كان للثقافة الكردية دور رائد في تعزيز ثقافة النهر الرئيسية والتأثير فيها عبر التاريخ، ولكن، نظراً لأن منطقة حياتها كانت دائماً في ساحة معركة التاريخ، فقد تراجعت إلى قمم الجبال لحماية وجودها والدفاع عنها، واستطاعت أن تكون أقدم الشعوب وأن تتمتع بهذا اللقب بفضل الجبال، والجانب السلبي لهذا هو أنها لم تعطِ مكانة كبيرة لثقافة المدينة، وبقيت دائماً في موقف معارض مع المدينة وكانت ترى المدينة على أنها بمثابة وحش سيبتلعها ويلتهمها، ولذلك، تمكنت ثقافة القبيلة والعشيرة التقليدية من الحفاظ على وجودها حتى يومنا هذا، فشكل القبيلة والعشيرة هما الشكل والقالب الأساسيان للثقافة الكردية، وكما يقدم علم الاجتماع، فإن ثقافة العشيرة ليست ثقافة تقوم على الأبوية والقرابة، بل هي ثقافة حياة حرة وأسلوب للوجود، وهي تعبر عن نفسها بالمقاومة ضد الحضارة، وأعتقد أن وصفها بهذه الطريقة سيكون هو الأدق والأصح، وتعد ثقافة العشيرة لدى الكرد قوية جداً، لأنه طوال تاريخ الحضارة، كانت لديهم الإرادة للقتال للتمسك بوجودهم وحياتهم الحرة من خلال المقاومة، حيث لا تعتبر علاقة الأبوة أو القرابة عاملاً حاسماً في هذا الأمر، وفي هذا السياق، فإن التقليد الزرادشتي مختلف أكثر عن التقليد الديني السامي؛ فهو لا يجعل الناس عبيداً، بل يجذبهم نحو الحياة الحرة، وهناك فرق جذري ومتأصل بينهما في هذا الصدد، وتلقى التقليد الزرادشتي الضربة خلال فترة الهيمنة الإسلامية وجلبت معها العبودية، حيث قامت سلطة الإسلام بمعاداة التقليد الزرادشتي بشدة، وفي ظل هذا العداء توجد ظاهرة الاستعباد والطبقية الصارمة، وكلما انضم الكرد إلى السلطة الإسلامية، كلما أصبحوا عبيداً أكثر، أصبحوا عبيداً وهذه خصوصية مهمة جداً، ومُنيت إرادة الحياة الحرة في الثقافة الكردية بضربة غادرة مع تبوء الإسلام للسلطة الحاكمة، وفي مواجهة ذلك، فإن المقاومات المبينة على العلوية والإيزيدية ترتبط بالتقليد الزرادشتي القديم، وتقوم بدور أساسي في هذا الأمر وهو إرادة عدم التخلي عن الحياة الحرة والثقافة التي تمنحها الإمكانية بذلك، ولقد فرت الطرق الصوفية والمذاهب من إسلام السلطة وابتعدت عنه، فبقدر ما لم تُصاب بالعدوى من مرض السلطة، ساعدت بشكل أكبر على توفير حياة حرة وأخلاقية، وكانت هذه نوعاً من تنظيمات الدفاع عن النفس في العصور الوسطى، وحافظت الثقافة الكردية على وجودها بشكل رئيسي خلال العصور الوسطى، بهاتين الطريقتين، كما أنها لم تمنح في حياتها مكانة لعبودية تتسلل إلى أحشاءها واستمرت بالمضي قدماً برغبتها في الحرية بإخلاص.
مارسوا سياسة الإبادة والصهرعلى الثقافة الكردية
كما الحال في مجال الثقافة المادية فقد ارتكبت الحداثة الرأسمالية جرائم الإبادة والصهر بصدد الثقافة المعنوية، وقد فعلت ذلك من خلال آليات القمع في الدولة القومية.
