون من المبكر التطرق إلى ردود الأفعال من الآن. إذ لم يمضِ زمن طويل على طبعه في العاصمة المصرية القاهرة. مع ذلك، فمَن حظِيَ به في حفل التوقيع، الذي جرى في المعرض الدولي للكتاب في القاهرة في شهر شباط المنصرم، ومَن شَرَّفني بكتابةِ مقدمة في الكتاب من العزيزات في العراق ومصر؛ كلهم أعربوا عن امتنانهم بمضمون الكتاب، وبلغته السلسة. ومَن اطَّلع عليه من أصدقائي وصديقاتي، أكدوا على أهميته كمرجع رئيسي في الدورات التدريبية التي تجري، وخاصة في شمال وشرق سوريا. سأكتفي بقول ذلك فقط، إذ أعتقد أن ردود الأفعال ستتضح مع الزمن بنحو أفضل، إن كان لجهةِ النقد البنّاء أو الملاحظات أو غير ذلك.

* إلى أي درجة يمثلك هذا الكتاب، وأيضاً لماذا لا نرى في الكتاب لمحات عنك وعن سيرتك الذاتية؟

حسب قناعتي، كل كتاب يمثل جزءاً من كاتبه. فالقناعة بالفكرة، أو بأهمية الفكرة، هي التي تولّد المأثور عموماً. وهذا ما يسري عليّ أنا أيضاً، لاسيما وأنني امرأة كردية. ويعنيني أن أعرف تاريخي النسوي بقدر معرفتي لتاريخي القومي. مثلما يعنيني أيضاً، وبنفس الدرجة، أن أعرف تاريخ النساء على الصعيد الإقليمي بصورة خاصة كوني جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة، وعلى الصعيد العالمي كوننا جميعاً جزء من هذا الكون. ولنقل أنني حاولت أن أكون صلة الوصل، أو الجسر الذي ينتقل عبره نضال حرية المرأة الكردية إلى بنات جنسها من الهويات القومية الأخرى...

* من هذا الخيط نسأل السؤال التقليدي: من هي بشرى علي؟ وما أبرز آمالها؟

عادةً ما أهرب من هذا السؤال حقاً... لكن، ما دمتِ سألتِنيه، فما عليّ سوى القول: أنا امرأة كردية من عفرين السورية (المحتلة حالياً). وأنا في الوقت نفسه بنتُ مدينة حلب السورية العريقة. ذاكرتي كلها في حلب. وقلبي ينبض دوماً في عفرين ولأجلها... ففي مدينةِ حلب ترعرعتُ على حب الآخر، مهما كان عرقه أو دينه أو لونه أو انتماؤه. لكن المفارقة هي أن هذه المدينة هي التي فتحت عينيّ على التمييز الكبير الذي كان يطبَّق على شعبي. ما كان دافعاً لي كي أبحث عن حقيقة شعبي، وكي أناضل في سبيل استرداد حقوقه المسلوبة، وكي أعثر على ذاتي المسلوبة كأنثى وكهوية قومية.

ناضلتُ سنين طويلة في النشاط النسوي والنشاط الإعلامي... والآن أيضاً أنشط كعضو هيئة إدارية في منظمة نسوية كردية تسعى إلى مد جسور التواصل وتمكين التشبيك بين المنظمات والشخصيات النسائية على المستوى الإقليمي، بهدف تمكين دور المرأة بنحو فاعل ونافذ، لتَكون صاحبة قرار مؤثر في رسم مصير المنطقة عموماً، وفي رسم مسار المرأة فيها خصوصاً.

* يأتي اللقاء متزامناً مع احتفالات العالم باليوم العالمي للمرأة. فماذا يمثل لك هذا اليوم؟

إنه مناسبة مهمة من أجل تجديد القسَم للذات قبل الآخرين، من أجل تصعيد النضال في سبيل حرية المرأة والإنسانية... والمؤلم بالنسبة لي شخصياً في هذا العام بالذات، أننا نستقبل اليوم العالمي للمرأة في وقتٍ ما تزال الفوضى العمياء تعصف بالمنطقة وتحصد أرواح الأبرياء بصورة عامة وأرواح النساء والأطفال بصورة خاصة.

من ناحية أخرى، نستقبل هذا اليوم في هذا العام وما تزال ليلى كوفن مستمرةً في إضرابها المفتوح عن الطعام، إذ بدأَته منذ يوم 8 تشرين الثاني 2018، قبل حوالي 120 يوماً... وهذا ليس برقم سهل... سيما وأن كوفن هي نائب كردية في البرلمان التركي. وإضرابها المفتوح عن الطعام هذا، له مطلب وحيد فقط، ألا وهو: "فك العزلة المطلقة عن الزعيم الكردي عبدالله أوجلان"... وعلى الرغم من تضامن المئات من المعتقلين والناشطين السياسيين مع ليلى كوفن، ببدئهم –هم أيضاً- إضراباً مفتوحاً عن الطعام في أكثر من 74 سجناً من السجون التركية، وفي 7 بلدان مختلفة؛ إلا إن التضامن والتفاعل النسائي معها، لاسيما عربياً وإقليمياً، ما يزال دون المستوى المطلوب...

رغم كل ذلك، فأنا متفائلة بصورة عامة، فمهما يكن، فإن تصاعد نضال حرية المرأة في كل مكان عموماً وفي منطقتنا خصوصاً، يزيدنا أملاً وعزيمةً، ويرسخ لدي القناعة بأن هذا القرن سيصبح قرن حرية المرأة بامتياز، وأننا قادرات أكثر من أي وقت مضى على تذليل العقبات التي تعترضنا كنساء...

* ماذا عن خططك المستقبلية بعد «المرأة الكردية.. من أين وإلى أين»؟

مثلما ذكرتُ أعلاه، لدي مشروع أقوم بالإعداد له، حول "علم المرأة/الجينولوجيا". بالإضافة إلى مشاريع أخرى، لنتركها طي الكتمان، حتى ترى النور...