شهدت ضفاف النيل في مصر واحدة من أروع المناقشات حول العلاقات المصرية الكردية، حيث عقد مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية، بعنوان "العلاقات العربية الكردية قاطرة التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط" والتي تميزت حضور عدد من المتحدثين المتميزين والذين عبروا بصدق عن عمق العلاقات المصرية الكردية وفي القلب منها العلاقات المصرية الكردية التي بدأت منذ عصر صلاح الدين الأيوبي.
استهل الندوة الدكتور محمد رفعت الإمام، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة دمنهور، بحديثه عن وصول الكرد إلى مصر مبيّناً ان الكرد ظهروا على الساحة السياسية مع صلاح الدين الأيوبي، ونضاله ضد الصليبيين، ورغم نجاحات الكرد إلا أنهم لم يفكروا في تكوين دولة مركزية، ونجح المغول رغم مقاومة الكرد في احتلال أراضي كردستان، وتلاهم التتار، ثم العثمانيين، ومع الصراع بين الدولة الصفوية الشيعية والدولة العثمانية السنية، تقاسم كلاً من الصفويين والعثمانيين أراضي كردستان.
وأكد الإمام في مداخلته في الندوة، أنه ظل الوضع كما هو عليه حتى القرن التاسع عشر عندما ظهر الفكر القومي، وكان العرب من رعايا الدولة العثمانية، وما ينطبق العرب ينطبق على الكرد وذلك حتى الحرب العالمية الأولى، ومعاهدة سيفر، وبريطانيا خدعت الجميع إلا اليهود، حيث لم تنفذ إلا وعد بلفور ولكن باقي الوعود التي قطعها الإنكليز لكل من الكرد والعرب والأرمن والأشوريين لم تُنفذ، وعقدت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى اتفاقية لوزان مع تركيا على حساب القوميات الأخرى.
بينما كشف الكاتب الصحفي فتحي محمود رئيس مركز آتون للدراسات، أن الكرد بحكم موقعهم التاريخي والجغرافي، فهم جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، ولذلك كان الاهتمام بالعلاقات العربية الكردية في هذا الوقت، في وقت تمر به منطقة الشرق الأوسط بتحولات مهمة وتغيرات سريعة ومتلاحقة، جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي في هذه الظروف في منطقة الشرق الأوسط.
وأكد محمود في كلمته خلال الندوة، أن العلاقات القومية ربطت بين الكرد وبعض الشعوب العربية وخاصة مصر التي تعد نموذجاً مثالياً من ارتباط بين العرب والكرد سواءً في عهد صلاح الدين الأيوبي وما قام به في مصر، والأزهر الشريف الذي تربطه علاقات قوية جداً بالكرد، وصدور أول صحيفة كردية في القاهرة وحتى هجرة كثير من العائلات الكردية إلى مصر وتناغمها التام حتى أصبحوا جزءً من الشعب المصري، وساهموا في صنع حضارتها، مثل عائلة بدرخان السينمائية المعروفة، وأمير الشعراء أحمد شوقي وقاسم أمين، والكاتب الكبير عباس محمود العقاد.
وأضاف رئيس مركز آتون للدراسات، أن كثير من المثقفين لا يعرفون وليس لديهم صورة واضحة عن الكرد، والدور المهم الذي لعبوه في التاريخ الإسلامي والعربي وعلاقاتهم بالأمن القومي العربي، ومن هنا جاء إيمانه بهذا الموضوع وفكرة كتابه العلاقات العربية الكردية، الصادرة عن مؤسسة الأهرام، وبحكم عمله في الشؤون العربية في الأهرام كان هذا الأمر مسار اهتمام دائم بالنسبة له، وكان هدف هذا الكتاب أن يكون بداية مهمة لإزالة أي لبس موجود لدى بعض القطاعات والفئات العربية، وتصحيح المفاهيم لدى الرأي العام، ودعم كل أشكال التعامل الذي يحقق التقارب بين الشعبين العربي والكردي، والتركيز على المشتركات الثقافية للتقارب بين الشعبين الشقيقين العربي والكردي وتنشيط حركة التواصل والنشر والاطلاع.
وبيّن محمود، أنه مؤمن تماماً بعد الدراسة التي قام بها في هذا الكتاب أن المدخل الثقافي هو الأساس الذي يمكن أن يتجمع حوله كثير من المفكرين والمثقفين والشباب والمرأة والتنوريين، بعيداً عن تأثير الخلافات السياسية في هذا المدخل، هناك مشتركات كثيرة يمكن العمل عليها وتوثيق العلاقات بين المجتمع المدني العربي والكردي، وكان في الوسط الثقافي والفني المصري أسر كردية كثيرة ساهمت في صناعة الحضارة المصرية الثقافية والفنية.
