عمل مستهجن
كشف العقيد عادل عبد الكافي، المستشار العسكري والاستراتيجي للقائد الأعلى للجيش الليبي سابقاً، أن ما فعلته نجلاء المنقوش وزيرة حكومة الوحدة الوطنية يعتبر تجاوز كبير وخطير في ظل الأوضاع الحالية التي تمر بها ليبيا وتمر بها المنطقة، والرفض الشعبي الكبير لمحاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، ويضر هذا الأمر بالعلاقات الخارجية لحكومة الوحدة الوطنية في محاولة تسويق وإظهار ان هذه الحكومة أتت لإدارة الانتخابات في داخل ليبيا، وإنهاء حالة الانقسام والفوضى التي تمر بها ليبيا، وأن لا تتعدى ذلك والوصول لملفات أكبر.
وأكد عبد الكافي في تصريح خاص لوكالة فرات، أن دبيبة أوضح أنه لا علم له بهذا الأمر، أو لا يوجد تنسيق بينهما حول أمر التطبيع، وما يثبت ذلك هو إحالتها للتحقيق، وهي هربت خارج الأراضي الليبية إلى تركيا ومنها إلى لندن، وأنها أدخلت أنفها في ملف شائك وخطير يهدد أمن واستقرار المنطقة كلها، وهناك سخط شعبي هام بشأن الدول التي تطبع مع الكيان الصهيوني.
محطة انتقال في رحلة هروب
وأضاف المستشار العسكري والاستراتيجي للقائد الأعلى للجيش الليبي سابقاً، أن تركيا كانت محطة انتقال عندما أقلعت الطائرة من الأراضي الليبية في رحلة الهروب بعد التجاوز الذي قامت به، وقيام المواطنين بحصارهم لوزارة الخارجية، فهربت من ليبيا لتركيا ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة وأن لديها الجنسية الأمريكية.
وبين عبد الكافي، أن تركيا لم تلعب دور مباشر في اللقاءات بين المنقوش وإسرائيل، ولكن الأطراف الدولية التي كان لها دور في الأمر هم إيطاليا في المقام الأول والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى فرنسا، فهم يدفعون الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وأشار المستشار العسكري والاستراتيجي للقائد الأعلى للجيش الليبي سابقاً، إلى أنه دار حول هذا الموضوع الكثير من اللغط، ولكن الحقيقة أن طائرة المنقوش توجهت من مطار معيتيقة إلى تركيا ومكثت بها يوم أو يومين إلى حين الترتيب والتنسيق لها للسفر إلى دولة أخرى، خاصة وأنها تحمل الجنسية الأمريكية.
سمسار التهريب في صفقة التطبيع
"عملت وكيلاً لواشنطن لتهريب المنقوش" بتلك الكلمات أوضح عز الدين عقيل، المحلل السياسي الليبي ورئيس حزب الائتلاف الجمهوري، أسباب فرار وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش إلى تركيا عقب طردها من حكومة الدبيبة، مبيناً أن الدبلوماسية الأمريكية والبريطانية دبلوماسية ثقيلة ومعقدة، وفي اللحظات الأخيرة لا تتورط العاصمتين في استقبال الفارين والهاربين من بلادهم وهو ما حدث مع وزيرة الخارجية الليبية، رغم أنهما من خططا للقاء المنقوش وكوهين، وهو ما حدث مع قادة سابقين تعاونوا معهم مثل شاة إيران وبن علي، ولكنهما يستخدمان عاصمة ثالثة للقيام بهذا الدور ولهذا وقع الاختيار على تركيا وهي السمسار الأمريكي في ليبيا للقيام بهذا الدور.
وأكد عقيل في تصريح خاصة لوكالة فرات، أن أنقرة لم تلعب دور بين المنقوش وإسرائيل وإلا لطالبت وابتزت تل أبيب بالعديد من الطلبات وتاجرت بالقضية من أجل الحصول على هذا النصر السياسي بالتطبيع مع الحكومة الليبية، وهو ما قد يحدث مستقبلاً، ولكن واشنطن هي اللاعب الأكبر ومن مارست الضغوط على الدبيبة مثلما فعلت مع غيره من الحكومات العربية، حتى السعودية نفسها لم تنجوا من تلك الضغوط.
