في ندوة حول مؤامرة اختطافه.. أوجلان يقود شعوب المنطقة إلى بر الأمان
أكد مثقفون من جنسيات متنوعة في ندوة حول مؤامرة اختطاف المفكر عبدالله أوجلان ضرورة إطلاق سراحه، وأهمية فلسفته في قيادة شعوب المنطقة إلى بر الأمان.
أكد مثقفون من جنسيات متنوعة في ندوة حول مؤامرة اختطاف المفكر عبدالله أوجلان ضرورة إطلاق سراحه، وأهمية فلسفته في قيادة شعوب المنطقة إلى بر الأمان.
وسط حضور كردي وعربي واسع، نظمت المبادرة العربية لحرية عبدالله أوجلان بالتعاون مع أكاديمية عبدالله أوجلان للعلوم الاجتماعية ندوة عبر الفضاء الإلكتروني، بمناسبة الذكرى الـ26 للمؤامرة الدولية لاختطافه، حيث جرى مناقشة واسعة لكافة أبعادها، وكذلك تقديم قراءة لفلسفة وأفكار القائد "آبو"، وما تقدمه من حلول لإشكاليات الشرق الأوسط في هذا الظرف الدقيق.
وفي 15 فبراير/شباط من عام 1999 كانت المؤامرة الدولية على المفكر الأممي عبدالله أوجلان أمام حلقة جديدة وأسوأها؛ عندما نقل إلى تركيا عقب اختطافة من كينيا، ليتم أسره لاحقاً في سجن إمرالي، في إطار مؤامرة دولية شاركت فيها الاستخبارات التركية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والموساد الإسرائيلي وأطراف دولية أخرى، ستبقى سُبة في تاريخها.
بين السعادة والحزن
قدمت الندوة الكاتبة والباحثة المصرية الدكتورة فرناز عطية والتي أعربت وهي تقدم وتدير هذه الندوة عن شعور يمزج بين السعادة والحزن؛ فهي سعيدة لإدارة هذه الندوة ولقائها مع قامات كبيرة تهتم بقضية المفكر عبدالله أوجلان، ما يشكل انتصاراً لأفكاره وقضيته، فيما يأتي حزنها من أنه على مدار 26 عاماً لم يتم فك أسره بالرغم من قضيته العادلة.
وألمحت الدكتورة فرناز إلى موضوع الندوة، موضحة أنها تتركز حول موضوع المؤامرة الدولية على القائد أبو، وكيف نُسجت وحيكت وأبعادها وتداعياتها، مع التطرق إلى فكر الأمة الديمقراطية الذي طرحه أوجلان، وكذلك بعض أبعاد الأزمة السورية، وقضية المرأة في فكره، وما طرحه من حلول لكثير من أزمات منطقة الشرق الأوسط.
مؤامرة 15 شباط
انطلقت الندوة في محورها الأول حول مؤامرة 15 فبراير/شباط وتحدث فيه اللبناني الدكتور رائد المصري المحاضر في الفكر السياسي والعلاقات الدولية، والذي أكد أن قضية أوجلان تستحق كل وقت وكل نقاش؛ من أجل نصرة شعب مظلوم، ومفكر تاريخي ومناضل لم يتأخر في خدمة شعبه والعمل على وضعهم على طريق نيل حقوقهم، ومواجهة ما نالوه من ظلم تاريخي تجاه كل الأنظمة.
وفي هذا السياق، لفت المصري إلى أن معاناة شعب كردستان لم تكن في تركيا فقط، بل في العراق وسوريا وإيران، أي أن هذا الشعب ترعض لملظمة تاريخية، رغم أن وجوده في المنطقة متجذر، موضحاً أنه كان يشك في حقيقة وجود الكرد في المنطقة لكنه بحث وقرأ للبعض بأن الكرد هم الأساس التاريخي لبناء الدولة السورية.
