غزو الحداثة الالكترونية أجبر القراء على العزوف عن القراءة ومثقفون يحذرون من اندثار المعلومة "الأم"

حمّل صاحب أقدم مكتبة في مدينة الرقة وشاعر ومختص في مجال التاريخ والأثار، الحداثة الإلكترونية، المسؤولية في عزوف القراء عن قراءة الكتاب، وأكدوا أن الإرهاب همش الجانب الثقافي في المدينة.

تعتبر القراءة عنصراً هاماً في علوم التربية، وتؤكد العديد من العلوم على أهمية غرس حب القراءة فـي نفس الشخص، وتربيته على حبها حتى تصبح عادة له يمارسها ويستمتع بها.

والعزوف عن القراءة ظاهرة شائعة في المجتمعات العربية، حيث تلجئ معظم الفئات العمرية إلى استخدام منصات التواصل الافتراضية  بدلاً من الرجوع إلى الكتاب، مما أدى إلى تفشي الجهل وخاصة عند الجيل الحالي.

وبحسب تقرير التنمية البشرية لعام 2003م، فأن الأوربي يطالع سنوياً ما معدله 8 كتب في العام "أي ما يوازي 12000 دقيقة"، بينما لا يطالع الوطن العربي خلال نفس الفترة إلى 22 سطراً أو صفحة "أي ما يوازي 6 دقيقة".

وعرّف العزوف عن القراءة على أنها حالة نفسية وشخصية في نفس الوقت، ويعني بها انعدام الرغبة في القراءة، أو عدم الميول للقراءة، واختيار ميول وطريقة أخرى لتجنب القراءة، كالاعتماد على المصادر الإلكترونية، من بينها الإنترنت كوسيلة للبحث.

ولمعرفة أسباب العزوف عن القراءة، ومعرفة أهم العوائق، والأفكار، التي تبعدهم عن مجال القراءة، التقت وكالة فرات للأنباء (ANF)، مع صاحب أقدم مكتبة في مدينة الرقة والتي يعود تاريخها إلى العام 1957، إلى جانب مختص في مجال الآثار والمتاحف، وشاعر شعبي من مدينة الرقة، والذين أكدوا أن سبب العزوف عن القراءة جاء بعد غزو الحداثة الإلكترونية.

 

وقال. صاحب مكتبة البورسعيدي، أحمد الخابور، "تم افتتاح مكتبة البور سعيد عام 1957 في مدينة الرقة، وسميت بور سعيد نسبة للعدوان الثلاثي على المصر، وكلمة البور سعيد تعني الشارع العربي".

وتابع متأسفاً "في الوقت الحالي أصبحت مكتب، وليست مكتبة، نظراً لعزوف القراء، نتيجة غزو الحداثة الإلكترونية، حيث تفضّل النسبة الأكبر أخذ المعلومة عبر منصات التواصل الالكترونية بدلاً من الكُتب، وتحولت المكتبة إلى عنوان لصفتي الشخصية، بعدما كانت مكتظة بالقراء والأدباء والشعراء".

وبألم وحسرة يسترجع ،أحمد الخابور، أحداث مظلمة حول زمن "داعش"، قائلاً "أقدم أحد عناصر "داعش" بحرق كافة الكُتب، تاركين بعض الكُتب الإسلامية".

وتابع ،الخابور، وهو يُعيد بذاكرته، "محتوى المكتبة كفر"، "هذا المكان لا يدخله الرحمن"،  بهذه الكلمات عبر عنصر من "داعش" مهاجر من مصر عن تكفيره للكتب المتواجدة في مكتبتي المتواضعة، حيث قام بحرق جميع الكُتب حتى أصبحت رماداً".

واختتم، أحمد الخابور، "وكان يزور المكتبة رواد وكُتاب وشُعراء، كانت ملجئهم الوحيد لتعبئة مخزونهم الفكري والثقافي، ومن أبرز الزوار الدكتور عبد السلام العجيلي".