وأوضح رئيس مركز آتون للدراسات، أنه منذ حوالي ١٣ عام كانت هناك مبادرة مصرية مهمة عندما ذهب وفد من السينمائيين المصريين على رأسهم علي بدرخان، إلى أربيل والسليمانية وعمل بروتوكول تعاون واقترح عمل مشروع مشترك لتسجيل التراث الكردي سينمائياً، وأفلام سينمائية وشكل المباني والأزياء التراثية وكل أشكال الثقافة الكردية ولكن هذا المشروع لم يرى النور لأسباب لوجستية.
وطالب محمود، أنه يجب الاهتمام بترجمة الأعمال الكردية لأن الكرد لديهم أعمال أدبية متنوعة يرقى بعضها للعالمية وترجمة الأعمال الأدبية والسينمائية المصرية، مؤكداً بأن لديهم مقترحات في هذا المجال، يتمثل في إنشاء معهد عربي كردي، وهو مشروع مهم للغاية، ويستهدف تنشيط حركة التواصل والنشر والترجمة، والاطلاع على أداء وفنون وثقافات كل طرف، بالإضافة إلى التعرّف على ثقافات الطرفين.
وأردف رئيس مركز آتون للدراسات، أنه يمكن أن يكون لجامعة الدول العربية دور أساسي في تأسيس هذا المعهد عبر تشجيع الشعبين العربي والكردي تحت مظلة مؤسسات متخصصة مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع الاتحادات مثل اتحاد كتاب العرب والجامعات العربية ومؤسسات المجتمع المدني وتشجيع الشعبين العربي والكردي، على أن تتضمن مناهج البلدين معلومات موثقة والتعريف بهوية كل من الشعبين، والمساهمة في إعداد أجيال جديدة لديها وعي كامل بهذا الموضوع.
ولفت محمود إلى، أنه يمكن أن يكون للسياحة دور أيضاً من خلال التعريف بالمناطق السياحية الكردية في المناطق العربية، وتدريس اللغة الكردية في الجامعات المصرية في الأقسام الشرقية، والتعاون بين جهات الإعلام والصحفيين والسعي لإنتاج برامج تلفزيونية.
كما شدد رئيس مركز آتون للدراسات، على أن الكرد تسللوا إلى وجدان الشعب المصري دون أن يدركوا، فالمثل الشهير المعروف حادي بادي سيدي محمد البغدادي صاحب هذا المثل هو شيخ كردي من هولير جاء ليتعلم في الأزهر، وأصبح من الشيوخ المهمة في الأزهر، ولأنه جاء من العراق أطلقوا عليه البغدادي، وكان يضحك ويقول لهم أنا لستُ من بغداد، وأصبح من فقهاء الأزهر المشهورين ودرس في رواق الكرد بالأزهر، ومدفون في شارع المعز، وهذه الشخصية الكردية أصبح في وجدان الشعب المصري.
بينما تحدث الأكاديمي المصري الدكتور علي ثابت، عن العلاقات المصرية الكردية، مبيّناً أن الشعب الكردي له دور كبير إنسانياً وإسلامياً نتيجة للتعايش في الوطن العربي، ونتيجة العوار الناتج عن الدولة القومية وهذا العوار أثر سلباً على الشعب الكردي، حيث تم تقسيمه بين ٤ دول قومية، وأدت المحاولات العديدة القوموية السورية والعراقية لدمج الشعب الكردي لأثر في الوجدان الكردي بسبب المشاكل الاجتماعية الكثيرة.
وأكد ثابت في مداخلته بالندوة، أن القاهرة هي رمانة الميزان حيث تعترف بحقوق الشعب الكردي ضمن الدولتين العراقية والسورية، والاعتراف بالدور التاريخي والانساني للكرد باعتباره شعباً من شعوب المنطقة، ودائماً مصر تقدم مبادئ إنسانية ولا تنكر حقوق شعوب المنطقة التاريخية في بناء حضارتها.
وأضاف الأكاديمي المصري، أنه اتسعت العلاقات المصرية الكردية منذ عصر الرئيس جمال عبد الناصر، والذي ناظر بضرورة تداخل القوميتين العربية والكردية، ونادى بالحكم الذاتي للكرد شريطة ألا يؤدي إلى الانفصال، وسعت مصر لإقناع زعماء العراق بوجوب حل القضية الكردية بالطرق السلمية وذلك حفاظاً على مكونات العراق.
وبيّن ثابت، أنه تحدث الرئيس عبد الناصر عن القضية الكردية خلال مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية عام ١٩٦٣، وأن الكرد شعب شقيق للعرب ومن حقهم التمتع بالحكم الذاتي، وباتحادهم مع العرب ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية، ولذلك ترك عبد الناصر بصمة في العالم العربي خاصة دوره المتنور تجاه القضية الكردية، داعياً إلى التآخي بين الكرد والعرب خلال نظرة استراتيجية تضمن الخصوصية والتعايش السلمي.
وأوضح الأكاديمي المصري، أنه استمرت المسيرة في عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث رفض بشكل قاطع الحلول العسكرية ضد الشعب الكردي، واستقبل وفدا كرديا عام ١٩٧٥ وحضر به القمة العربية في المغرب، مطالباً بحل عربي للقضية الكردية.
