عبدالله أوجلان.. فكرة لن تموت
قد يري البعض أن المفكر والقائد أوجلان مقيد في محبسه واعدائه هم الطلقاء ولكنه العكس من ذلك فهو يحلق بأفكاره في رحاب الحرية وهم سجناء أوامر الرأسمالية.
قد يري البعض أن المفكر والقائد أوجلان مقيد في محبسه واعدائه هم الطلقاء ولكنه العكس من ذلك فهو يحلق بأفكاره في رحاب الحرية وهم سجناء أوامر الرأسمالية.
"إن سبب ذهابي إلى أوروبا هو خلق ظروف الحل السلمي والديمقراطي من أجل "المسألة الكردية" وكنتُ اعتقد أن "الحضارة الأوروبية" يمكن أن تكون أفضل أرضية للحل المعاصر للقضايا السياسية والاجتماعية" ولكن…
بهذه الكلمات الحالمة لمستقبل أفضل للكرد خرج القائد عبدالله أوجلان من سوريا حاملا معه طموحات وآمال الكرد في بناء وطن قومي يضمهم و يساهم في الحفاظ علي تراثهم الانساني و يحقق حلما لطالما مرت السنون عليه حتى يتحقق ولكن للآسف تبخرت هذه الآمال المشروعة على عتبات مؤامرة دولية نسجتها قوى الشر العالمية لؤد هذه الفكرة في مهدها فكان المخطط القذر الذي تبنته عدة دول عالمية من أجل مناهضة جهاد القائد أوجلان ضد الرأسمالية الإمبريالية التي طحنت الشعوب وخطفت منها أحلامها المشروعة في الحرية والديموقراطية التي يتشدق بها الغرب وحرمت منها دول جنوب العالم.
ولقد بدأت المؤامرة الدولية من يوم 9 أكتوبر\ تشرين الأول من العام 1998 حتى أحكمت عُقدِها بعد 130 يوما في نيروبي بكينيا في يوم 15 من فبراير\ شباط من العام 1999 لتضع الزعيم التاريخي للكرد رهن محبسه في جزيرة إمرالي.
ماهي الأسباب التي أدت لخروج القائد عبد الله أوجلان من سوريا؟
يشير القائد عبدالله اوجلان في كتابه "مانيفستو الحضارة الديمقراطية" إن من أسباب خروجه من سوريا هو "مؤامرة غلاديو الكبري" وحركة التمشيط التي اتبعتها هذه الشبكة التابعة للناتو هذا بجانب حالة الاستقطاب بين قادة الجيش التركي بين مؤيد للحوار مع قادة لـPKK وبين الرافضين لهذه الفكرة ولكن يبدو أن الامور في تركيا دانت للتيار المعارض للحوار مع الكرد وهو التيار المناصر للحرب والإبادة ولكن ليس هذا فقط فهناك دعم كبير من اسرائيل وامريكا للخلاص منه، وعشية خروج القائد عبدالله اوجلان أصرت الاستخبارات الاسرائيلية علي الإيماءة بضرورة خروج القائد أوجلان من سوريا وبعد الانذار الاخير الذي اطلقه "اتيللا أتيش" باسم غلاديو الناتو والذي لم يقابله رفض سوري أو حتى دعم من سوريا لبقاء القائد بأرضها وكأنها تحتجب به لما تنتظره سوريا بمخاوفها من اجتياح تركيا من الشمال وهجوم إسرائيلي عليها من الجنوب فلهذا لم تقدم الدعم للحفاظ على طرح القائد أوجلان لنيل الحرية للكرد أما موقف روسيا فكان ذليلاً أكثر من سوريا فقد أرغمت اوجلان على الرحيل من موسكو مقابل مشروع "التيار الازرق" وقرض من صندوق النقد الدولي مقداره 10 مليارات من الدولارات ولكن هنا نقطة هامة وهي لماذا هذا التصعيد من قبل تركيا ودول الرأسمالية العالمية علي الرغم من مقاربة إقرار السلام بين الكرد والاتراك ولكن ما حدث من انقلاب تركي علي "تورغوت اوزال" و "نجم الدين اربكان" المرحبان بجدية في اقرار السلام مع الكرد والذي كانت خلفه كل من اسرائيل وامريكا هو ما يؤكد انهما لم يكونا في مصاف الحل السلمي والسياسي آنذاك بل عبثا بأيدي دامغة علي تعطيل هذه الخطوة التاريخية حتي لايكونا تحت بيدق السلام بين الغريمين ومن ثم نزع تواجدهما غير المشروع في هذه المنطقة .