ويقول المصري إن ما حدث مع القائد أوجلان لا يستطيع توصيفه إلا بـ"المؤامرة" من قبل القوى الاستعمارية لإبقاء هذا الشعب دون المستوى الأدني من تحقيق أهدافه وحقوقه، تارة باتهامات الخيانة وتارة باتهامات أنهم تقسيميين، وثالثاً من حلال العنصرية التي اتسمت بها النظم الحاكمة وخاصة في العراق.
ويؤكد المحاضر في الفكر السياسي أن ما حصل مع المناضل أوجلان خلال هذه التقاطعات الإقليمية والدولية توضح أنه خضع لمؤامرة محكمة ومدبرة من أجل القضاء على هذا الرجل، لكنهم لم يستطيعوا القضاء على فكره الذي بات كل الناس يعرفونه رغم أنهم وضعوه في سجن انفرادي بعيد في إمرالي، ومهما تعرض له من تعذيب نفسي وجسدي؛ بدليل أن مانفيستو الحضارة الديمقراطية لا يزال يجتاح العالم العربي والعالم كله ينهل من هذا الفكر.
ووصف فلسفة أوجلان بأنها جاءت كمنارة لتكوين الشعوب من خلال أفكار الأمة الديمقراطية، والتي قال إن دونها لن يحقق الشرق الأوسط أماني شعوبه في الحكم الذاتي والإدارة المحلية، ولن يستقيم، حيث دعا أوجلان إلى تلاقي الشعوب والتسامح والتعايش فيما بينهم، وبالتالي أفكاره حية وآمنت بها كل الشعوب الكردية وغير الكردية.
وشدد الأكاديمي اللبناني على أن انتشار أفكار أوجلان دليل على أنه صاحب سيرة صحيحة لتحرير الشعب الكردي وكل الشعوب التي تريد الحرية، معبراً عن اعتقاده أننا قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقق حلم الشعب الكردي بالإفراج عن هذا القائد والمفكر وتحقيق أمانيه والوصول إلى حقوقه في ظل منعطفات كبرى وتطورات إقليمية كبيرة ما ينبؤ بحل القضية الكردية، خاصة في تركيا التي لن يكون بها أي استقرار أو وديمقراطية دون حل القضية الكردية.
أهمية حل القضية الكردية
المحور الثاني في الندوة كان حول أهمية حل القضية الكردية وتحدث عنه السفير شريف شاهين مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، والذي أكد أن أوجلان زعيم لأمة تعاني الاضطهاد، مشدداً على أن حل قضية الأمة الكردية مفتاح لحل قضايا الشرق الأوسط جميعاً في هذه المنطقة المتخمة بالمشاكل والصراعات مع قوى الاستعمار وعلى رأسهم إسرائيل وأمريكا.
وقال السفير شريف شاهين إنه لا استقرار دون حل القضية الكردية بشكل سلمي وديمقراطي وفق أفكار المفكر عبدالله أوجلان، ووفق ما صاغه في المجلد الرابع من مانفيستو الحضارة الديمقراطية، لافتاً إلى أن خطورة التحولات الراهنة تثبت الارتباط العضوي والوثيق بين القضية الكردية وقضايا المنطقة، خاصة القضية الفلسطينية باعتبارهما أقدم قضايا المنطقة التي لم تحل، كما أن حل القضية الكردية مفتاح حل القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، طالب الدبلوماسي المصري السابق كافة الشعوب الديمقراطية والمؤمنة بحرية الشعوب بالمطالبة بالإفراج عن القائد عبدالله أوجلان، وأن تساند الكفاح الكردي بإطلاق سراح هذا المفكر الكبير، وإتاحة المجال أمامه لحوار بناء مع الحكومة التركية، مشيراً إلى أن ذلك لن يتأتى دون وحدة الموقف الكردي، وأن تكون هناك أفكار خارج الصندوق بما يحافظ على الأراضي التركية من جانب واستعادة الشعب الكردي حقوقه في نفس الوقت.
