على مدار السنوات الماضية، قدمت منطقة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا نموذجاً سياسياً ومجتمعياً للتعايش، إثر احتضانها أكثر من مليون نازح من مناطق متفرقة وتوفير الأمن لأكثر من 5 ملايين سوري، وهو ما تحاول تركيا تدميره من خلال استهداف البنى التحتية الحيوية، وآخرها سد تشرين، بغرض القضاء على هذا النموذج الناجح سياسياً واجتماعياً وعسكرياً.
تكامل شعبي
تجلى التكامل بين المكونات والشعوب في شمال وشرق سوريا في تصدي الأهالي لمحاولات الاحتلال التركي تدمير سد تشرين، حيث نظموا مناوبات لحماية السد والمنشآت الحيوية، معلنين مساندتهم لقوات سوريا الديمقراطية في مواجهة الاحتلال التركي الذي يواصل استهداف المنطقة بالقصف المدفعي والصاروخي، وآخر هذه الهجمات كان قصفاً مكثفاً أسفر عن استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة 19 آخرين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وارتكاب جرائم حرب تستهدف المدنيين الأبرياء، وقد سبق وأن أعلن شيوخ ووجهاء العشائر العربية دعمهم لقوات قسد من خلال المسيرات والتصريحات الإعلامية والمساندة الميدانية، فضلاً عن إعلان مجلس عوائل الشهداء في مدينة عامودا في وقت سابق انضمامهم للنفير العام وتلبية النداء العام الذي أطلقته الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية للتصدي لهجمات الاحتلال التركي ومرتزقته على إقليم شمال وشرق سوريا، بما يؤكد نجاح نموذج الإدارة الذاتية الذي تسعى تركيا لتدميره.
التغيير الديموغرافي
وأعرب خبراء عن قلقهم من استمرار القصف التركي الذي قد يلحق الضرر بالسد ويتسبب في فيضانات تدمر أكثر من 40 قرية على ضفتي النهر، وكان ممثل صندوق الأمم المتحدة للطفولة في سوريا، ياسوماسا كيمورا، قد سبق وأن حذر من تضرر السد نتيجة عمليات القصف، مما يؤثر على حياة أكثر من 3 ملايين نسمة في منطقة حلب وحدها.
وقال الباحث السياسي المصري محمد صابر في تصريح لوكالة فرات للأنباء "ANF"، إنّ "سد تشرين الواقع في ريف حلب له أهمية استراتيجية، نظراً لكونه من أهم مصادر المياه والطاقة، فضلاً عن الأهمية الاستراتيجية لمدينة حلب القريبة من الحدود التركية، ومن ثم، فإن الاستهداف التركي العسكري لتلك المنطقة غرضه تحقيق أكبر قدر ممكن من الدمار على جميع الأصعدة"، لافتاً إلى أن القصف التركي المتكرر لمناطق شمال وشرق سوريا قد يمنح الفرصة لعودة داعش والتنظيمات الإرهابية من جديد، مؤكداً ضرورة تدخل إدارة هيئة تحرير الشام ووضع حد لحرب الإبادة الجماعية على الأراضي السورية.
وإذا كانت إدارة هيئة تحرير الشام قد طالبت إسرائيل بالانسحاب من الأراضي السورية وذلك من خلال تصريحات على لسان قائدها أبو محمد الجولاني، فإن الأخير لم يبدِ أي اعتراض على القصف التركي لشمال وشرق سوريا، رغم أنه يدير المرحلة الانتقالية، ويجب أن يتعامل مع تركيا مثلما تعامل مع إسرائيل ولو من زاوية التصريحات الإعلامية، إلا أن ذلك غير متوقع نظراً لسيطرة تركيا على عملية اتخاذ القرار والتوجهات السياسية لإدارة هيئة تحرير الشام.
وقالت الدكتورة فرناز عطية، الكاتبة والباحثة المصرية، في تصريح لوكالة فرات للأنباء "ANF": "تركيا لا تزال تستغل عدم استقرار الوضع في سوريا وعلاقتها بهيئة تحرير الشام لتحقيق مصالحها على حساب سوريا، ويعد سد تشرين مصدراً أساسياً لتوليد الطاقة، ومن ثم فإن استهداف السد يمثل محاولة للسيطرة على أحد أهم عوامل الأمن القومي السوري الذي يضمن الحياة الإنسانية لملايين المواطنين، وهو ما يمثل مخالفة واضحة وصريحة للقوانين الدولية، ويجب على المجتمع الدولي التحرك لمنع حرب الإبادة التركية في شمال وشرق سوريا."
ويقع سد تشرين في محافظة حلب، جنوب شرق المدينة، ويُعد من المنشآت الحيوية في المنطقة، يبلغ ارتفاعه 25 متراً وطوله 900 متر، وهو ثاني أكبر محطة كهرومائية لتوليد الطاقة في سوريا بعد سد الفرات بمدينة الطبقة جنوب غربي الرقة، وتم إنشاء السد على نهر الفرات بين منطقتي منبج وكوباني عام 1999، وعلى بعد 90 كيلومتراً من مدينة حلب و50 كيلومتراً من الحدود التركية، بتكلفة 22 مليار ليرة سورية، وتنتج محطته نحو 630 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، وكان تنظيم داعش قد سبق وأن سيطر على السد عام 2014، بالتزامن مع سيطرته على مناطق واقعة على ضفتي الفرات الشرقية والغربية بين ريفي حلب والرقة، قبل أن تُعلن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) سيطرتها عليه بشكل كامل في كانون الثاني 2016.