وأضاف المحلل السياسي الليبي ورئيس حزب الائتلاف الجمهوري، أن هناك عدة أسباب دفعت واشنطن ولندن لاختيار تركيا، ومنها العلاقات القوية بين حكومة الدبيبة وأنقرة، وثقة أطراف الحكومة الليبية في الأتراك وأنهم يمكن أن يقوموا بحمايتهم في حال حدوث أي مكروه، غير الاتفاقات السرية بين واشنطن وأنقرة مما جعل الأخيرة تقوم بدور السمسار لنقل المنقوش إلى حين ترتيب سفرها إلى لندن.
وبين عقيل، أن هناك أسباب لوجستية دفعت الغرب لهذا الخيار، ومنها أن أنقرة أقرب نقطة تلجأ إليها المنقوش لاسيما مع سهولة الطيران بين طرابلس وتركيا، وحب الوزيرة الليبية للأجواء التركية، خاصة أنه بعد ساعات فقط من رحيلها أضرم المتظاهرون النار في وزارة الخارجية، وإذا ظلت في طرابلس لأكثر من ذلك ربما كانوا سيحاصرون منزلها، مشيراً إلى أن المنقوش قامت بعدة لقاءات مع أطراف تركية لدى رحيلها من ليبيا وشرحت لهم الأمر.
ابنة واشنطن المدللة
وأوضح المحلل السياسي الليبي ورئيس حزب الائتلاف الجمهوري، أن كلاً من الدبيبة والمنقوش تعرضوا لضغوط شديدة من الولايات المتحدة للقبول بالتطبيع، خاصة وأن كليهما جاءت به واشنطن في الحكومة الليبية، مبيناً أن المنقوش من الأساس لم تكن حصة الرجمة ولا هي حصة مجلس النواب ولا الدولة في الحكومة، ولا هي اختيار أو حصة دبيبة، ولا هي حصة مليشيا أو مدينة أو قبيلة بل كانت الحصة الانجلوسكسونيه بحكومة دبيبة.
وأردف عقيل، أنه لو لم تتلقى كافة الأطراف النافذة ما الجمها وأخرس ألسنتها وكسر انصال سيوفها ما كانت التخلي عن الدخول بصراع كسر عظم على منصب سيادي خطير بحجم قيادة الخارجية، ولكن الريح كانت عاتية بالنسبة لكل القوى المحلية التي برهنت على جبنها أمام الطوفان الانجلوسكسوني بقبولها لبنت المنقوش سلطانة على عرش الدبلوماسية الليبية المنهكة والمهترئة اشد الاهتراء.
سيناريوهات ما بعد فشل التطبيع
وأشار المحلل السياسي الليبي، أن دبيبة قد احترق أمريكياً، عقب سقوط مشروع التطبيع أسفل نعال الشعب الليبي قرين العلمين الأمريكي والإسرائيلي، ولعل اولى روائح شياط هذا الاحتراق، هي مطالبة السفير الأمريكي في ليبيا بتشكيل حكومة تكنوقراط جديدة، وذلك في أول تصريح له عقب اشتعال الأزمة بين بايدن ونتنياهو حول تسريب خبر اللقاء، وتأكد بايدن والصهاينة عملياً من سقوط مشروع التطبيع، علما بان ذات السفير كان يتحدى قبل ساعات فقط من انفضاح أمر لقاء التطبيع في تدوينة أخرى، كل القوى الساعية لإسقاط دبيبة التي قال عنها بأنها "قد حاولت مرارا اسقاطه ولكنها فشلت" مؤكدا ساعتها بقاء دبيبة بعبارة "عن بقاء الدبيبة ناشئ عن انهاء للحروب، وتحقيقا للاستقرار"، متغافلاً الحرب الأخيرة في طرابلس بين جهاز الردع ولواء 444 الذي تنتج عنها مئات الضحايا.
وأردف المحلل السياسي الليبي، أنه ستحقق واشنطن أمر دبيبه بفتح تحقيق مع المنقوش، وستنصب من خلاله فخا لدبيبة عبر تعمد تسريب وثائق اسرائيلية وربما اتصالات هاتفية تضع كل الأمر برأس دبيبة وحده، و سيمنح دبيبه الأمان الذي منح للسراج من قبله من الملاحقات القضائية، وذلك ما التزم الصمت وتوارى عن الانظار، بينما نجلاء المنقوش ستعود عودة الفاتحين، رغم استمرار تلوث يديها ببصمات اصابع ايلي كوهين، واقلها ستعود لتكون وزيرة خارجية حكومة التكنوقراط التي يبدو أنها قد باتت اقرب السيناريوهات الأمريكية لتغيير الحكومة الليبية، وأما الواقع الأقرب فرجوعها كرئيسة لحكومة التكنوقراط.