الأمة الديمقراطية
انتقل الحديث في الندوة إلى المحور الثالث عن الأمة الديمقراطية كرؤية لحل قضايا المنطقة، والذي تحدث فيه الدكتور علي أبوالخير الباحث في التاريخ الإسلامي، والذي قال إنه لأول مرة نرى بطلاً تحررياً مثل عبدالله أوجلان يناضل بفكره من خلف أسوار السجن، وامتاز بغزارة إنتاجه الفكري وتعدده، وفي مقدمة ذلك مفهوم الأمة الديمقراطية، وأفكارها لحل أزمات الشرق الأوسط.
ويلفت أبوالخير إلى أن كثيرين يقولون إن فكر أوجلان غير قابل للتحقيق، لكن نستطيع القول إن مفهوم الأمة الديمقراطية مرتبط بالأمة الإنسانية والتعايش المشترك داخل الدولة الواحدة، القائمة على التعددية الفكرية والإنسانية، فمفهوم الأمة الديمقراطية هو العلاقة بين "أنا والآخر"، ويشمل كفهوم كل مكونات المجتمع الذي نعيش فيه.
ولفت أبوالخير إلى أن السيد عبدالله أوجلان نسج فكره خلف السجن وقدم نظرية مثالية وواقعية في نفس الوقت؛ مثالية لأنها تعبر عن البشرية بكافة أبعادها الدينية والعرقية والمذهبية والثقافية واللغوية، وواقعية لأنها قابلة للتطبيق إذا توافرت النوايا لذلك وكان هناك فكراً مستنيراً.
ولفت إلى أن أوجلان في الأمة الديمقراطية يريد القول إن كل النظريات التي رأيناها سواء الماركسية أو القومية لم تحل المشاكل، بل كانت سبباً في الصراعات، بينما الأمة الديمقراطية تذيب الفوارق، ويتعايش تحتها الجميع، وتحافظ في نفس الوقت كل قومية فيها على تراثها وثقافتها.
تحديات أمام حل القضية الكردية
المحور الرابع من الندوة دار الحديث فيه عن التحديات أمام حل القضية الكردية في سوريا من خلال طرح الكاتب الصحفي خليل القاضي، والذي قال إن التحديات المفروضة الآن على المكون الكردي كبيرة، وهو مكون في صميم دولة سوريا منذ وجودها، ولعب دوراً مهماً في تعزيز مكانتها، واليوم يقع على عاتقه الحفاظ على سوريا الدولة بجغرافيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وأضاف القاضي أننا شهدنا منذ 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي سقوط نظام بشار الأسد، وتسلط هيئة تحرير الشام على قيادة سوريا، معتبراً أن الهيئة تمارس تسلطاً يراد منه إلغاء الآخرين إن لم تتوافق مع طرح الهيئة ومن يدعمها وتحديدا تركيا، لافتاً إلى أن الأخيرة تصنف قوات سوريا الديمقراطية إرهابية، مشدداً على أن الإرهاب هي تركيا وليس المكون الكردي الذي يسعى للحفاظ على وحدة سوريا ويرفع شعار سوريا واحدة موحدة، وهذا ما يدعو ويتمسك به القائد عبدالله أوجلان.
وقال الكاتب الصحفي إن النظام التركي يخشى أوجلان؛ لأنه لم يستطع وأد أفكاره وقد تحول من مناضل للقضية والقومية الكردية ليصبح مناضلاً أممياً وإنسانياً، لافتاً إلى أن التحديات التي تواجه المكون الكردي هي محاولة الإلغاء من قبل النظام التركي مستعيناً بهيئة تحرير الشام، لا سيما وأن المكون الكردي أظهر حسن إدارة لإدارة شؤون الدولة من خلال تجربة الإدارة الذاتية التي كانت حامية وراعية لكل مكونات الشعب السوري المقيم في نطاقها.
وانتقد خليل القاضي الهجمات التي يشنها النظام التركي على قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في عديد من المناطق بشمال وشرق سوريا، مثل منطقة سد تشرين، معتبراً أن ما تقوم به أنقرة سواء ضد قوات "قسد" أو مناطق الإدارة الذاتية مؤامرة لا تقل عن المؤامرة التي طالت القائد والمفكر عبدالله أوجلان.
