"حل لأزمات المنطقة".. حلقة نقاشية بالقاهرة حول أفكار القائد أوجلان وفلسفته

تتسم كتابات المفكر عبدالله أوجلان بقدر من التنوع والحيوية والتدفق، لا سيما وأنها تلك رؤية واقعية وعملية تعالج الكثير من إشكاليات وأزمة منطقة الشرق الأوسط.

ولما تتسم به كتابات أوجلان من تدفق ورؤية وإلى جانب ما يدفع من ثمن، فقد كانت موضعًا لكثير من النقاشات والتحليلات التي تتواصل في مناطق مختلفة من العالم، والتي كان آخرها حلقة نقاشية في العاصمة المصرية القاهرة بمركز آتون للدراسات، حضرها لفيف من الكتاب والمثقفين والسياسيين والصحفيين والأكاديميين المصريين والسوريين، والتي كان محورها حول محاكاة طلاب مصريين لشخصية أوجلان بإحدى الجامعات، وانطلاقًا منها جرى التطرق لكتابات وفلسفة المفكر عبدالله أوجلان، لا سيما ونحن أمام منطقة تبحث العودة إلى هويتها بعيدًا عن تلك المفاهيم التي صاغتها قوى الاستعمار مثل الدولة القومية التي تحول إلى أزمة الأزمات.

وقد ناقشت الحلقة على جلستين قضايا رئيسية منها فلسفة أوجلان بشأن مفهوم الأمة الديمقراطية ونقده لمفهوم الدولة القومية وكيف يقدم بديلًا يعبر عن شعوب الشرق الأوسط، كما ناقشت رؤيته لقيمة ومكانة المرأة واعتبارها مفتاح الحياة وأن تحريرها ضرورة لتحرير المجتمعات، كما تم تسليط الضوء على تجربة الإدارة الديمقراطية في مناطق شمال وشرق سوريا باعتبارها التطبيق العملي لأفكار أوجلان، وجرى الحديث عن علم الجنولوجيا، وكذلك العلاقات العربية الكردية والصلات بين الشعبين وتقاربهما في المصالح فضلًا عن تعايشهما التاريخي معًا.

وقبل انطلاق الجلسة النقاشية، أكد الكاتب الصحفي المصري فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات المكانة الكبيرة التي يتمتع بها المفكر عبدالله أوجلان، مشيرًا إلى أنه قد شبهه في كتاب له عن العلاقات العربية الكردية بنيسلون مانديلا الزعيم الجنوب أفريقي، كما أكد أهمية العلاقات العربية الكردية واهتمامه الشخصي بالقضية الكردية، معربًا عن سعادته لاستضافة المركز هذه الحلقة النقاشية لا سيما مع تركيزها على أفكار أوجلان.

فكرة محاكاة شخصية أوجلان

ولعل ما ميز الحلقة النقاشية حضور بعض من طلاب قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة دمنهور المصرية الذين قاموا بنموذج محاكاة خلال أحد مقرراتهم الدراسية مادة "قضايا تاريخية معاصرة" وحاكوا شخصية المفكر عبدالله أوجلان وقد استعرضوا تاريخه وسيرته ومؤامرة اعتقالته وما واجهه فضلًا عما قدم من أفكار.

وقد كان من الأهمية بمكان استضافة هؤلاء الطلاب للوقوف أكثر على هذا التجربة المتميزة والتي كانت موضع تشجبيع كبير لا سيما من المهتمين بأفكار هذا الرجل العظيم عبدالله أوجلان، وهذا بالتأكيد في حضور القامة والقيمة الأكاديمية المصرية الكبيرة الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ بكلية الآداب بجامعة دمنهور والذي كان أول المتحدثين في هذا اليوم النقاشي.

في هذا السياق، قال الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام إن فكرة محاكاة المفكر الكردي عبدالله أوجلان أتت في إطار بحثه المستمر عن الوسائل التي من شأنها نقل الثقافة التاريخية العلمية بمنتهى السهولة وربطها بكل وسائل المعرفة، وفي هذا السياق تم تنفيذ عشرات التجارب في إطار الخروج عن الإطار التقليدي لعملية تدريس التاريخ، منها محاكاة القضية الكردية وأفكار المفكر عبدالله أوجلان.

وقد أعرب الطلاب الذين نفذوا المحاكاة عن سعادتهم بهذه التجربة الثرية، التي أعطت لهم فرصة التعرف على أفكار شخصية مثل عبدالله أوجلان بما قدم من كتابات تثري الحياة الثقافية والفكرية في منطقة الشرق الأوسط، وما قدم من تضحيات في سبيل الدفاع عن أفكاره وعن شعبه ورفض محاولات طمس الهوية، لا سيما أن أفكاره ليست قاصرة على الكرد فقط بل تصلح لأكثر من زمان ومكان.