لقد استفادت الدول القومية العربية والتركية والإيرانية، والتي هي بمثابة مؤسسات ووكالات عميلة للحداثة الرأسمالية، من البُنى السلطة التقليدية لديها وقامت بتضييق الخناق على الثقافة الكردية بشكل كامل، وحرمتهم من جميع فرص وإمكانيات التعليم بلغتهم الأم، لقد شتت النظام التعليمي للمدارس التقليدية وقام بحظرها، وطبقوا سياسة الانكار والإمحاء اتجاه الثقافة واللغة الكردية في المؤسسات الثقافية وتركوهما يذوبان ويعانيان الزوال داخل هذه المؤسسات التابعة لهذ الدول القومية.
لقد باءت محاولات القوموية الكردية السقيمة الهادفة إلى الحفاظ على الثقافة الكردية بالفشل (الجهود اتجاه اللغة والآدب). فأثرت سلباً مقابل منافسيهم ،لذلك عندما لا تكون ثقافة المقاومة متينة وقوية فأن النتيجة ستكون الزوال والانحلال والصهر مع الزمن مثلما يصادف ذلك في كل ظاهرة مثيلة .
بالإضافة إلى ذلك، بشكل عام، لا تملك الأشكال القومية للبرجوازية في الرأسمالية القدرة على تطوير ثقافات الشعوب وإحيائها، بل على العكس من ذلك، فإنها تقوم بوظيفة تحريفها وإفراغ محتواها.
في الحداثة، الثقافة المكتوبة هي في أعلى مستوى، و بسبب سياسات الحظر و الانحلال، نادرا ما أنتجت الثقافة الكردية أعمالا قليلة جدا باستثناء عدد قليل من الأعمال او الأنشطة الضعيفة و لم يُعبرعن الحياة الحرة بطريقة صحيحة في هذه الانشطة، بل برزت في هذه الأعمال أرستقراطية العشيرة ونظامها الأقطاعي" نظام الامارة "وسلطاتها الدينية.
وللحداثة الرأسمالية دورُ سلبي في تطوير الثقافة الوطنية في الواقع الكردي بل ولم تقترب حتى من الحقيقة والواقعية حتى على صعيد إنشاء الثقافة الوطنية البرجوازية. إن الثقافة السائدة هي الثقافة الدولة القومية الحاكمة المبنية على الإمحاء والصهر والإبادة الجماعية، والشعارات الفاشية مثل "وطن واحدة" و"أمة واحدة" و"لغة واحدة" و"دولة واحدة" و"علم واحد" التي تتكرر كل يوم، تعبر عن هذه الحقيقة.
إن عناصر الحداثة الرأسمالية التي هي نظام يتعدى نطاق القمع والصهر التي كانت سائدة في العصور الأولى والوسطى، تنساق وراء إقامة القيامة لحظة قبل أخرى بصفتها فرسان المحشر الثلاث، إن ثقافة الدولة القومية والصناعوية والربح الأعظم لا تتوانى عن تطبيق كافة الأساليب الانكار والامحاء في سبيل استهلاك الثقافة الكردية التقليدية التي لا تزال بعيدة عن الحداثة قبل تحويلها إلى أمة.
إن رواية نشوء البرجوازية التركية البيضاء التي ابتكرتها الرأسمالية البيروقراطية التركية هي قصة تآمرية تمامًا، فقد أسر المجتمع منذ البداية بطريقة جعلت المجتمع رهينٌ داخليًا وخارجيًا في هذه الثقافة جاعلا من الثقافة الإمبراطورية التقليدية تصعد في السماء وقناعا يتموه به .
ولذلك فالنخبة الطبقية التي تقوم على أسر الثقافة الاجتماعية والتي تعتبرها أصيلة جيدة التكوين بالنسبة له أي (الأثنية التركية والإسلام السني)، ومن الواضح أن هذه النخبة ستصعد إلى دور تدمير أكبر حيال الواقع الثقافي الكردي.