رحلة القائد عبد الله اوجلان عبر الحدود
غادر أوجلان سوريا بعد تهديد تركيا بشن حرب عليها ما لم تنه إقامته وتوقف دعمها لحزبه ورضخت سوريا في نهاية المطاف للضغط التركي وغادر أوجلان سوريا في شهر أكتوبر\ تشرين الأول 1998. وكانت المخابرات الاسرائيلية الموساد ترصد تحركات أوجلان في سوريا بعدها توجه أوجلان في البداية إلى إيطاليا وبعدها توجه إلى روسيا ومنها إلى اليونان وفي نهاية المطاف توجه إلى كينيا في السفارة اليونانية هناك، وقد حذرت واشنطن روسيا وكل الدول الأوروبية من مغبة منح المأوى لأوجلان مما أجبر الحكومة اليونانية على اللجوء لهذا الخيار وعدم الترحيب بأوجلان.
الدور الأمريكي والإسرائيلي في القبض على أوجلان
إن الضغط الدبلوماسي والأمني الذي مارسته واشنطن لمدة 4 أشهر مكنت في النهاية تركيا من اعتقال أوجلان وهو ما أكده رئيس أركان الجيش التركي السابق" إيلكر باشبوغ"في قوله إن الولايات المتحدة سلمت عمليا تركيا أوجلان وذلك بهدف تحييده والسيطرة على الحزب حسب رأيه.
ومارست الولايات المتحدة ضغوطا دبلوماسية هائلة على جميع الدول التي حطت طائرة أوجلان فيها وفي نهاية المطاف لم يعد أمامه ملاذ آمن يمكن أن يلجأ إليه إلا كينيا ولأن المصائب لا تأتي فرادى تزامن وصول القائد أوجلان إلى نيروبي مع وجود نحو 100 عنصر أمن ومخابرات أمريكيين في العاصمة الكينية كانوا يعملون مع الجانب الكيني في التحقيق في الهجوم الإرهابي الذي استهدف السفارة الأمريكية بنيروبي في أغسطس \ آب 1998.
فاكتشف الجواسيس الأمريكيون وجود أوجلان في القنصلية اليونانية في نيروبي فوراً وضعوا البعثة الدبلوماسية اليونانية هناك تحت المراقبة ورصدوا الاتصالات الواردة والصادرة منها ومن بينها الهاتف الخلوي لأوجلان ذاته وأبلغت المخابرات الأمريكية الجانب التركي بمكان تواجد أوجلان.
