صراع يتعاظم من أوروبا إلى الشرق الأوسط.. هل بدأ العد التنازلي للحرب العالمية الثالثة؟

تصاعد الحديث على مدار الفترة الأخيرة بشأن احتمالات انزلاق العالم إلى حرب عالمية ثالثة، ويغذي ذلك التحشيد والحشد المضاد، وتمدد جبهات الصراع بين أوروبا والشرق الأوسط.

فإذا جرى النظر إلى خريطة صراعات العالم بشكل كلي، سنجد أن الأطراف تبدو تخندقت خلف تحالفات ومعسكرات تذكر بتلك التي سبقت الحربين السابقتين. كما تعددت الجبهات التي منها يمكن أن تندلع شرارة الحرب الثالثة، حتى أن ما يجري في سوريا صنفته بعض التحليلات على أنه جبهة جديدة يطلقها الغرب ضد المعسكر الروسي.

مؤشرات خطيرة

وما يغذي الاعتقاد بالذهاب نحو سيناريو الحرب العالمية الثالثة الكارثي، ما تحدثت عنه تقارير أوروبية عن مناقشة فرنسا وبريطانيا إرسال قوات إلى الأراضي الأوكرانية. وقبل ذلك كان استخدام روسيا صاروخ أوريشنيك القادر على حمل رؤوس نووية ضد كييف، فضلاً عن استعانتها بجنود من حليفتها بيونج يانج.

وقبل ذلك سمح الرئيس الأمريكي جو بايدن لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، ما جرى بالفعل وقصفت كييف الأراضي الروسية بصاروخ أتاكمز البريطاني. وأعقب تلك الخطوة إدخال موسكو تعديلات على العقيدة النووية بالفعل، ليتأكد أن تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسلاح النووي لم يعد مجرد تهديدات عابرة.

يضاف إلى ما سبق، ما ذكرته تقارير ألمانية الأيام الماضية عن قيام برلين بتجهيز ملاجئ ومخابئ؛ تحسباً لما ستؤول إليه تداعيات الصراع مع روسيا. فيما اتهمت لندن موسكو بالضلوع في "حملة تخريب متهورة للغاية ضد دول أوروبية" – حسب وصفها – وأشارت إلى أنها تعمل مع باريس؛ للتصدي لما وصفته بـ"العدوان الرهيب".

حرب فعلية؟ 

"نحن في حرب عالمية فعلياً"، بتلك العبارة استهل الدكتور نبيل رشوان الخبير في الشأن الروسي، تعليقه لوكالة فرات للأنباء (ANF)، حول ما يجري في العالم الآن، من تطورات متسارعة لا سيما مسألة المجابهة مع روسيا، موضحاً أنه حين تستعين موسكو بقوات من كوريا الشمالية، وعندما تدفع الدول الغربية بكل هذا الدعم نحو أوكرانيا؛ فإننا "بالتأكيد بدأنا الحرب العالمية الثالثة".

ويؤكد رشوان أن الحرب الدائرة "لا يمكن أن تقبل القسمة على اثنين"، إذ أن بوتين يعلم جيداً أن هزيمته في الأراضي الأوكرانية لن تقف حدود تأثيرها عند الانسحاب من هناك، بل ستمتد تداعياتها إلى الاتحاد الروسي ككل وتهدد وحدة أراضيه، وسط احتمالات أن تدفع بعض جمهوريات روسيا إلى التفكير في مسألة الانفصال والاستقلال، وتغذي النزعات القومية المحلية.

ويقول خبير الشأن الروسي إنها حرب عالمية، وإن كانت وتيرتها لا تزال محدودة، مشدداً على أن موسكو عندما تهدد باستخدام السلاح النووي فإنها جادة، بصرف النظر عن قوة وطبيعة الأسلحة التي ستستخدمها، إذ أن بوتين لن يسمح بتكرار سيناريو انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، الذي كان إذلالاً للروس، مشيراً إلى أنه إذا هزمت موسكو فإن الأمر سيكون أسوأ.

وجهة نظر مغايرة

في المقابل، يتبنى طارق البرديسي الخبير في العلاقات الدولية وجهة نظر مغايرة، إذ قال في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه من الصعب أن يكون العالم على مشارف حرب عالمية ثالثة، مهما تأزمت الأوضاع، وتم عسكرة النزاعات السياسية، وتدهورت العلاقات الدولية.

وحول مبررات موقفه، يقول البرديسي إن القدرات النووية في العالم الآن تمثل تهديداً وجودياً للبشرية، وحتى لو وصلت الدول الكبرى إلى حافة الهاوية؛ سرعان ما تحدث الاستدارات للخلف والمراجعات. ويضيف أنه من ناحية ثانية يجب الأخذ في الاعتبار فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، قائلاً إنه "رجل صفقات"، ويستطيع إيجاد حلول غير الحروب التي ستكبد الخزانة الأمريكية كثيراً.