أوجلان والمرأة.. مكانة متقدمة

وفي كلمتها تحدثت الدكتورة سحر حسن أستاذة التاريخ بشكل مستفيض عن مكانة المرأة في فكر عبدالله أوجلان لا سيما وجهة نظره بأن المرأة هي الأساس وهي مفتاح الحياة وكانت دائمًا في كتاباته عنوانًا لـ"الحياة الحرة"، فالمرأة هي قلب المجتمع النابض، حيث ناضلت المرأة الكردية على مر التاريخ ضد العنف وقدمت كثيرًا من صور التضحيات.

وأضافت أن الفضل يعود إلى المفكر عبدالله أوجلان في حصول المرأة على حقوقها، لأنه تبنى قضية المرأة وتعمق في مشكلاتها ووضع يده على التفاصيل العميقة لأزماتها، ومن هنا شرح الوسائل التي تزيل العوائق التي تواجه المرأة، كما أنه تناول قضية المرأة في إطار تناوله لقضية التحرر الوطني وقد طرح بعض المفاهيم الخاصة بالمرأة ودعم نضالها في مختلف المجالات، كما أكد دورها الجوهري في المجتمع، منتقدًا أي ممارسات لتهميشها أو التقليل منها، مؤكدة قناعته بأن المرأة محور الحياة أو الحياة بذاتها.

الكاتبة الصحفية المهتمة بشؤون المرأة فاتن صبحي سلطت بدورها في كلمتها الضوء على مكانة المرأة في أفكار عبدالله أوجلان بحديثها عن علم الجنولوجيا أو علم المرأة الذي يقدم بديلًا عمليا وناجحًا بالنسبة لقضايا المرأة مقارنة الأفكار الفيمنستية، مستشهدة بما قاله أوجلان من أن تحرير المجتمع يبدأ من تحرير المرأة، وأن الأخيرة إذا لم تنهض من نفسها فإنها لن تنهض، وبالتالي البداية من عندها وعلى المجتمع تقويتها لتنهض بنفسها.

وأكدت أن أفكار أوجلان تؤكد أن الحياة لديه تقوم على فكرة التشاركية بين الجميع بما في ذلك الرجل والمرأة، ومواجهة الاستبداد في المجتمع لا سيما تجاه المرأة، على نحو يمثل أهمية في مواجهة الاستعمار والابتعاد عن مجتمع مشتت مليء بالصراعات.

معضلة الدولة القومية وطرح الأمة الديمقراطية

وقد ذهبت الحلقة النقاشية للتعمق أكثر في الجوانب الفكرية لدى عبدالله أوجلان لا سيما رؤيته فيما يتعلق بمفهوم الدولة القومية ومفهوم الأمة الديمقرطية الذي طرحه كبديل للتخلص من الأزمات والعقبات التي خلقها المفهوم الأول أمام شعوب منطقة الشرق الأوسط المختلفة.

في هذا السياق، يؤكد الأكاديمي المصري الدكتور علي ثابت أن أوجلان طرح مفهوم الأمة الديمقراطية كبديل لتأسيس العلاقات بين الشعوب التي تعيش داخل حدود جغرافية بعينها، لا سيما مع ارتباط فكرة الدولة القومية بطمس الهوية وتطورها في بعض المراحل إلى نوع من الفاشية تقوم على الدمج ومحو الهوية، وقد كان الشعب الكردي أبرز من دفعوا ثمنه ومن ذلك توزيع الكرد بين 4 دول.

وقد اعتبر أن الدولة القومية هي سبب كثير من المشكلات التي تعاني منها دول الشرق الأوسط حتى الآن، وقال إن البدائل التي طرحها أوجلان للدولة القومية كان الغرض منها تحقيق التعايش السلمي بين شعوب المنطقة، بدلًا من طمس الهوية وعمليات الدمج والصهر ومحاولات فرض مناهج ثقافية بعينها على نحو يجعل المنظومة الدولية تستفيد على الدوام، معتبرًا أن أفكار أوجلان أتت كمحاولة لإخراج المنطقة من هذه المشكلات.

بدوره، قال الباحث المصري أحمد محمد إنبيوة الذي تركز حديثه حول مفهوم الأمة الديمقراطية الذي طرحه عبدالله أوجلان في كتاباته في مواجهة مفهوم الدولة القومية، إذ قال إن الطرح الذي قدمه يعود إلى فكرة مركزية وهي أن الشعوب هي مالكة الأرض وأصحاب الحق قبل النظام السياسي الذي أدى إلى قيام نموذج أوليجاركي رأسمالي يعبر عن مصالح من هم في السلطة وليس مصالح الشعوب.

وشدد إنبيوة على أن مفهوم الأمة الديمقراطية يقدم أبعادًا أعمق جرى ترجمتها في تجربة الإدارة الذاتية بمناطق شمال وشرق سوريا وتحويل الأفكار إلى واقع قابل بدرجة كبيرة للتطبيق، وبالتالي جاء طرح أوجلان كحل لمواجهة جبروت الدولة القومية، فتقوم على التشاركية وأن الإدارة مفهوم لا دولاتي أي لا يتم إعطاء حائزها سلطات إضافية أو تتحول النخبة بها إلى مجرد سلطة تتنازل عن جزء كبير من أحلام الجماهير، وإنما تكون السلطة فيها قائمة على الشفافية ويكون الجميع فيها مؤهلًا للإدارة، مشيرًا إلى أن الأمة الديمقراطية من شأنها تسكين ثوران الغضب المجتمعي وتحقيق درجة ما من العدل السياسي للشعوب المقهورة والعاجزة عن تحقيق التحول الديمقراطي.