البعد المجتمعي والتنظيمي في الإدارة الذاتية
أما المحور الخامس في الندوة فكان حول البعد المجتمعي والتنظيم الإداري في الإدارة الذتية، وتحدث فيه الإداري بأكاديمية قوات حماية المجتمع بهرم خالد، والذي قال إنه لمعرفة الفارق بين واقع المجتمعات في شمال وشرق سوريا يجب العودة إلى ما قبل عام 2011، وإلى ما قبل تأسيس الإدارة الديمقراطية الذاتية، وإلى ما قبل هذه الإدارة التي جسدت فكر وفلسفة القائد عبدالله أوجلان.
ووصف خالد الوضع بأنه كان مذرياً؛ وكانت تلك المنطقة أمام مجتمعات منهارة، إلى أن تهيأت الظروف لتطبيق فلسفة لإنقاذ هذا المجتمع المنهار سياسياً وأخلاقياً، من حيث العدالة والتقاليد، نتيجة الأنظمة الديكتاتورية القائمة على فكرة العلم الواحد واللون الواحد واللغة الواحدة؛ ما انعكس سلباً على شعوب شمال وشرق سوريا، ووصل بطموحاتهم إلى طريق مسدودة.
ولفت إلى أنه في بداية عام 2011 قامت الثورة في سوريا، وقامت بعد ذلك الإدارة الذاتية ومعها تغيرت الأمور على الواقع؛ فقد كان الوضع يقوم على السلطة الواحدة، لكن بعد تأسيس الإدارة الذاتية كان لجميع المكونات وجودها، وأصبحت تحكم نفسها بنفسها، مشدداً على أنه مع حكم الشعب نفسه بنفسه تغيرت الأمور بشكل واقعي وليس نظري.
وهنا يؤكد أن تجربة الإدارة الذاتية العملية أثبتت أن خلاص المجتمع في سوريا يكمن في حل وحيد هو الإدارة الذاتية الديمقراطية، حيث ثبت للعالم أجمع أن طبيعة هذا المجتمع تغيرت من الناحية السياسية والأخلاقية رأساً على عقب، وأصبح مجتمعاً مختلفاً.
ريادة المرأة في الأمة الديمقراطية
انتقل الحديث حول المحور السادس للندوة عن ريادة المرأة في فكر الأمة الديمقراطية وكانت الكلمة للسيدة أمينة مراد عمر عضوة منسقية مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا، والتي أكدت أن النساء في شمال وشرق سوريا يلمسن مساحة كبيرة من الحرية، رغم أن هذه المنطقة جزء من مجتمع الشرق الأوسط بخلفياته القبلية والدينية.
وأوضحت أن هذا الوضع المتميز للنساء في شمال وشرق سوريا تحقق من خلال فكر عبدالله أوجلان وتحليله لواقع المجتمع الكردي والمرأة الكردستانية، فاستطاع الوقوف على معاناة المرأة ووصل إلى نوع العلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة، ولهذا نجد أن كثيراً من النساء أمنَ بأفكار أوجلان ليس من المكون الكردي فقط، بل من كافة الشعوب والمكونات.
وذكرت أمينة عمر أن أوجلان أعطى ثقة كبيرة للمرأة، وآمن بها حين قال إنه لا يمكن تحرير المجتمعات إلا من خلال تحرير المرأة، وبالتالي مشروع الإدارة الذاتية كترجمة لأفكاره الهدف منه الوصول لمجتمع يقوم على أساس المساواة بين الجنسين وفق أفكار الأمة الديمقراطية، وأن نجاحها يرتبط بما يتم تحقيقه من مساواة بين الرجل والمرأة.
وضربت السيدة أمينة عمر عدداً من الأمثلة على المكتسبات التي تفردت بها المرأة في شمال وشرق سوريا، منها نظام الرئاسة المشتركة، فلا يوجد نموذج مثله في أي مكان آخر بالعالم، ما يعزز مشاركة المرأة في كافة المستويات، ويعزز شراكتها في عملية صنع واتخاذ القرار.