ظل أوجلان في القنصلية اليونانية في نيروبي لمدة أسبوعين تم خلالها وضع الترتيبات لكيفية الإيقاع به وشارك فيها الجانب اليوناني والكيني والأمريكي والتركي، وعندما حاول الذهاب إلي هولندا علمت تركيا بهذه الخطوة فسارعت إلي حليفتها الصهيونية إسرائيلي وتدخلت لدي رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك "نتنياهو" من أجل رصد تحرك الزعيم وقامت إسرائيل بتذويد تركيا بالمعلومات الاستخباراتية الدقيقة عن موعد السفر و نوع الطائرة التي سيستقلها القائد عبدالله اوجلان ورفاقه وهنا كانت المكيدة بوجود طائرة مشابهة ولنفس الطراز ولكنها مدججة برجال الاستخبارات التركية وأقنع الجانب الكيني أوجلان بمغادرة القنصلية والتوجه إلى المطار كي يغادر إلى هولندا فركب سيارة يقودها ضباط أمن كيني بحجة التوجه إلى المطار لكن بدلا من ذلك توجه إلى مكان تواجد فريق كوماندوز تركي كان بانتظاره فعاد الفريق الى تركيا بصيده الثمين وهو ما حاولت الولايات المتحدة نفيه في بداية الأمر لكن التقارير التي خرجت بعد ذلك أثبتت العكس فقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول في إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون قوله إن الولايات المتحدة عملت على "معرفة مكانه، وأين كان يذهب، وكيف يمكننا تقديمه للعدالة" وهو بذلك يشير إلي القائد أوجلان وبدأت رحلة الاختطاف من نيروبي إلي انقرة ومنها إلي القاعدة العسكرية في امرالي وكان ذلك في يوم 15فبراير من العام 1999 وبذلك تحققت مقولة "اهرب يا أرنب .. امسكه يا كلب الصيد" وبذلك استطاعت الرأسمالية ممثلة في امريكا ودول الاتحاد الأوروبي بجانب اسرائيل من اذكاء الصراع بين الكرد والاتراك لتكتب مرحلة جديدة من السلطوية التركية في مجابهة الكرد.
لحظة القبض على الزعيم التاريخي عبد الله أوجلان
مشاهد نادرة التقطتها إحدى الكاميرات للزعيم اوجلان وهو مُختطف من قِبل الاتراك داخل الطائرة أراد من التقطتها إبراز النجاح الكبير في كسر هيبة القائد اوجلان، إلا أن هذه اللقطات أثبتت عكس ذلك فقد رصدت الكاميرا علامات الثبات والثقة بالنفس فلم يجزع القائد من هذه الضمادة التي أخفت عينيه بل كانت حاجز عبر منه لنور الحرية الأبدية حاملا معه فصلًا جديدًا من التحديات بما يؤمن به و يستحق العيش من أجله حتى يتحقق حلم الحرية للكرد ليبدأ بعدها رحلة جديدة من الكفاح والنضال المستميت عن شرف قضيته وقضية الكرد الإنسانية ضد الرأسمالية الإمبريالية حتى الآن.
إمرالي.. جزيرة النسيان
إمرالي هي جزيرة تركية صغيرة في جنوب بحر مرمرة. بها سجن شديد الحراسة كان الزعيم الكردي عبد الله أوجلان ـ زعيم حزب العمال الكردستاني ـ نزيله الوحيد منذ اعتقاله سنة 1999 وحتى سنة 2009، قبل أن يُنقل إليه عدة سجناء آخرين في نوفمبر \تشرين الثاني 2009 وقد أعُدم بجزيرة إمرالي سنة 1961 ثلاثة من السياسيين الأتراك هم عدنان مندريس وفطين رشدي زورلو وحسن بولاتكان لذا فالطيران فوق الجزيرة أو الصيد بقرب سواحلها محظوراً.
كانت محطة امرالي نقطة تلاقي المؤامرات الدولية على القائد اوجلان فما إن وطئت قدماه الجزيرة حتى أيقن ما يدور بخلده فقد كان في استقباله الجنرال " أنكين آلان" رئيس الغلاديو التركي بجانب مسئولة المفوضة الاوروبية برعاية السياسة الاميركية هذه الحبكة الثلاثية اكدتها تصريحات المستشار الخاص للرئيس الاميركي بيل كلينتون " الجنرال جالتيري " وهو ما ساهم في خلق أجواء تومئ بسحق الكرد وقمعهم فقد استطاعوا من خلال القبض على أوجلان تحقيق العديد من الأهداف كان من أهمها التخلص من حجر العثرة أمام أحلامهم بتمزيق شمل الكرد داخل حدود عدة دول تعمل على إجهاض حلمهم فضلا عن خلق شرق أوسط كبير تذوب فيه الفواصل الجغرافية وطمس الهوية ودعم زرع اسرائيل بسلام زائف على الشعوب العربية فالعالم في تلك الأيام كان شاهد عيان علي سيادة الفاشية الليبرالية وكان حزب العمال الكردستاني علي تناقض كبير مع هذه الأيديولوجية لذا وجب التخلص منه ومن رموزه حتى يفسح المجال أمامهم
محاكمة غير عادلة لمن يبحث عن الحرية
من أجل اضفاء الشرعية علي سجن القائد اوجلان نصبت له محكمة معصوبة العينين طليقة اليدين بظلم تكاتف فيه دول كبرى من أجل إسكات صوت الحرية فقد اتهمت محكمة تركية اوجلان بالخيانة وحكمت عليه بالإعدام في عام 1999 متذرعة بادعاء كاذب وهو تسبب أوجلان في مقتل ما يزيد أكثر من 40 ألف شخص منذ حمل مقاتلو حزب العمال الكردستاني السلاح ضد الدولة التركية عام 1984 من أجل إقامة وطن للكرد في جنوب شرق تركيا لكن الحكم خفف إلى السجن المؤبد في نهاية 2002 بعدما ألغت تركيا عقوبة الإعدام بضغط من الاتحاد الأوروبي الذي تتفاوض معه تركيا من أجل الانضمام إليه كجزرة تضغط عليها من أجل تحقيق ما تريده الدول الكبرى.