القرن العشرين مليء بأكمله بمثل هذه الأمثلة المثيرة للاهتمام ،فثقافة نزعة الاتحاد والترقي التي تطلعت إلى تحقيق انطلاقاتها على خلفية علمانية، جاءت أكثر أشكالها إلى السلطة مع حزب الشعب الجمهوري قد انصرفت على تصفية الثقافة الكردية بكل ما في وسعها بعدما انتهت على القضاء على الوجود الثقافي الأرمني والهيليني والسرياني ،ارتكبت الإبادة إلى أقصاها سواء خلال مرحلة التمردات المستفزة في الفترة 1925-1940،أو في جرائم الإبادة التي جاءت بعدها، والتي نفذت وسط صمت الموت الأبيض وعلى الرغم من أنهم قاموا في بعض الأحيان بتنفيذ عمليات إبادة جماعية جسدية، إلا أن الطريقة الرئيسية للقيام بذلك كانت نموذج الإبادة الثقافية.
ممارسات الصهر والانحلال لا حدود لها
في هذا الوقت، تعرضت الثقافة الكردية بكل مكوناتها المادية والمعنوية لإنكار وحظر تام بشكل كامل وبذلوا كافة الجهود لاتمام الإبادة الثقافية بسياسات الصهر اللامحدودة. لم يعطوا للكرد الفرصة حتى لفتح مدرسة "روضة أطفال" لكي يحافظوا على وجودهم الثقافي.
هذه الممارسة لا ندَّ لها في كافة بقاع العالم ولم يشر إلى جملة الهوية الثقافية في أية مادة قانونية، الثقافة الكردية بكل عناصرها من "الأدب والتاريخ والموسيقى والرسم "وغيرها اعتبرت خارجة عن القانون وهذأ أيضاً لا مثيل له على وجه الأرض .
أما بالنسبة للكرد،فقد دُمر وأفني كل ما ينبغي تدميره وإفنائه من العناصر المعنية فإن أما العناصر التي ينبغي استخدامها فقد تم دمجها وتذويبها مع ثقافة الدولة القومية البرجوازية التي اعتبرت ثقافة تركية بعد صهرها . ومن خلال حظر اللغة الأم فقد تم حظرت جميع الأسماء التاريخية للقرى والمدن والمناطق والشعوب الأصلية وتم استبدالها بالأسماء التركية "تركيا البيضاء"، وبهذه الطريقة راهنوا بأنه سيتم تصفيتهم بسهولة. لقد تم إدراج جميع أشكال التعبير عن الثقافة الكردية من أدب وموسيقى ورسم وتاريخ والعلوم، في إطار المحظورات بل وتعدى الامر ذلك ليتم الإعلان عن الناشطين في تلك المجالات بإنهم خارجون عن القانون، فَشَّل تأثيرهم وحكم عليهم بمعاناة البطالة والفقر والحرمان. ونفذ ذلك كشرط لا بديل له من أجل الحياة وبقاء الكرد، وخاصة بعد فترة التمردات أصبح الاقتصاد والقانون والسياسة أكثر أسلحة التصفية فعالية وفتكاً. وبعد ما تبقى من حصيلة هذه الممارسات،هي جثة ثقافية كردية تخلت عن نفسها.
وبمجرد الاقتراب منها سيسفر عن الابتلاء بها شرَّ بلية لإنها جثة تستهلك كلما تم تمثيلها، وبلا شك فهي جثة أشبه بتفسخ وتحلل العناصر المتبقية مما نهشته غربان الجيف ،لقد شهدت ولا تزال تشهد الظاهرة الثقافية الكردية سياقاً فظيعاً من التفسخ والانحلال .
تقاليد السلطة الإسلامية البرجوازية تُظهر موقفاً رجعياً
عجزت التقاليد الإسلامية ذات الطابع البرجوازي عن تخلي مقاومة التركياتية البيضاء ،بل وسلكت مقاربة متخلفة عنها ،حيث لجأت إلى التقاليد الإسلامية إلى جانب اتباعها الأساليب العلمانية الحداثوية بشأن الوجود الثقافي الكردي .
وطبقت بذلك القوموية بعد إضفاء طابع اكثر تزمتاً عليها تحت اسم جمعية الإسلام التركي وطرحت رموز الإسلام التركي في جدول الاعمال عندما لم يفِ التتريك العلماني بالغرض في عملية التصفية بصورة خاصة . واستخدمت جميع الوسائل الدينية كوسائل إبادة ثقافية .