وأردف ثابت، أنه في عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر استمرت العلاقات المصرية الكردية على مستوى مصغر مع ممثلي الحركة الكردية في العراق وذلك حتى زيارة جلال طالباني إلى القاهرة بدعوة رسمية من الحكومة في أيار ١٩٩٧، لإعادة جسور الثقة بين القاهرة وكرد العراق، حيث تقررت إقامة حسين عدنان المفتي في القاهرة بشكل دائم ممثلاً عن الاتحاد الوطني الكردستاني، وتكللت هذه الجهود في ٢٥ كانون الأول ٢٠١٠ بافتتاح القنصلية في هولير بحضور وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط.
وأشار الأكاديمي المصري، إلى أنه في عصر الرئيس السيسي خلال منتدى شباب العالم النسخة الثالثة في مدينة شرم الشيخ، أن القضية الكردية لا يستطيع أحد محوها، مشدداً على أن الشعب الكردي عانى خلال ٦٠ عام مضت، وجاء ذلك خلال إجابة الرئيس المصري على أحد الفتيات الكرديات عن الصراعات في العالم وعن حقوق الإنسان.
وأضاف الرئيس المصري أنه خلال السنوات الماضية حيث حدث تقسيم العديد من الدول داخل إيران وتركيا، والهوية لا يستطيع أحد أن ينزعها من الشعب الكردي، بحسب ثابت.
وكشف مجدي الحداد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الفارابي، أنه قرأ كتاباً للكاتب الكبير فتحي محمود، اسمه العلاقات العربية الكردية، ولكن اكتشفت أن الكتاب صدر منذ عدة سنوات، ولكن العنوان رائع وشمولي، وحضاري بامتياز.
وأكد الحداد خلال مداخلته، أنه كان يجب ألا يمر موضوع الكتاب مرور الكرام، خاصة وأنه صادر عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، وهي مؤسسة حكومية مصرية، وضع فيه فتحي محمود الأساس الأكاديمي العلمي التاريخي الذي يمكن الخروج به بمجموع من الدراسات المتعمقة المتخصصة التي يمكن أن تتحول كل دراسة منها إلى كتاب.
بينما كشف الدكتور مختار الغباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية، والأمين العام لمركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية، أن الندوة تناقش العلاقات العربية الكردية، بشكل يتسع معه منظومة الأمن القومي العربي، وهي علاقات غارقة في التاريخ وأعماقه، لأن الكرد هم الأكثر بحثاً عن الجذور التاريخية لتلك العلاقة رغبة في التقارب مع العالم العربي، والعرب يقفون عند محرر القدس وقاهر الصليبيين صلاح الدين الأيوبي.
وأكد الغباشي في مداخلته بالندوة، أن المناخ السياسي محتدم وبشدة حول تلك المدينة المقدسة والتشبث العربي والإسلامي الواهن بصلاح الدين، وأن تبقى هذه المدينة كعاصمة لفلسطين وليست لإسرائيل.
وأوضح الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية، أنه ما أكثر الأسماء الكردية التي ساهمت في الحضارة العربية مثل سيبويه مؤسس علم النحو وأبو مسلم الخراساني مؤسس الدولة العباسية، وقاسم أمين محرر المرأة والعائلة التيمورية، وأول صحيفة كردية صدرت في القاهرة.
وبيّن الغباشي، أن مشاركة الكرد في الثورة الفلسطينية في قلعة شقيف حيث استشهد ١٣ شهيداً، مشيراً إلى أنه حتى وقت قريب كانت قضية إقليم كردستان العراق هي كانت الحاضرة في الذهن العربي حتى وقت قريب، وفي لحظات نادرة كانت القضية الكردية في تركيا تقفز إلى الصدارة، ثم الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وما تتعرض له من اعتداءات تركية.
بينما كشف اللواء دكتور علاء عز الدين، رئيس الهيئة العلمية العليا لمركز الفارابي، أنه اعتاد مركز الفارابي على أن يعقد ندوات عن القضايا الإقليمية الهامة، والكرد كان لهم دوراً بارزاً في الحضارة العربية والإسلامية، وقد واجهت قوميات مثل القومية الفارسية، والقومية التركية تنامي هذا الدور حيث أن تلك القوميات وجدت أن تعاظم الدور الكردي سيكون على حسابها، لتبدأ محاولات تقزيم وتقليص الدور الكردي، فعند دراسة العلاقات العربية الكردية سنجد العديد من السلبيات والايجابيات.
وأكد عز الدين في مداخلته، أنه إذا تم استثمار تلك الإيجابيات بشكل صحيح ستصبح هذه العلاقة رقماً هاماً في تلك العلاقة، وفي التوازن الإقليمي، وأن تساعد في إقامة نظام أمني إقليمي يساعد في صد أي أطماع خارجية.