وبدوره تحدث، الشاعر الشعبي، اسماعيل الكدي، من أهالي مدينة الرقة، عن سبب عزوف القراء، وأسبابها، حيث اشار "ترجع مشكلة عزوف القراء إلى عدة أسباب، غلاء سعر الكتاب، والثورة العنكبوتية والتي قطعت الشريان بين القارئ والكِتاب، فضلاً عن استخدام الكُتب الإلكترونية بدلاً من الكُتب الملموسة، حيث يفقد القارئ العلاقة الحميمية بينه وبين كتابه، ناهيك عن فقدان تفاصيل الاستمتاع بالقراءة من تقليب الصفحة، وتأشير فكرة قد تعجبه، وثني الصفحة لمتابعة القراءة لاحقاً".

وعبر اسماعيل الكدي عن أسفة حيال رفع الأحذية على الرفوف ورمي الكُتب على الطرق لبيعها بأسعار زهيدة، مضيفاً "عندما يصبح الحذاء أغلى من الكتاب فاذاً حلّت المصيبة".

"ولا تُعتبر منصات التواصل الافتراضي مرجع مؤكد للمعلومة، حيث البحث عبر كُتب الأم هي المعلومة الأكثر مؤكدة يمكن الرجوع إليها".

وتحدث، الكدي، عن الأيام السوداء قاصداً زمن "داعش"، "وفي الحقبة السوداء كان القراء يدفون الكُتب خشية الاعتقال، ومنهم من حرق الكُتب، أرادوا التخلص من الكتاب بأي طريقة كانت، حيث كان "داعش" لا يريد أحد أن يقرأ، والعديد من المكاتب والكُتب اندثر إثر الحروب  والصراعات التي مرت بها البلاد". 

ويتحدث الشاعر اسماعيل الكدي عن، الغصة التي مازالت في قلبه، وذلك عندما يرى أختام المركز الثقافي القديم الذي دُمر خلال الحرب، موضوعة على الكُتب المصفوفة على  رفوف المكتبة الوطنية المحدثة، وذلك بعد إخراج بعض الكُتب من تحت الإنقاض". 

وبدوره قال، المختص في مجال المتاحف والآثار، محمد عزو، "تأسست أول مكتبة في مدينة الرقة في نهاية خمسينات القرن الماضي، باسم مكتبة "حقي أخوان"، دامت عدة شهور، وأغلقت لأسباب مجهولة، وبعد الاعتداء على بور سعيد في مصر، تكونت بعض المنشآت المعمارية، منها متحف الرقة، حيث كانت دار للحكومة ومقر لشرطة، وأنشئت بعض المقاهي على أطراف المتحف لاستقبال التجمعات، ومكتبة البور سعيد، بدأ نظام عمل المكتبة على النمط السياسي، وأسست المكتبة من ذوي الحراك الفكري المتمسكين بالفكر السياسي اليساري". 

وتابع، محمد عزو، "وسميت المكتبة في تلك الحقبة بالمركز الثقافي، وذلك لتجمع كافة الشخصيات الاعتبارية والمثقفين فيها، كانت معّلم من معالم الثقافة في مدينة الرقة ، ومن روادها الدكتور احمد السلام عجيلي".

وحول عزوف القراء عن قراءة الكُتب، قال ،محمد عزو، "الوطن العربي بشكل عام يواجه مشكلة عزوف عن القراءة وخاصة سوريا، ويمكن أن نحصي عدد الصفحات التي يقرأها المواطن العربي لا تتجاوز الصفحتين سنوياً".

واختتم ،محمد عزو، "وضع القارئ والقراءة في مدينة الرقة مرعب ومخيف، بسبب استخدام الانترنت بدلاً من الكتاب، حيث أصبح الكتاب مهجوراً، وهذا يؤدي إلى ضمور في العقل، لأن العقل أًصبح يستقبل الأشياء المختصرة".