عقب مضي أكثر من عامين على أزمة الشغور الرئاسي، عاد الأمل إلى المواطن اللبناني بعد انتخاب جوزيف عون رئيسا لبلد المأزوم على مدار عقود طويلة عانى فيها المواطن من تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية دفعت الكثير من الشباب إلى هجرة الوطن بحثا عن مستقبل أفضل، وشهدت الآونة الأخيرة انفراجة سياسية غير مسبوقة على خلفية تكليف نواف سلام بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدا عن المحاصصة والطائفية والتحزب ما خلق حالة من التفاؤل في الأوساط الشعبية والسياسية على حد سواء آملين بخروج لبنان من نفق الطائفية التي سيطرت على أروقتها السياسية لعقود طويلة.
صراع المتنفذين
الدكتور محمد سيعد الرز المحلل السياسي اللبناني قال في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إنّ «انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية استهدف إنهاء الانقلاب الذي قامت به الطبقة السياسية الحاكمة منذ 30 عاما على التصور الوطني، ومن ثم حاولت تلك الطبقة السياسية عرقلة جلسة انتخاب الرئيس عون بشتى السبل وطرحت أسماء بديلة منها ما هو معروف ومنها ما هو ضعيف، فضلا عن تشكيلها تحالفات من النواب لخلق جبهات لإعاقة انتخاب رئيس الجمهورية، إلا أن التيار الوطني تصدى لتلك المحاولات وتمكن من إنجاز مهمة انتخاب الرئيس عون بدعم عربي ودولي.
دعم عربي ودولي
وعقب انتخاب الرئيس عون وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة نواصل الطبقة السياسية فرض رؤيتها وفي مقدمة تلك الطبقة الثنائي الشيعي، من خلال محاولات الاعتراض على أسماء مقترحة بهدف عرقلة تشكيل الحكومة وفرض أسماء بعينها إلى جانب محاولة إعادة إنتاج المحاصصة مرة أخرى، إلا أن ذلك تمت مجابهته بدعم عربي ودولي من خلال التوصل إلى اتفاق يقضي بتشكيل حكومة تكنوقراط من المتخصصين غير المتحزبين والسياسيين، ونظرا لقوة التيار الوطني الذي يلقى دعما عربيا ودوليا تراجع الثنائي الشيعي بعد شعوره بالهزيمة، ورغم ذلك ستواصل تلك الطبقة محاولة فرض شروطها إلا أن الإجماع العربي والدولي سيؤدي بالضرورة إلى تشكيل الوزارة الجديدة من خلال أطر محددة تضمن عدم المحاصصة ولن يتم اختيار أي نائب في الوزارة فضلا عن استبعاد السياسيين المتحزبين وفي نفس الوقت لن تستسلم الطبقة السياسية المتنفذة سواء كانوا ثنائي شيعي أو بعض السياسيين الكبار ممن يستفيدون من الأوضاع القلقة ولكن هذا لن يؤثر في المناخ العام الذي سيشهد تحسنا على الصعيد السياسي والاجتماعي وفقا للمعطيات الراهنة.
انتقال حَذْر
فيما أكد عبد الله نعمة المحلل السياسي اللبناني في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «الشواهد تؤشر إلى صعوبة تشكيل الحكومة في ظل انتقال لبنان من الخط الايراني إلى الاستقلالية بدعم عربي ودولي سيجعل لبنان يخرج من كبوته ومحنته، وخاصةً أنّ حكومة نواف تلقى دعما غير محدود على الصعيد اللبناني والإقليمي والدولي، وهو ما تجلى في جهود الدول المتنفذة لإزالة العراقيل أما سلام، من خلال تشكيل حكومة من المختصين التكنوقراط بالاتفاق مع التكتلات السياسية بعيدا عن المحاصصة والتحزب».
أمام الحكومة عمل شاق حال إعلان تشكيها يتمثل في مجموعة من التحديات المستقبلية من بينها حاجة لبنان إلى ما يقارب 15 مليار دولار لإعادة الإعمار، وبسط الجيش نفوذه على كامل الأراضي اللبنانية وقصر حمل السلاح على الدولة من خلال استراتيجية دفاعية تحتوي كل المكونات والطوائف دون استثناء، إلى جانب إشكالية الجنوب المدمر من الحرب والذي يحتاج إلى سنوات من العمل سواء في البنى التحتية أو إعادة بناء منازل المواطنين وتوصيل الخدمات وعلى رأسها الكهرباء ، فضلا عن مشكلة القطاع المصرفي وأموال المودعين التي وعد الرئيس الجديد بحلها، ورغم الأزمات الداخلية والتحديات الجسام المطلوب من الحكومة مواجهتها إلا أن حالة من التفاؤل تعم المشهد على الصعيدين السياسي والاجتماعي بعد أن شعر الجميع ببوادر عهد جديد للإصلاح وبناء دولة مدنية ديمقراطية تحقق مصلحة المواطن وتحافظ على الأمن القومي، وذلك بفضل الدعم الشعبي للرئيس الجديد ورئيس الحكومة إلى جانب الدعم العربي والدولي الكبير.