بل يرى البرديسي أنه في ولاية ترامب الثانية ستضع الحرب الأوكرانية أوزارها، وسيكون هناك إقرار أمريكي – غربي بأولويات الأمن القومي الروسي، في إطار تفاهمات بين الرئيس الأمريكي المنتخب وبوتين، وبالتالي إذا انتهت حرب موسكو – كييف فإن النسبة الأكبر من التوترات العالمية ستتوقف.

أما عن منطقة الشرق الأوسط، يقول خبير العلاقات الدولية أيضاً إن ترامب لا يرى مصلحة في استمرار الحرب بالمنطقة، وسيطرح حلولاً تتعلق بمسار تسوية للقضية الفلسطينية، تفضي إلى تبني إقامة دولة الفلسطينية أياً كان طبيعتها، مستدلاً على ذلك باتفاق وقف إطلاق النار الخاص بلبنان، الذي يحتمل امتداده إلى غزة.

بؤر أوسع نطاقاً

وينظر إلى منطقة الشرق الأوسط كبؤرة في الصراعات التي ترسم خطوط الحرب العالمية الثالثة، لا سيما بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس في أكتوبر/تشرين الأول قبل الماضي، وما استتبعه من توسيع إيران هجماتها بالطائرات المسيرة، وإمعان إسرائيل في حربها الدامية على غزة ولبنان قبل أن تتوقف الأخيرة.

أما في منطقة المحيط الهاديء، فإن لهجة الصين المتشددة للرد على تحركات أمريكا تجاه جزيرة تايوان حاضرة بقوة، حتى أنها لوحت بغزوها. يتزامن هذا مع تعزيز الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون ترسانته النووية على مرأى ومسمع من العالم.

ووصل تحالف كيم مع بوتين إلى مستوى متقدم، بلغ ذروته بإرسال قوات من بلاده لمشاركة الروس قتالهم ضد الأوكرانيين.

حرب هجينة

ويهيمن الحديث عن الحرب العالمية الثالثة على كثير من عناوين الصحف الغربية، منها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، التي ذكرت قبل أيام قليلة إن "الحرب العالمية بدأت بالفعل". إلا أنها تنقل رؤية خبراء يرون  أنها ليست مثل سابقتيها، فلن يرافقها غيوم نووية، ويمكن النجاة من تبعاتها بعد يوم واحد، ولن تكون كتلك الحروب التي تتصورها أفلام هوليوود.

وحسب خبراء للصحيفة، فإن الصراعات اليوم لا تُخاض بالبنادق والقنابل فحسب، بل من خلال كل أنواع التكتيكات، كالهجمات الإلكترونية، والتضليل، والتخريب، والتلاعب الاقتصادي، والتجسس، فهي "حروب هجينة"، ربما تمتد إلى اغتيال بعض السياسيين المؤثرين، والتلاعب بالرأي العام في عدة دول، أو ضرب مراكز لوجيستية عبر هجمات سيبرانية.

واعتبر تقرير الصحيفة أن دخول القوات الروسية في أوكرانيا كان العملية العسكرية الافتتاحية للحرب العالمية الثالثة، وأن النظام العالمي لم يعد كما كان عليه بعد الحرب العالمية الثانية. في وقت تعمل قوى كبرى كروسيا والصين على بناء تحالفات وروابط متبادلة مع دول مثل كوريا الشمالية وإيران.

توسيع دائرة الإنفاق العسكري

وأظهرت وثيقة نشرها الموقع الرسمي للمراسيم والقوانين في روسيا، أمس الأحد، أن الرئيس فلاديمير بوتين وافق على ميزانية تركّز على الإنفاق العسكري للفترة من 2025 إلى 2027، مع استمرار الحرب ضد أوكرانيا.

وتتضمن ميزانية الدولة للعام المقبل زيادة قدرها 25% في الإنفاق العسكري، وستكون هذه الميزانية الأكثر سرية في تاريخ روسيا ما بعد حقبة الاتحاد السوفيتي، إذ لن يتسنى للمواطنين الروس التدقيق في ما يقرب من ثلث إجمالي الإنفاق فيها.

في المقابل، من الممكن أن تضطر أكبر 15 دولة أوروبية أعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو" لزيادة استثمارات الإنفاق العسكري، بما يصل إلى 340 مليار دولار سنوياً، ليصل إلى 720 مليار دولار، وفق تحليل حديث لوكالة "بلومبرغ إنتليجنس".