وبالأصل فقد وظفت "وزارة الشؤون الدينية "في خدمة العلمانيين منذ تأسيس الجمهورية ونخص بالذكر التركيز على استثمار الدين بطراز تآمري من خلال الاستفادة من ارتباط الكرد بالثقافة الدينية.
فاستثمرت مزايا المقاومة التقليدية للطرائق لأهداف معاكسة بعد إفراغها من جوهرها، بالإضافة إلى القوموية التركياتية البيضاء المتمثلة بحزب CHP وMHP وأمثالهما التي باتت بلا جدوى في مكافحة ثقافة الحياة المفعمة والحرية داخل حزب العمال الكردستاني PKK ،وكذلك انطلاقاً من سياسة الدولة القومية فأنه لم يتم التردد في استخدام الكيانات التي تمثل الاسلاموية التركية "الرأي الوطني ،"وأمثاله من التيارات والأحزاب وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية AKP بالرغم من مخالفتها من مبادئ الجمهورية التركية .
فعندما يكون الوجود الثقافي الكردي موضوع الحديث فأن العديد من التيارات والأحزاب الاسلاموية اعتبرت التحرك بطراز أقرب ما يكون إلى "الحروب الصليبية"على أنه من دواعي "الوحدة والسيادة القومية”.
ثقافة الحياة الحرة والمقاومة الكردية
وفي الآونة الأخيرة، وبعد أن تبين استحالة إبادة الوجود الثقافي الكردي ، فقد أرخى سياسات التطهير العرقي المهلكة التقليدية بضغط من الهيمنة العالمية، وأصبح الطريق أمام كيانات ذات ثقافة دولتية قومية كردية زائفة ،أن العامل المُعين المحدد في الحصول على ذلك هو وجود ثقافة الحياة الحرة والمقاومة الكردية.
وفيما يستهدف أساساً عبر الكردياتية المُنشأة بطراز زائف وتآمري هو ثقافة المجتمع الوطني الكردي الديمقراطي الثوري وكما يتم بذل الجهود للإظهار وكان هذا النوع من الكردياتية الليبرالية البرجوازية موجودة فعلاً فتدور المساعي على قدم وساق لإقامتها محل ثقافة الحياة الحرة والمقاومة الكردية.
واستخدمت الهيمنة الأيديولوجية للحداثة الرأسمالية هذا الأسلوب تجاه كافة الايدولوجيات الثورية والاشتراكية المشيدة وثقافات التحرر الوطني منذ ولادتها، فأحرزت نجاحا كبيرا في ذلك وقد نجحت الهيمنة الأيديولوجية الليبرالية في الثلاثمائة سنة الأخيرة، وخاصة في عصر الثورات، في أداء هذه الوظيفة بكل الوسائل الخفية والدقيقة، وكان لها ما يكفي من الخبرة في ذلك.
وحتى التجارب الاشتراكية والديمقراطية والقومية التي أحرزت النجاح لم تستطع أن تحرر نفسها من الهيمنة الأيديولوجية الليبرالية للحداثة الرأسمالية، ولم تستطع أن تنقذ نفسها من براثن الهيمنة الأيديولوجية الليبرالية للحداثة الرأسمالية، ولذلك انصهرت فيها.
وطبعاً هذا لا يعني أن ثقافة المقاومة والحياة الحرة قد زالتا كلياً؛ وهذا يؤكد ويبرهن تكراراً ومراراً تطوير وتطبيق يشبه القمع المهيمن في تاريخ الحضارة ولكنه مثالٌ أرقى منه بكثير .
على مر التاريخ، فُرضت الأيديولوجيات المهيمنة والثقافات الراسخة على ثقافة الحياة الحرة والمقاومة الكردية، وقامت ببسط أشد ممارساتها تدميراً وصهراً في عهد الحداثة الرأسمالية ويرتبط هذا الوضع بالجوهر الفاشي للحداثة الرأسمالية.
