جيش الجزائر يدخل على خط الأزمة مع فرنسا .. ماذا في الكواليس؟

لا تتوقف المشاحنات السياسية والدبلوماسية بين الجزائر خلال الأشهر الماضيية، لكن التطور الأخطر كان الهجوم الضاري الذي شنته مجلة الجيش الجزائري ضد باريس.

دخول الجيش الجزائري على خط الأزمة مع فرنسا بعد دعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإفراج عن كاتب جزائري تم اعتقاله مؤخراً، كشف عما وصلت إليه التوترات بين البلدين من تعقيدات، لا سيما وأنها بالأساس كانت مليئة بمحطات الخلاف رغم علاقات التحالف، خاصة وأن الإرث الاستعماري الفرنسي لا يزال يلقي بظلاله على روابط البلدين.

فما كان من الجيش الجزائري إلا الرد على ماكرون دون ذكر اسمه مباشرة بأن "البلاد لا تقبل الابتزاز والوصاية والرضوخ من أي جهة كانت مهما بلغت قوتها"، واصفاً عبر مجلته الرسمية فرنسا بأنها من بين الأعداء الذين لديهم أهداف "دنيئة"، مشدداً على أن الجزائر ستصمد أمام "رياح التآمر والتفرقة وسموم الفتنة".

ما الذي حدث؟

جاء رد الجيش الجزائري بتلك الشدة؛ رداً على دعوات ماكرون بالإفراج عن الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، الذي اعتقل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إثر تصريحات قال فيها إن بعض الأجزاء من الجزائر أراض مغربية، وهي تصريحات أثارت غضباً واسعاً من قبل هذا الكاتب في ظل العلاقات المتوترة للغاية بين الجزائر والمغرب على خلفية قضية الصحراء الغربية، وما اعتبر مساساً بالأمن القومي للبلاد.

وأتى رد الجيش الجزائري ليكشف كذلك عن وحدة جميع مؤسسات الدولة الجزائرية في مواجهة فرنسا، والتي أثارت حفيظة الجزائريين من قبل عندنا أعلنت دعمها مقترح الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، وهي الرؤية التي يرفضها الجانب الجزائري، الذي يتمسك بحق أبناء الصحراء في تقرير مصيرهم بأنفسهم، حيث تسيطر الرباط على 80% من الصحراء وتدعم فكرة الحكم الذاتي، إلا أن جبهة البوليساريو تتمسك بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي تحت رعاية الأمم المتحدة، وفق اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991.

دور اليمين المتطرف

لا يتوفر وصف.

يقول علي المرعبي رئيس تحرير مجلة كل العرب التي تصدر من باريس إن التوترات بين فرنسا والجزائر ترتبط في جانب منها بدور اليمين المتطرف، وسير الرئيس إيمانويل ماكرون خلف تلك التوجهات لا سيما ضد الشعب الجزائري، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة ضده والتأكيد على أن التصعيد ضد الجزائر غير مفهوم وغير مبرر.

وأضاف أن هذا التوتر الفرنسي مع دولة كانت حليفاً استراتيجياً يأتي تزامناً مع تراجع كبير لمكانة باريس في أفريقيا، ومطالبة كثير من الدول لها بإنهاء وجودها العسكري، وبالتالي فإنه ليس من الحكمة أن يضحي ماكرون بتلك العلاقات، كما أن عليه التروي في التعاطي مع الملفات الجزائرية، ومع ملفات القارة السمراء ككل.

فرنسا تتمسك بإرثها العثماني

لكن الخلاف بين البلدين يبدو في المنظور الجزائري أعمق من ذلك بكثير، فرغم تطبيع العلاقات مع باريس، ووصف العلاقات بينهما بعلاقات التحالف، إلا أن الأمر خلال الأشهر الماضية ليس بهذه الصورة، ولا يزال الجزائريون متأثرين بحقبة الاستعمار الفرنسي، في وقت يتراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا.

لا يتوفر وصف.

وهذا ما يؤكد عليه أحمد بوداود الكاتب الصحفي الجزائري، الذي يقول في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF) إن الصراع بين فرنسا والجزائر ليس بجديد؛ وإنما قديم متجدد، خاصة إذا تحدثنا عن نوايا باريس من كم الاستفزازات التي توجه إلى الجزائريين، فإنها بالأساس تعبر عن حالة الغضب التاريخية التي لا تزال تسيطر على الرؤساء الفرنسيين بسبب الطريقة التي انتهى بها احتلالهم للأراضي الجزائرية، وفقاً له.

واعتبر أن زمن فرنسا ولّى، فهي دولة تعاني من وهن داخلي وزعزعة أمنية مستمرة، لكن الإشكالية أنها لا تزال تعتقد أنها نفس الدولة المستعمرة التي تسيطر على الدول الأفريقية، وإن كانت لا تزال تنهب وتسرق الذهب من بلدان فقيرة في القارة، مشيراً إلى أن ماكرون كان يتودد قبل أشهر للسلطات الجزائرية لإعادة العلاقات، لكنه عاد وقدم تصريحاً استفزازياً.

وأوضح أن تعليق ماكرون على اعتقال أحد الكتاب الجزائريين يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، ومساساً بالأمن والنظام الجزائري، لكنه تدخل في الشأن الجزائري، على نحو استفز حفيظة جميع الجزائريين سلطة وشعباً، قائلاً: "إننا كجزائريين نعرف حجم الحقد الذي تكنه فرنسا لنا وللدول العربية، لا سيما وأن الفرنسيين كانوا يمارسون احتلالاً فكرياً".

يلفت بوداود إلى إشكالية أخرى تثير قلق باريس وهي أن لديها نحو 20 مليون جزائرياً يعيشون على أراضيها، وهو ما يشكل "قنبلة موقوتة"، ولهذا تشن السلطات الفرنسية حملة اعتقالات وسط "المؤثرين الجزائريين"، وحاولت ترحيل بعضهم، وبالتالي ما يحدث من فرنسا في الفترة الأخيرة ليس مستغرباً علينا، على حد قوله.

وتدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تتمسك بحق تقرير مصير الصحراء الغربية في مواجهة مقترحات الحكم الذاتي التي تريدها الرباط، وقد وصلت الأمور في بعض الأوقات إلى أجواء حرب بين الجانبين الجزائري والمغربي وقطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما، فيما حظى الموقف المغربي بدعم فرنسي، ما أثار كذلك حفيظة الجزائريين.