وذكرت أيضاً أن تمثيل المرأة في شمال وشوق سوريا 50 بالمئة، بينما في كل دول العالم لا يتجاوز 30 بالمئة، كما أن مناطق الإدارة الذاتية الوحيدة التي أصدرت قانوناً خاصاً بالمرأة يضمن حقوقها وحريتها ومنها منع تعدد الزوجات، بما يشكل ذلك من تمرد على المجتمع العشائري، ويمنع زواج القاصرات أو الإجبار على الزواج.
أشارت كذلك إلى أن التنظيمات النسائية كثيرة، فيوجد ما يزيد على أكثر من 50 منظمة نسوية تساهم في التوعية بحقوق المرأة، إلى جانب تشكيل تنظيم عسكري خاص بالمرأة، أي وحدات حماية المرأة الذي يضم نساءً كثر من جميع المكونات التي تدافع عن ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا، وفيها حاربت التنظيمات الإرهابية من أجل حريتها وألا تبصبح عبدة.
وفي ختام حديثها أكدت أن أهم منجز هو العقد الاجتماعي الذي أوصى به أوجلان في 2001، كاشفة عن أنه قد تم الانتهاء من الجزء الأكبر الخاص بالمرأة في هذا العقد، كوثيقة حققتها المرأة من خلال ثورتها، مشددة على أن بعض الإنجازات التي استعرضتها تؤكد أن المرأة تقود مشروعاً ريادياً في شمال وشرق سوريا، وأنها الحامي الأساسي لهذا المشروع الديمقراطي.
الصدق والخصوصية الأوجلانية
وفي المحور السابع للندوة دار الحديث حول الصدق والخصوصية الأوجلانية في الفكر السياسي والاجتماعي والذي تناوله الدكتور طه علي الباحث والمحلل السياسي المصري المختص في شؤون الهويات وشؤون الشرق الأوسط، والذي أكد أن بنظرته كأكاديمي يمكنه القول إن فلسفة عبدالله أوجلان ومنهاجيته اتسمت بالتفرد، على نحو ظهر في العديد من العناصر التي طرحتها أفكاره.
ويوضح الدكتور طه علي أن منهاجية أوجلان التي قامت على نسق الحقيقة وسع من خلالها مساحة نظرته للتاريخ إلى أبعد مساحة زمنية، ما قاده إلى نتائج كثيرة مهمة تبدو على سبيل المثال في نظرته للمرأة؛ إذ عاد إلى مرحلة المجتمع الطبيعي الذي تمحورت فيه مكانة الأفراد والمجتمع، وقد انتقل في التحليل من الدولة إلى المجتمع، الدولة التي هي ابنة الحداثة الرأسمالية وأداة الهيمنة والتسلط، ولهذا فقد وجد الرأسمالية شراً مطلقاً.
النقطة الأخرى التي يظهر فيها صدق أفكار المفكر عبدالله أوجلان وفق الدكتور طه علي هي الانتقال من الاشتراكية إلى التشاركية، فرغم الخلفية الاشتراكية له في قراءة الظواهر الاجتماعية وتأثره بالمد الماركسي في شبابه، لكن منظوره النقدي كان متسعاً حتى أنه نقد الماركسية نفسها واعتبرها تدور في فلك الرأسمالية، بما استتبع ذلك من سلبيات.
ويقول المحلل السياسي المصري إن منهاجية أوجلان تميزت باللا نمطية أو أنها ذات منظور غير تقليدي للتعامل مع القضية الكردية، ففي حين مثلت العشائرية إحدى الخصائص التي لعبت دوراً كبيراً في الحفاظ على الهوية الكردية، إلا أنه لعبت دوراً سلبياً في ترسيخ الطبقية، وما كان العثمانيون لينجحوا لولا وجود قيادات عشائرية ذات قابلية للاحتواء من قبل العثمانيين، وصولاً لما نراه اليوم في بعض المناطق بكردستان العراق والأحزاب التي تقوم على أساس عشائري.
