أرادوا استكمال الإبادة الثقافية بممارسات الانصهار غير المحدودة

تعرضت الثقافة الكردية، بكل عناصرها المادية والروحية، للإنكار والحظر مئة بالمائة، وتمت محاولة استكمال الإبادة الثقافية بممارسات الانصهار غير المحدودة. مقتبسة من تقييمات القائد عبد الله أوجلان.

 

كان للثقافة الكردية دور رائد في تعزيز ثقافة النهر الرئيسية والتأثير فيها عبر التاريخ، ولكن، نظراً لأن منطقة حياتها كانت دائماً في ساحة معركة التاريخ، فقد تراجعت إلى قمم الجبال لحماية وجودها والدفاع عنها، واستطاعت أن تكون أقدم الشعوب وأن تتمتع بهذا اللقب بفضل الجبال، والجانب السلبي لهذا هو أنها لم تعطِ مكانة كبيرة لثقافة المدينة، وبقيت دائماً في موقف معارض مع المدينة وكانت ترى المدينة على أنها بمثابة وحش سيبتلعها ويلتهمها، ولذلك، تمكنت ثقافة القبيلة والعشيرة التقليدية من الحفاظ على وجودها حتى يومنا هذا، فشكل القبيلة والعشيرة هما الشكل والقالب الأساسيان للثقافة الكردية، وكما يقدم علم الاجتماع، فإن ثقافة العشيرة ليست ثقافة تقوم على الأبوية والقرابة، بل هي ثقافة حياة حرة وأسلوب للوجود، وهي تعبر عن نفسها بالمقاومة ضد الحضارة، وأعتقد أن وصفها بهذه الطريقة سيكون هو الأدق والأصح، وتعد ثقافة العشيرة لدى الكرد قوية جداً، لأنه طوال تاريخ الحضارة، كانت لديهم الإرادة للقتال للتمسك بوجودهم وحياتهم الحرة من خلال المقاومة، حيث لا تعتبر علاقة الأبوة أو القرابة عاملاً حاسماً في هذا الأمر، وفي هذا السياق، فإن التقليد الزرادشتي مختلف أكثر عن التقليد الديني السامي؛ فهو لا يجعل الناس عبيداً، بل يجذبهم نحو الحياة الحرة، وهناك فرق جذري ومتأصل بينهما في هذا الصدد، وتلقى التقليد الزرادشتي الضربة خلال فترة الهيمنة الإسلامية وجلبت معها العبودية، حيث قامت سلطة الإسلام بمعاداة التقليد الزرادشتي بشدة، وفي ظل هذا العداء توجد ظاهرة الاستعباد والطبقية الصارمة، وكلما انضم الكرد إلى السلطة الإسلامية، كلما أصبحوا عبيداً أكثر، أصبحوا عبيداً وهذه خصوصية مهمة جداً، ومُنيت إرادة الحياة الحرة في الثقافة الكردية بضربة غادرة مع تبوء الإسلام للسلطة الحاكمة، وفي مواجهة ذلك، فإن المقاومات المبينة على العلوية والإيزيدية ترتبط بالتقليد الزرادشتي القديم، وتقوم بدور أساسي في هذا الأمر وهو إرادة عدم التخلي عن الحياة الحرة والثقافة التي تمنحها الإمكانية بذلك، ولقد فرت الطرق الصوفية والمذاهب من إسلام السلطة وابتعدت عنه، فبقدر ما لم تُصاب بالعدوى من مرض السلطة، ساعدت بشكل أكبر على توفير حياة حرة وأخلاقية، وكانت هذه نوعاً من تنظيمات الدفاع عن النفس في العصور الوسطى،  وحافظت الثقافة الكردية على وجودها بشكل رئيسي خلال العصور الوسطى، بهاتين الطريقتين، كما أنها لم تمنح في حياتها مكانة لعبودية تتسلل إلى أحشاءها واستمرت بالمضي قدماً برغبتها في الحرية بإخلاص.   

 

يتبع...