سارع الزعيم اوجلان بكتابة دفوعه بجانب محاميه وتقديمها إلى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان والتي قالت في بداية الأمر إن محاكمة أوجلان غير نزيهة لتجبر تركيا على تحدي غضب داخلي وتأمر بإعادة محاكمته وذلك بين عامي 2003 و2005 بيد أن قضاة المحكمة الاوروبية رفضوا التماسا من محامين عن اوجلان الذين اتهموا أنقرة بعدم احترام الأوامر وكانت المفاجأة في حيثيات المحكمة "إن لجنة الوزراء وليس المحكمة الأوروبية هي المخولة ببحث ما إذا كانت الدول تنصاع للأحكام التي تصدرها أم لا".
حتى جاء فبراير \ شباط من العام 2007 حيث تنازلت لجنة الوزراء بمجلس أوروبا والمعنية بالإشراف على تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عن دعوتها لأنقرة بإعادة فتح القضية قائلة آن تركيا أوفت بالتزاماتها.
وكانت محكمة تركية قد بحثت الطلب ورفضته ونتيجة لذلك قررت اللجنة إنهاء نظرها في القضية وأشارت المحكمة الأوروبية الى إنه لم تظهر عوامل جديدة منذ اتخذت لجنة الوزراء قرارها وخلال هذه الفترة الطويلة التي لامست الربع قرن من الزمان وصف القائد أوجلان في السجن الانفرادي في إمرالي في ظل نظام التعذيب والإبادة الوحشية فضلا عن تعرضه لعقوبات العزلة ولا يسمح له بالتواصل مع الخارج بأي شكل من الأشكال و العمل على منعه من لقاء محاميه وعائلته فسجن جزيرة إمرالي ليس هناك أي معايير قانونية او إنسانية أو أخلاقية وعلي الرغم من ذلك فإن اللجنة الأوروبية لمناهضة التعذيب في المعتقلات (CPT) وجميع الدوائر المعنية يلتزمون الصمت حيال هذا النظام الوحشي المناهض للقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة بل إنه ضد الأعراف الإنسانية لأن نظام الإبادة في إمرالي طبق بدعم وموافقة السلطات ودول الحداثة الرأسمالية العالمية ليظل محكوم الحجرة الانفرادية من نمط F في سجن إمرالي المغلق "عبدالله أوجلان" قيد محبسه مقيدا من حريته و محروما من حقوقه الإنسانية إلا أنه ما زال ينبض بمعين الحرية للكرد في بقاع الأرض متسما بعبير الحرية في كل حراك يساهم في الحفاظ على هوية الكرد.
قد يري البعض ان اوجلان مقيد في محبسه واعدائه هم الطلقاء ولكنه العكس من ذلك فهو يحلق بأفكاره في رحاب الحرية وهم سجناء أوامر الرأسمالية.
هاني الجمل، باحث في شؤون الإقليمية والدولية