وهنا يقول الدكتور طه علي إن أوجلان تمرد في منهاجيته على هذه الخصيصة أي العشائرية، التي أعاقت تطور العقل الكردي وانتقاله إلى الديمقراطية، وبالتالي فقد قاد ثورة ذهنية للانتقال من العشائرية والقبائلية إلى الثورة الديمقراطية القائمة على قبول الآخر، وبالتالي فإن أوجلان كان صاحب منهجاً متفرداً للأسباب سابقة الذكر.
الدفاع الذاتي والحماية الجوهرية
فيما جاء المحور الثامن للندوة تحت عنوان: الدفاع الذاتي والحماية الجوهرية في الأمة الديمقراطية، وتحدث فيه سيامند علي مدير المركز الإعلامي لوحدات حماية الشعب (YPG)، والذي استهل كلمته بالتأكيد أنه بالحديث عن الدفاع والحماية الجوهرية فنحن نتكلم عن حق طبيعي لكل حي على هذه الأراض، مشدداً على أن ما هو غير طبيعي أن يتم سلب الحق في الدفاع عن النفس.
وفي مسألة الدفاع عن النفس يقول سيامند علي إنه هنا يأتي دور المفكر عبدالله أوجلان في معادلة الأمة الديمقراطية التي تقوم على إنشاء وحدات حماية الشعب، والتي يأتي تأسيسها كنتيجة لتجارب تاريخية في الشرق الأوسط نتج عنها التسلط والطبقية عندما سُلب حق الدفاع عن النفس.
ويلفت مدير المركز الإعلامي لوحدات حماية الشعب إلى أنه في أعقاب حراك 2011 وانهيار ما يسمى بالجيش العربي التابع لنظام الأسد، انهارت معه فكرة الدفاع عن مناطق شمال وشرق سوريا، وهنا أتت أفكار أوجلان ووجدت مكانها، إذ كان يصر على ضرورة وجود قوى جوهرية تستطيع الدفاع عن نفسها دون الاعتماد على قوى خارجية، لأن الاعتماد على الخارج كانت نتائجه كارثية ولا تزال سوريا تعاني منها.
ويدلل هنا إلى أنه عندنا تركت المنطقة تحت مخالب القوى الراديكالية مثل النصرة وداعش والقاعدة وغيرها ظهرت لنا أهمية ونتائج الفكر الأوجلاني، وأهمية بناء قوة ذاتية تستطيع الاعتماد على ذاتها بقدراتها الذاتية والمحلية وبتكاتف كل أبنائها، فظهرت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، ورغم الإمكانيات البسيطة والظروف القاسية خرجت بنتائج إيجابية حافظت على استقرار هذه المنطقة، بل وكانت السنبلة الوحيدة التي تستطيع تغذية الشعب السوري.
ويؤكد سيامند علي أن قوات سوريا الديمقراطية تحمي جميع المكونات، وليس الكرد فقط، بل تحمي كل من يؤمن بفكرة إخوة الشعوب والأمة الديمقراطية، مشدداً على أنها من مكنت شعوب شمال وشرق سوريا من محاربة أعتى التنظيمات الإرهابية مثل "داعش"، معتبراً أنها تجربة حصرية وفريدة تأكدت أهميتها مما فعله هذا التنظيم بالشعب الكردي الإيزيدي البسيط في شنكال، الذي لو كان لديه قوة تدافع عنه لما ألم به ما جرى له.
وفي نهاية حديثه، نوه مدير المركز الإعلامي لوحدات حماية الشعب إلى مشاركة المرأة الكردية والعربية في تلك القوات، ما كان عاملاً كبيراً لتقوية قوات الدفاع الجوهرية، واليوم فإن وحدات حماية المرأة قوة أساسية تستطيع الحفاظ على وحدة هذا البلد، وهما معاً السد المنيع أمام هجمات تركيا، مشدداً على أن أي شعب يبني قوته الذاتية سيحصل على نتائج إيجابية، وهو أمر بالتأكيد يخيف القوى الديكتاتورية والسلطوية، مؤكداً أننا "أمام تجربة شعب وليس ديكتاتوريات ودول عميقة".
