وتعمل دول الاتحاد وأبرزها فرنسا على خلق حالة من الاستقرار في سوريا ولبنان، تمهيدا لعودة اللاجئين إلى البلدين بعد خلق مناخ سياسي واجتماعي يسمح بعودتهم إلى بلدانهم الأمر الذي أعاد التفكير في أزمات المنطقة وتكثيف الجهود لإنهائها حيث أعقب التغيير الجديد في سوريا انتخاب رئيس للبنان تمهيدا لحل المشاكل الداخلية المتعلقة بالانقسام والطائفية والتسليح، كما باشر الاتحاد بالتعاون مع البيت الأبيض عملية توقيع اتفاق لإنهاء الحرب في غزة ليتبقى الملف الليبي والحرب في السودان على طاولة النقاش خلال المرحلة المقبلة.
الدكتور قصي عبيدو المحلل السياسي، قال في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»: «منذ 2011 تدفق النازحون إلى داخل وخارج سوريا عبر الحدود البرية والبحر المتوسط، وهناك دراسات رصدت عدد اللاجئين من بينها السوريين في ليبيا والذين تجاوزت أعدادهم حاجز 45 ألف سوري في ليبيا وفي أوروبا والدول العربية وصلت الأعداد إلى 10 ملايين سوري اضطروا للهجرة بسبب الحرب التي صُنفت بأنها من الحروب الطويلة، دمرت المنازل والبنى التحتية، وهناك خشية من تزايد تدفق اللاجئين من الشرق الاوسط نظرا لاستمرار الاضطرابات، وهو ما خلق مساعي أوروبية للتفكير في حلول لإعادة اللاجئين الى بلادهم لتخفيف الأعباء الاقتصادية والأمنية عن دول الاتحاد، خاصةً بعد خروج بشار الأسد حيث عادت أعداد كبيرة من الدول العربية، وتبقى إشكالية عدم الاستقرار في سوريا حائلا دون عودة المهجرين بسبب الأوضاع الأمنية والبنى التحتية المدمرة علاوة على المشاكل الاقتصادية، ولكن تدريجيا قد يتحسن الوضع ليشجع جميع السوريين على العودة، ورغم ذلك لم يكون كل اللاجئين عبئا على دول الاتحاد حيث استفادت أوروبا من الخبرات والعقول السورية المهاجرة في كل المجالات حتى في الطيران والسياحة والفن والهندسة والطب، وأعتقد ان الأزمة الاقتصادية قد تكون سببا في عدم بقاء النازحين في أوروبا وهو ما يتطلب مزيد من الجهود الأوروبية لتشجيع السوريين على العودة من خلال رفع العقوبات، ودعم الأوضاع الاقتصادية».
أزمة المُهجّرين
سبق وأن أعلنت الأمم المتحدة ارتفاع أعداد اللاجئين والمهجّرين إلى 100 مليون شخص أغلبهم قصد الدول الأوروبية التي أعلنت استقبالها طلبات لجوء بزيادة 41% فضلا عن تصاعد حالة العداء النخبوي للهجرة إلى أوروبا وخاصة إلى فرنسا تحديدا حتى أن هناك من وصف بأن باريس تتعرض لحالة من المد الكبير فيما يخص الهجرة وذلك نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية في عدة دول شرق أوسطية وظهرت حوادث اعتداء على الهوية في بعض الدول التي تعرض فيها اللاجئين للاضطهاد والعنف في بعض الأحيان وهو ما تسبب في حالة من التوتر الداخلي في دول الاتحاد استدعت ضرورة العمل على اتباع حلولا غير تقليدية لمواجهة تلك الظاهرة.
حسام طالب الباحث والمحلل السياسي السوري، أكد في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «أوروبا تسعى لإحلال السلام وفرض الاستقرار في الشرق الأوسط ليس فقط بسبب إشكالية الهجرة التي شكلت عبئا كبيرا على الدول الأوروبية وعلى اقتصادها، ولم يعد ضبط تلك الإشكالية ممكنا إلا بإنهاء النزاعات في المنطقة، وهو ما يسهم في حل مشكلة الهجرة وتدفق اللاجئين من جانب، ويسهم في استفادة أوروبا من خلال تزويد دول شرق المتوسط لها بالطاقة، ولذلك بات الاتحاد الأوروبي حريصا على تكثيف جهوده لإقرار السلام والاستقرار، خاصةً في سوريا التي تمتلك موقعا استراتيجيا مهما شرق المتوسط ومن المحتمل أن تصبح مصدرا مهما لتزويد دول الاتحاد بالطاقة، فضلا عن أن دول الاتحاد أصبحت تتعامل بأريحية مع الإدارة الجديدة التي أبدت تعاونها على خلاف النظام السابق، إلى جانب إعلان أوروبا استعدادها للمشاركة في إعادة الإعمار بما يصب في مصلحة الاقتصاد الأوروبي السوري على حد سواء».
خطط مستقبلية
وضمن خطط الاتحاد لمواجهة هذا المد من الهجرة، عودة القضية الفلسطينية من جديد إلى طاولة النقاش فضلا عن مناقشة الحالة الإيرانية وتأثيراتها على دول المنطقة وعلاقتها بما يحدث في العديد من الدول، إلى جانب أن صعود اليمين للبرلمان قد تكون له تأثيرات واضحة على العلاقات الأوروبية-التركية فيما يخص مسألة الهجرة، حيث تباشر تركيا حرب إبادة ضد الكرد في سوريا وتباشر تدخلا عسكريا مباشرا في ليبيا وهو ما يتسبب في استمرار حالة القلق والاضطراب بالمنطقة.
وخلال الآونة الأخيرة بدأ الاتحاد الأوروبي تعزيز العلاقات مع دول شمال أفريقيا، بوصفها الضفة الجنوبية للمتوسط، خاصة في مجال الهجرة، من أجل الحد من عمليات العبور غير النظامية إذ تحتل قضية الهجرة حالياً موقعاً مركزياً في السياسات الأوروبية. وسيكون النهج الأوروبي الجديد قائماً على مقايضة المساعدات والاستثمارات مع دول شمال إفريقيا في مقابل مشاركة هذه الدول في حماية الحدود الأوروبية، وهو ما يتطلب ضرورة فرض الاستقرار في تلك الدول ويتطلب تدخلا فاعلا للاتحاد الأوروبي لدعم تلك الدول وفرض الاستقرار.
نفوذ الاتحاد
إن اتباع الاتحاد الأوروبي تلك السياسات يحقق لدول شمال إفريقيا مكاسب مادية ودعماً سياسياً مباشراً بعد أن بات استقرار دول الشمال الإفريقي من عوامل تحقيق الأمن القومي الأوروبي فعلى سبيل المثال قد تسعى المجموعات المسلحة في ليبيا إلى وضع خطة للدمج وحل الخلافات بعد الحصول على مساعدة الاتحاد الأوروبي بطرد المرتزقة والقوات الأجنبية ومن ثم السيطرة على جانب واسع من السواحل الغربية للبلاد، و التصدي لموجات الهجرة.
«جوزيب بوريل»، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، شدد في تصريحات سابقة على ضرورة خلق نفوذ للاتحاد في منطقة الشرق الأوسط التي تمثل مصدرا رئيسيا لتدفق اللاجئين من خلال تكثيف الجهود ولعب دورا كبيرا لتحقيق السلام وإنهاء النزاعات المسلحة ضمن مساعي البحث عن تعزيز النفوذ الجيوسياسي للكتلة الأوروبية، ومن ثمّ خلق دورا فاعلا في قضايا المنطقة لتحقيق حالة من الاستقرار.