كركي لكي - حلمٌ راودهم على مدار عشرات السنين وباتوا متعطشين إلى اللحظة التي يتعلمون فيها لغتهم الأم دون قيدٍ أو شرط شأنهم شأن جميع سكان هذه المعمورة.
حلمٌ ضحى في سبيل تحقيقه الآلاف من أبناء هذا الشعب بدمائهم الذكية، فالبعض منهم بقي الحلم لديه حلم ، لكن مؤشرات تحقيق هذا الحلم بدأت تلوح في الأفق وهو ما يحدث الآن ويومياً في المدارس الرسمية .
فالمئات من الطلبة الكرد وبأعمار مختلفة سارعوا إلى تحقيق حلمهم وباشروا بتلقي التعليم باللغة الأم، من خلال العديد من المدارس المحلية والرسمية في مختلف مدن ومناطق غرب كردستان تلبية لنداء مؤسسة اللغة الكردية SZK والتي ناشدت كافة أبناء وبنات غرب كردستان للالتحاق بصفوف تعلم اللغة الكردية .
فمنذ انطلاقة الثورة في سوريا وغرب كردستان سارعت مؤسسة اللغة الكردية في غرب كردستان إلى تنفيذ الواجب التاريخي الملقاة على عاتقها بنشر ثقافة تعلم اللغة الكردية وحضت عليها في كافة وسائل الإعلام المتوفرة المرئية والمسموعة والمقروءة واعتبرتها الخطوة الأولى في نيل الحقوق المشروعة لكل إنسان.
كما اعتبرتها الحجر الأساس في نيل حرية المجتمع والأمة كافة وقد كانت الخطوة الأولى في توفير الأرضية الملائمة لذلك هي فتح مدارس محلية وفق إمكانات محدودة في مختلف المدن والقرى والبلدات الكردية في غرب كردستان ومن ثم البدء بتعليم اللغة الكردية للمبتدئين وفق كافة الأعمار وقد كانت هذه الخطوة بمثابة الخطوة التاريخية، وما يؤكد صحة ذلك تهافت الناس والإقبال الكثير على تلك المدارس .
والآن ومع بدء موسم العام الدراسي الجديد وفي ظل استمرار الثورة السورية المتعطشة للحرية أعلنت مؤسسة اللغة الكردية عن المسير قدماً نحو تحقيق أهدافها بإعلانها خطة عمل جديدة تتضمن مجموعة من البرامج والتحضيرات هدفها وضع اللغة الكردية رسميا ضمن مناهج العام الدراسي الجديد وتعليمها رسمياً وهو ما يتطلب مجموعة من التحضيرات الرئيسية من إعداد مدرسين وكوادر مؤهلين للقيام بهذه المهمة.
ومن أجل تسليط الضوء أكثر على هذه التحضيرات قامت وكالة فرات للأنباء بجولة ميدانية ضمن أحد مدارس بلدة كركي لكي كنموذج عن التحضيرات التي تنفذها مؤسسة اللغة الكردية في مختلف المدارس الآن.
فقد شملت تحضيرات المؤسسة حتى الآن حسب ما أفاد عضو مؤسسة اللغة الكردية الأستاذ عز الدين عبد الله على "تدريب وتأهيل مجموعة من المدرسين وهم الآن على أتم الاستعداد للقيام بواجبهم بالإضافة إلى تحضير مجموعات أخرى الآن وهم من اللذين التحقوا مجددا ببرنامج التدريب ضمن إطار الدعوة التي أطلقتها مؤسسة اللغة الكردية والتي دعت فيها جميع اللجان والشخصيات التي تعنى باللغة الكردية إلى المساهمة في تطبيق هذه الخطوات بالسرعة الممكنة".
وبصدد تحضيرات المناهج الكردية صرح عز الدين قائلا : "تم تحضير ثلاثة مناهج من كتاب (هينكر ) وهو خاص للمبتدئين وقد تم تأهيل جميع المدرسين على هذه المناهج بشكل كامل بالإضافة إلى أنه تتم الآن تحضير مناهج كاملة للصفوف الأخرى من خلال طباعة الكتب الخاصة بها عبر مطابع خاصة بالمؤسسة وسيتم نشر هذه المناهج ريثما يتم الانتهاء من تعليم مناهج ( هينكر ) الخاصة بالمبتدئين" .
وحول الصعوبات التي تعانيها المؤسسة في ظل هذه التحضيرات أفاد عز الدين: "إن أي عمل في البداية سيكون صعبا جداً وخصوصا أن الدولة السورية وعبر مدار خمسين سنة لم تسمح بتداول اللغة الكردية في أي من المراكز الرسمية بل وسعت دائما إلى تطبيق سياسات التعريب على الشعب الكردي وهو ما خلق نوع من التعريب الذاتي لدى أبناء شعبنا الكردي ولكن بجهود ومساعي مؤسسة اللغة الكردية وجميع لجان حماية اللغة وعبر وسائل مختلفة سنعمل على إزالة هذه الصعوبات ".
وحول تقبل القوميات والأقليات الأخرى المتعايشة مع الشعب الكردي في المنطقة وردود أفعالهم على مثل هذه الخطوة أضاف عز الدين :"إننا كشعب كردي نحترم جميع الثقافات واللغات المتعايشة معنا الآن وعبر مئات السنين وإننا على يقين بأن الأطراف الأخرى أيضا ستتعامل معنا بالمثل والتاريخ شاهد على ذلك".
أما الأستاذ عبد الحكيم ملا عمر والذي يشرف على تدريب وتأهيل المدرسين قال بخصوص ذلك : "نحن كشعب كردي عانينا الأمرين على مر التاريخ وقد جاءت الفرصة لكي نتكلم بلغتنا والأستاذة أيضاً يتقبلون ذلك بشكل سريع وهو أمر طبيعي باعتبار أنها لغتهم الأم" .
وحول تلقي المناهج الجديدة باللغة الكردية صرحت الآنسة منال محمد أمين وهي من ضمن أحد مجموعات المدرسين اللذين يتلقون التدريب : "لقد قمت بتدريس المئات من الطلاب على مدار السنين بلغات ومناهج مختلفة وفور سماعي لنداء مؤسسة اللغة الكردية التحقت بهذه المدرسة بغية تعلم لغتنا الأم ولأعلمها بدوري إلى الأجيال القادمة مترافقة مع اللغات الأخرى ولهو شرف كبير لي".
وبهذا وأمام كل هذه التحضيرات والاستعدادات لمؤسسة اللغة الكرديةSZK في غرب كردستان ونتيجة ميراث ونضال مئات السنين نرى بأن الحلم الذي كان شبه مستحيل أصبح يتحقق شيئاً فشيئاً بعد أن حرم منه الشعب الكردي على مدار عشرات السنين، وبات لحظة التعلم باللغة الكردية وإدخال المناهج الدراسية باللغة الكردية قريبة جداُ.