تشكيل جبهة ديمقراطية
وأخيراً كان المحور التاسع للندوة تحت عنوان: "تشكيل جبهة ديمقراطية لمواجهة التحديات وبناء الحل"، والذي تحدث عنه السيد/ حمدان العبد نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لإقليم شمال وشرق سوريا، والذي قال إنه بالعودة للتاريخ نرى أن القضيتين الكردية والفلسطينة تلعب عليهما الدول الرأسمالية من أجل حكم الشرق الأوسط، لأن من يحكمه يحكم العالم؛ نتيجة غناه الثقافي والاجتماعي ووجوده على ممرات مائية وثروات باطنية.
ولفت العبد إلى أن هناك العديد من المشاريع التي تتسارع على الشرق الأوسط، الفارسي والتركي والإسرائيلي، وإن كان الأقوى حالياً المشروع الإسرئيلي، وهو ما يجعل هناك حاجة إلى قوة الشعوب عبر أفكار الأمة الديمقراطية، إلى جانب مقترحات أخرى أهمها الوعي المجتمعي من خلال التعريف بالأمتين العربية والكردية، والتأكيد على قوة الروابط بينهما، ومحاربة جميع الأفكار السلبية التي تعارض العيش المشترك بين مكونات المنطقة، ونبذ كافة أشكال التطرف أياً كانت.
ودعا إلى وضع استراتيجية عربية لتوحيد الرؤى ضد أي مشروعات توسعية على حساب شعوب المنطقة، ووضع استراتيجية كردية أيضاً لتكون داعمة للاستراتيجية العربية وتتبادلان معاً الدعم، هذا إلى جانب تمكين دور المجتمع المدني، وتمكين دور الشباب، وتمكين دور المرأة على كافة الأصعدة، وإنشاء هيئة تتابع نشر الوعي الفكري والثقافي والتاريخي، وإبراز الدور الحضاري للأمتين العربية والكردية.
وأكد العبد أهمية استمرارية وتشجيع فكرة الحوار بهذا الخصوص، وإنشاء نظام حكم ديمقراطي علماني لا مركزي يقوم على مبدأ الدين لله والوطن للجميع، مشيراً في هذا السياق إلى أن أوجلان أراد أن يأخذ هذه الشعوب من خلال أفكاره إلى بر الأمان؛ بعد أن تحولت الدولة القومية إلى جاذب لكل الويلات، والآن يعطى الدور للمجموعات الراديكالية لتقوم بدور الرأسمالية، مؤكداً التعويل على ما قد يعلن عنه أوجلان في خطابه التاريخي المنتظر خلال هذه الأيام.
حضور واسع
اختتمت الندوة بمشاركات لعدد من المشاركين، الذين أكدوا أن المؤامرة على أوجلان كانت ضربة كبيرة للمجتمع الكردي، كما أن خطابه المنتظر قد يقدم رؤية متطورة للإسهام في حل قضايا المنطقة والقضية الكردية، وسط إشادات بنهجه الذي قدم نقداً مهماً لمفهوم الدولة القومية وللحداثة الرأسمالية.
وكان من بين المشاركين في الندوة الكاتب والباحث الطوارقي الأمازيغي أكلي شكا، والدكتور حسني أحمد الباحث والكاتب المصري المتخصص في علم الاجتماع، والدكتور علي ثابت صبري الأكاديمي المصري المتخصص في علم التاريخ، والخبير السياسي المصري الدكتور مختار غباشي، والكاتب الصحفي المصري محمد عامر، الذين أكدوا في مشاركاتهم على أهمية الإسهامات الفكرية والفلسفية التي يطرحها المفكر عبدالله أوجلان.