إن الريح الأعظم مرغم على الاستناد على نظام عبودي يجعل من الصناعوية ضرورة حتمية، والصناعوية بدورها أيضاً تجعل من الدولة القومية ضرورة حتمية، فإن عمليات الإبادة الثقافية التي تحدث على مستوى العالمي فترتكب بكثرة لكي يتمكن هذا النظام من أداء وظيفته وهذه هي إحدى الممارسات التي يتم اللجوء إليها دائمًا.
وتعد الإبادة الثقافية للأكراد أحد الأمثلة الرئيسية التي تُسدل الستار على هذا النوع من النظام، فالإبادة الجماعية، كما يُزعم، ليست ظاهرة تركية أو عربية أو يهودية، فكل منها ظاهرة اجتماعية أو ظاهرة وطنية. الإبادة ظاهرة مرتبطة بنمط الطراز الاستغلالي للحداثة الرأسمالية.
ولكن كما يبدو، فأن الإبادة الجماعية تظهر كظاهرة بين الأمم العصرية، وإذا لم يتم خلط هذه الثقافات فإن نزعة الربح الاعظم لدى الرأسمالية لن تعمل.
إن عملية الإبادة الجماعية للدولة القومية التركية على الوجود الثقافي للكرد، بنحو مشابه وبنفس الارتباط، تقوم بها الدول القومية الأخرى التي جزأت كردستان أي الدول العربية وإيران.
ووفقا لمنطق النظام فإن التقسيم والإبادة المشتركين ضرورة لازمة لتحقيق النجاح. في الآونة الأخيرة، أصبح تجارب الإتلاف المضاد للكرد بين الدول القومية إيران وسوريا وتركيا له أساس وخلفية تاريخية. ولكن طالما أن مصالح الهيمنة العالمية لا تتطابق مع مصالح الدول القومية المحلية وتتصادم معها بسبب نفط إسرائيل وأمنها، فإن هذه الممارسات لا يمكن تطبيقها بيسر كما كان في الماضي ويؤول هذا التناقض الى معاناة النظام من التصدعات بين الحين والاخر،ولذلك هناك فرصة أخرى امام حركة الحياة الحرة ومقاومة الثقافة الكردية لتلعب دورا تاريخيا مرة أخرى وتتاح أمام العصرانية الديمقراطية أيضاً فرصة ثمينة كي تطرح نفسها كخيار بديل ومستدام تجاه الحداثة الرأسمالية التي تعدُ أخر قوة مركزية للحضارة او المدنية.
ولذلك من الأسباب الخاصة بالثقافة الكردية العصرانية فانها لن تتمكن من الارتقاء بنفسها إلى مستوى النجاح إلا ضمن إطار مقومات العصرانية الديمقراطية وأن غايتنا من النجاح هو وجود ثقافة الحياة الحرة على شكل يستحيل فناءه والاشكال الأساسية لهذه الحياة هي؛ الأمة الديمقراطية والصناعة الإيكولوجية والاقتصاد التشاركي الذي يخصص حيزاً للسوق الاجتماعية أيضاً.
وكيفما كانت كردستان والواقع الكردي المعاصر مهداً لولادة نظام المدينة تاريخياً فهما يمتلكان الثقافة الديمقراطية بأهمية تاريخية كبرى لأداء دورها تأسيساً على ذلك ليس بوصفها ثقافة الحياة العصرية للكرد وحسب ولكن باعتبارها فرصة مائلة أمام المنطقة بل والإنسانية العالمية فإننا نتحدث عن بقاء ثقافة الحياة الحرة ووجودها غير القابل للتدمير. والشكل الأساسي لهذه الحياة هو الاقتصاد الجماعي الذي يفسح المجال للسوق الاجتماعية والصناعة البيئية والأمة الديمقراطية. إن كردستان والواقع الكردي المعاصر ارتقوا تاريخياً إلى دور المهد في نشوء النظام الحضاري، وأمامهم الفرصة للصعود من جديد إلى دور المهد للحداثة الديمقراطية لتأكيد نفسها كنظام. إن الثقافة الديمقراطية ليست فقط ثقافة الحياة الكردية الحديثة، بل هي أيضًا فرصة للمنطقة وللإنسانية العالمية للارتقاء إلى دورها على هذا الأساس، وهذا له أهمية تاريخية.