وكان سياسيون عراقيين صرحوا قبل أيام أنهم رصدوا تحركات لقوات أمريكية باتجاه الحدود مع الجارة سوريا، لكنهم لم يعرفوا بعد أية تفاصيل عن أسباب تلك التحركات التي وصفوها بالغامضة والمريبة، والتي تزامنت في الوقت ذاته مع الاشتباكات التي شهدتها مدينة دير الزور الاستراتيجية بين قوات سوريا الديمقراطية وفصائل تدعمها إيران وتركيا وحكومة دمشق.
دلالة انتشار القوات الأمريكية
يقول الدكتور تيسير عبد الجبار الألوسي المحلل السياسي العراقي، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إننا نسمع باستمرار عن الوجود الأمريكي كما نسمع ترديد عبارات استعراضية أو مضللة تريد إخفاء حقيقة أو أخرى، لكننا بجميع الأحوال ينبغي أن نحدد غاية الوجود الأمريكي من جهة، وزيادة حشد قواته من جهة أخرى، إذ تؤكد الوقائع أن تحشيد تلك القوات ليس استبدال كتيبة بأخرى ولا حتى مجرد إعادة انتشار فعددها يتضخم وتموضعاتها باتت بحالة انفتاح قتالي حقيقي.
وأوضح "الألوسي" أن السبب يمكن تبينه عبر ما يجري على الأرض حالياً سواء شرق الفرات أو في كركوك بمعنى الانفتاح سورياً عراقياً، والقضية بوضوح تتعلق بقراءة هوية ما تبيته قوى إيرانية أو ميليشيات تحتكم وتدار من طرف جنرالات إيرانية وتستهدف وجود تلك القوات من جهة وتستهدف سلطة الإدارة الذاتية وفرض سطوة إيرانية على المنطقة بمحاولة منها لاستكمال طريق بين طهران وموانئ البحر المتوسط يضمن لها الدعم المباشر لميليشيا حزب الله.
ولفت كذلك إلى مساعي طهران لفتح ممر إيراني، وهذا يعني اصطدام فعلي ميداني وسيكون معلناً مفضوحاً إذا ما استمرت تداعياته في ظل الانتشار الأمريكي على الحدود، إذن أن هذا الانتشار وكثافته يقوم على احتدام الصراع بين طرفيه، فيما العراق لا يمتلك إمكانات التحدي سوى بكلمات جوفاء عن السيادة وعن فرض شروطه على هذا الوجود، بخلاف حراك طهران التي توجهت إلى تركيا بقصد إيجاد فرصة لتجميد أي شكل للاختلاف والصراع معها لصالح الاستمرار بفرض نظام بشار الأسد.
انتشار في مواجهة إيران
ويقول "الألوسي" إن علينا ألا ننسى أنه استراتيجياً وجود قوات أمريكية ضرورة بوجه أي تهديد لإسرائيل وهو استكمال للقوات المنتشرة بالخليج العربي، وبالتالي فإن الانتشار الأمريكي يقف بوجه التمدد الميليشياوي الإيراني ومن ثم يؤخر عبثها بالمنطقة سواء المباشر أو غير المباشر.
ويرى الأكاديمي العراقي أن هذا الانتشار ربما يثير أو يفتح تفاقماً للصراع مع روسيا، لكن هذا ينضبط بالتوازنات بين القوى الكبرى فيما يؤثر بقوة في القوى الإقليمية التي باتت تبحث عن التهدئة من قبيل إعادة العلاقات مع السعودية، وبصورة أكبر تطبع مع أردوغان لأنه بوابتها المحتملة لفتح دروب تقاسم النفوذ بسوريا الجديدة.