مساحة للتعايش.. تجربة الإدارة الذاتية

في ضوء النقاش حول نموذج محاكاة أوجلان في جامعة دمنهور، أكدت السيدة ليلى موسى ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في مصر "مسد" طبيعة العلاقات التي تجمع بين العرب والكرد، لا سيما أن الشعب الكردي من الشعوب الأصيلة لمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة أن أفكار القائد عبدالله أوجلان تقوم على فكرة خلق مساحات للتفاهم والتعايش بدلًا من الصراع والحروب المستمرة والتداعيات التي تفرزها.

واعتبرت موسى أن فلسفة الأمة الديمقراطية كانت سفينة النجاة بالنسبة لشعوب مناطق شمال وشرق سوريا على خلاف الثورة في المناطق الأخرى من سوريا التي افتقدت إلى النظرية ليتحول الأمر بالنسبة لديهم إلى مجرد استبدال أشخاص، ومن هنا جاءت تجربة الإدارة الذاتية في مناطق شمال وشرق سوريا كتطبيق عملي لفلسفة القائد عبدالله أوجلان وخصوصًا مفهومه عن الأمة الديمقراطية، وإعادة النظر في كثير من المفاهيم التي أنتجتها الدولة القومية، مشيرة إلى أن تجربة الإدارة الذاتية الهدف منها تلبية احتياجات المواطنين من الشعوب المختلفة على نحو يعبر عن تحقق مفهوم الأمن الإنساني.

أفكار أوجلان ومواجهة الاستعمار

انتقلت الكلمة إلى السفير شريف شاهين مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق والذي بدأ حديثه بتأكيده على الترابط الكبير بين الكرد والأمن القومي العربي، خصوصًا أن المنطقة تضم أجناسًا وأعراقًا مختلفة على مر التاريخ ويسودها تنوع فكري وثقافي استطاع أن يقدم للعالم نموذجًا يضيف للحضارة الإنسانية، مشيرًأ إلى أن الاستعمار قام لاحقًا بمحاولة سلب هذه المنطقة من ثرواتها لتهب في وجه هؤلاء المستعمرين.

وتحدث السفير شريف شاهين عن مفهوم الدولة القومية الذي جزأ هذه المنطقة وخلق دولًا عربية متنافسة وكذلك دولًا إقليمة منافسة للعربية، وقد تجزأت بشكل لا يسمح لها بالدفاع عن نفسها إلا إذا قامت بتطبيق أفكار خارج الصندوق، وبالتالي فما استطاع أن يقدمه لنا أوجلان هو مشروع مستقبلي يطرح فكرة خارج الصندوق لمواجهة المشروع الاستيطاني الاستعماري الجديد للمشرق العربي.

وآوضح  أن الدولة الديمقراطية أو الأممية التي تتكون من شعوب متجانسة والمستوحاة من أفكار أوجلان هي التي تستطيع استعادة حيويتها الثقافية والفكرية، مشددًا على أن الشعب الكردي إن استعاد هويته فإنه سيلعب دورًأ رئيسيًا في مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، كما أنه بدون حل القضية الكردية لن تحل القضية الفلسطينية.

حرية أوجلان.. مبادرات تتعدد

وفي ظل ما يعاني منه المفكر عبدالله أوجلان من ظلم وغبن لا سيما مع تجريده وعزلته، تعدت المبادرات التي تطالب بالحرية له، حسب حديث الباحث السياسي أحمد شيخو، الذي أشار إلى أن اعتقاله جاء في إطار مؤامرة دولية وقد قضى حتى الآن 26 سنة في السجن رغم أنه كان محكومًا عليه بمؤبد فقط، وخلال فترات كثيرة تم حرمانه من لقاء محاميه وذويه في إطار عزله عزلة تامة خلال السنوات الأخيرة.

وأوضح شيخو أنه خلال الأربع سنوات الأخيرة تم قطع التواصل بينه وبينه أهله ومحاميه في تجاوز من قبل السلطات التركية لكل القوانين، ومن هنا انطلقت المبادرات التي تشمل مثقفين وأساتذة جامعات في أوروبا ودول عربية بهدف تشكيل ضغط على السلطات التركية والمنظمات الحقوقية على الأقل من أجل السماح للمحامين بلقاء أوجلان.

وأشار إلى المبادرة العربية لحرية أوجلان التي أطلقها مثقفون وكتاب وسياسيون مصريون والذين يعقدون المحاضرات والندوات بانتظام للتعريف بفكره، ولفت كذلك إلى أن هناك حملة أخرى انطلقت في أوروبا لا سيما أن هناك جالية كردية تضم حول 3 ملايين في القارة العجوز وتقيم الفعاليات والاتصالات مع دوائر صنع القرار هناك.