لقاءات متكررة وكبش فداء
بينما كشف أحمد عبد الله العبود، رئيس حزب الكرامة الليبي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازي، علينا أن نتفق بان دوراً امريكا بدأ واضحا في تسيير ورعاية عملية إقامة العلاقات والتطبيع بين حكومة الوحدة الوطنية واسرائيل فهدف السياسة الأمريكية في المنطقة هو توسيع دائرة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل.
وأكد العبود في تصريح خاص لوكالة فرات، ان هذه اللقاء الذي جميع نجلاء وكوهين في روما لم يكن الأول وإنما سبقه لقاءات متعددة بين مسؤولين في حكومة دبيبة ومسؤولين اسرائيليين وهي تحري علي اعلى مستوي بين الحكومتين، والزيارة الأخيرة كانت بعلم دبيبة.
وأضاف رئيس حزب الكرامة الليبي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازي، أن دبيبة قدم نجلاء المنقوش كبش فداء لمواجهة ردّة الفعل والغضب الشعبي، وذلك لأن نجلاء الحلقة الأضعف وهي التي قابلت وزير الخارجية الاسرائيلي والتي افاد بيان الخارجية الإسرائيلية بلقاء مع الوزير الاسرائيلي إضافة ان السيد المنقوش لا يوجد خالفها ثقل سياسي أو حزبي أو اجتماعي، مشيراً إلى أن نجلاء حتي هذه اللحظة لم تقال وانما احيلت للتحقيق فقط.
وتطرق العبود للدور التركي مبيناً أن تركيا كانت تعلم ما يحدث بين الطرفين منذ مدة طويلة، نافياً أن يكون لتركيا اي دور في تطبيع العلاقات الليبية الإسرائيلية، ولكنها لعبت دور لوجستي لأنه لا يوجد خط مباشر بين طرابلس ولندن ولذلك نجلاء ذهبت لتركيا ومنها إلي لندن.
علاقات نجلاء المنقوش مع أنقرة
كشف محمد أبو سبحة، الباحث المتخصص في الشؤون التركية، أن الشعب الليبي لا يزال يعتبر رفض التطبيع مع إسرائيل من الثوابت التي لا يمكن الحياد عنها، وبالتالي فإن تسريب اللقاء السري بين الوزيرة نجلاء المنقوش والوزير الإسرائيلي أحدث رد فعل عنيف للغاية تجاه الحكومة في طرابلس بقيادة عبد الحميد الدبيبة، ومن المتوقع أن ينهي المسيرة السياسية للمحامية الليبية، التي سبق أن صدر بحقها في 2021 قرار من المجلس الرئاسي بوقفها ومنعها من السفر، بسبب إصرار الوزيرة على العمل في ملف السياسة الخارجية بشكل منفرد.
وأكد أبو سبحة في تصريح خاص لوكالة فرات، أنه رغم أن مكان تواجد وزيرة الخارجية الليبية الموقوفة نجلاء المنقوش غير معلن رسميا، إلا أن ما أشارت إليه تقارير إسرائيلية وأخرى تركية بشأن انتقال نجلاء المنقوش إلى تركيا غير مستبعد، لأسباب من بينها اعتماد حكومة طرابلس التي يقودها عبد الحميد الدبيبة ومن قبلها حكومة فايز السراج على تركيا في الحفاظ على سلطتها في ظل الانقسام الذي تعانيه ليبيا.
وأضاف الباحث المتخصص في الشؤون التركية، أن السبب الثاني لاحتمال لجوء المنقوش إلى تركيا، هو تسوية الخلاف بين الوزيرة والحكومة التركية، إذ توقفت منذ العام الماضي عن المطالبة بسحب القوات التركية والمرتزقة من ليبيا وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن.
وبين أبو سبحة، أنه رغم أن اللقاء عقد في روما، إلا أنه من غير المستبعد أن يكون لـ تركيا دور في محاولة تطبيع العلاقات بين ليبيا وإسرائيل، لما لها من تأثير ونفوذ على حكومة طرابلس وعلاقات مع إسرائيل، الساعية نحو التطبيع مع المزيد من الدول العربية، لكن يلاحظ أن الحكومة اليمينية الحالية في إسرائيل لا تعمل بنفس الحرفية والكفاءة التي اتبعتها الحكومة السابقة من حيث عدد الدول التي نجحت في تطبيع علاقاتها معها، وطابع السرية الذي فرضته على اتفاقيات التطبيع، والرعاية الأمريكية لعمليات التطبيع.