وفي ختام تصريحاته، يرى "الألوسي" أنه لا بد من القول إن هذا الوجود الأمريكي قد يساعد تكتيكياً، لكنه وكل أشكال الوجود الأخرى سيظل استراتيجياً غريباً على تلبية مصالح شعوب المنطقة والأمن والسلم الدوليين، إذ أنه كوضع برميل بارود قابل للتفجر بأي وقت، لذا كان واجباً اليوم التخلص أولاً من كل أشكال الوجود الميليشياوي والبحث في تطمين التحالف الاستراتيجي العربي الكردي والارتقاء لمستوى مسؤولية التعبير عن الأهداف السامية للشعوب.
واقع منطقة الحدود بين سوريا والعراق
وكانت صحيفة الوطن اليومية الموالية لحكومة دمشق ذكرت أن القوات الأمريكية تخطط لإغلاق الحدود في قاعدة عين الأسد الجوية، ووفقاً للتقرير، فإن واشنطن لم تقدم بعد أسبابا محددة لهذه الخطط، كما يقول التقرير إن هذه الخطوة تأتي في أعقاب قيام الجيش الأمريكي بإرسال حافلات جديدة من الشاحنات العسكرية التي تنقل الأسلحة والإمدادات اللوجستية إلى محافظة الحسكة الغنية بالنفط في سوريا من العراق.
ويعد الطريق بين القائم والبوكمال طريق وصول رئيسي للميليشيات المدعومة من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني الذي ينقل الأسلحة والأفراد إلى سوريا في ظل دعم طهران المفتوح لنظام بشار الأسد، والذي إلى جانب روسيا لعب دوراً مفصلياً في قلب دفة الموازين على الأراضي السورية لصالح حكومة دمشق، حيث تحظى الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وغيرها من الجماعات الموالية للأسد بحضور كثيف حول البوكمال على الجانب السوري من المعبر.
وقد انسحبت القوات الأمريكية من القائم وسلمت المنطقة إلى السيطرة الكاملة لقوات الأمن العراقية في عام 2020 وسط انسحاب أمريكي أوسع بعد الهزيمة الإقليمية لتنظيم داعش على بعد أميال قليلة خارج الحدود في شرق سوريا، وفق ما ذكر تقرير لمجلة "المونيتور" الأمريكية.
حديث عن يقظة أمريكية
بدوره، يقول محمود الشناوي مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنها تيقظت للتحركات الإيرانية الكبيرة التي تتم بالتنسيق مع روسيا وتركيا بالتعاون مع نظام بشار الأسد لفرض الهيمنة الكاملة على تلك المناطق، والعمل المشترك على إقصاء النفوذ الأمريكي.
وأعرب "الشناوي" عن رؤيته بأن ما يجري في تلك المناطق من تحشيد عسكري أمريكي لا ينفصل عن هذه الوضعية، وكذلك لا ينفصل عما جرى في مدينة دير الزور، لا سيما أن أنقرة وطهران ودمشق تتشارك جميعا في مسألة العداء للمكون الكردي، وهم يرون أن القضاء على الكرد في تلك المناطق يعني ضربة موجعة للنفوذ الأمريكي.
ولفت الكاتب الصحفي المصري الذي سبق له العمل بالعراق إلى أن أمريكا لن تترك لإيران وروسيا التفرد بالنفوذ، ومسألة محاولة فرض النفوذ هذه ترتبط بمخطط لتعريب المناطق الكردي تتلاقي فيه مصالح طهران وأنقرة ودمشق، سواء بالهجمات التي تمت أو عبر إعادة اللاجئين من تركيا إلى مناطق بالشمال السوري وليس إلى مناطق هجرتهم الأصلية.
والجدير بالذكر، أنه ورغم تأكيدات العديد من المصادر العراقية والسورية بشأن انتشار القوات الأمريكية، إلا إن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" نفت أن تكون قواتها التي تقاتل تنظيم "داعش" الإرهابي قد تحركت لمنع وصول الميليشيات المدعومة من إيران إلى المعبر الحدودي الرئيسي بين العراق وسوريا، مؤكدةً أن القوات الأمريكية لا تشارك في أي عمليات لأمن الحدود بين البلدين.