ولطالما استخدم نظام رجب طيب أردوغان في تركيا المرتزقة والدواعش كورقة مهمة لا سيما في سوريا سواء المناطق التي يحتلها مباشرة أو خارجها، وكذلك في ليبيا لدعم الأطراف الموالية لهذا النظام، وقد كانت تلك التحركات موضع انتقادات دولية عديدة، إلا أن "أنقرة" تتجاهلها ويواصل هؤلاء المرتزقة عملهم وجرائمهم التي يمكن وصفها بجرائم حرب.
نقل المرتزقة
في هذا السياق، يقول الدكتور أرتور خاتشاتريان عضو البرلمان الأرميني، إن تركيا بالفعل نقلت مرتزقة من ليبيا وبعض المناطق في شمال سوريا مثل عفرين، وعملية النقبل كانت تتم عبر منظمة "سادات" الأمنية التركية، وهذا الأمر مثبت في كثير من التقارير الإعلامية الروسية، لافتاً إلى أن سعر المقاتل من هؤلاء ربما يصل إلى 2500 دولار أمريكي خلال 6 أشهر.
واعتبر عضو البرلمان الأرميني أن ما جرى في إقليم ناغورني كارباخ هي عملية تطهير عرقي وجريمة حرب بالتعاون بين أذربيجان وتركيا، مؤكداً أن هذه الممارسات التركية تعبر عن سياساتها التوسعية التي تقوم على أفكار الإمبراطورية العثمانية السابقة وكذلك السلاجقة، مشيراً إلى أن غالبية هؤلاء المرتزقة ينحدرون مما يسمى بالجيش الوطني السوري وفيلق الشام وفرقة السلطان مراد وفرقة حمزة، وفي واقع الأمر كل هؤلاء عناصر ومجموعات إرهابية تشارك أنقرة في الجرائم التي ترتكب.
وأعلن ماركو سوتشي، رئيس فريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر عبر رابط فيديو من عاصمة كاراباخ، أمس، أن عاصمة الإقليم لم يبق بها سوى المئات فقط من السكان، من بينهم المرضى وذوو الإعاقة وكبار السن، واصفاً الشوارع الخالية بأنها "سريالية"، وفق ما نقلت وكالة أنباء رويترز، مؤكداً أن المدينة باتت الآن مهجورة تماما، والمستشفيات لا تعمل، والأطقم الطبية غادرت، كما غادر مدير المشرحة.
تركيا والكرد والأرمن
بدوره، يقول إبراهام كاسباريان المحلل السياسي الأرميني إننا نعلم أن تركيا تربطها علاقات استراتيجية وجيوسياسية مع أذربيجان، خاصة في مجالات الطاقة والدفاع والاستخبارت رغم الاختلاف الطائفي، وخلال الـ 30 عاماً الماضية تعهدت "أنقرة" بدعم "باكو" في قضية إقليم ناغورني كاراباخ حتى النهاية، وهذا الأمر كان معضلة أساسية بالنسبة للعلاقات بين أرمينيا وتركيا وعدم وجود علاقات دبلوماسية.
وأضاف أنه خلال عام 2020 أي خلال الحرب التي دامت 44 يوماً، فإن الفصائل السورية الموالية للنظام التركي في شمال سوريا، والمرتزقة كذلك الذين كانوا تحت سيطرة أنقرة في ليبيا قامت تركيا بنقلهم إلى أذربيجان وتحديداً إلى إقليم ناغورني كاراباخ، وقد تم إسقاط عشرات ومئات القتلى والمصابين من هؤلاء المرتزقة والمقاتلين في الإقليم.
وقال "كاسباريان" إن الشركات الأمنية والمخابرات التركية تولت نقل وتدريب أعداد كبيرة من تلك الفصائل الموالية لها للقتال في أذربيجان، وجميع المراصد التي كانت تتابع كل هذه التنقلات لهؤلاء المرتزقة والدواعش أثبتت صور وجودهم في تلك المناطق، وكذلك قيامهم بأعمال قتل وذبح للمدنيين في الإقليم.
واعتبر المحلل السياسي الأرميني أن تركيا ليست الدولة التي يمكنها الحديث عن السلام والاستقرار وحل النزاعات بطريقة سلمية في هذه المنطقة، وإنما لديها سياسة بطشية وتوسعية وخاصة تجاه الدولة الأرمينية وناغورني كارباخ، مضيفاً أن سياسة البطش والعثمانية الجديدة التي تتبناها الدولة التركية واضحة والعالم العربي يعرفها في شمال سوريا والعراق وليبيا.
ولفت إلى أن أنقرة تتبنى نفس سياسة الدولة العثمانية تجاه شعوب المنطقة والدول، فالسياسة التركية لا تتغير، وتتعمد القضاء على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وإيواء تلك الشعوب المستقلة تحت العلم العثماني الجديد، الذي يقوم على مرتكزات سياسية توسعية وهمجية، كما أن تركيا تعمد إلى إحداث إخلالات بالتوازنات الاستراتيجية في المنطقة على حساب الشعوب الموجودة كالشعب الكردي الذي يناضل لتحقيق حلمه ضمن الدولة التركية.
وفي ختام تصريحاته، أكد أن السياسة العدوانية التي تتبناها هذه الدولة العثمانية تجاه الشعبين الكردي والأرمني هي نفس السياسة التي تبنتها قبل 100 عام وقضت على كل الأحلام الموجودة لدى الشعبين في تقرير مصيرهما وتحقيق أمنيتهما في تأسيس دولة مستقلة ومستقرة، فالسياسة التركية لا تتغير.
وأضاف أن أنقرة بسياساتها التوسعية تريد ان تبرهن لدول المنطقة أنها هي الرائدة في إنشاء وإدارة مصالحها الاستراتيجية، لكن أعتقد أن الشعوب في هذه المنطقة بإمكانهم واستطاعتهم وقف هذه السياسات الهمجية إذا تعاونت مع بعضها البعض وإذا نفذت سياسة موحدة وحواراً موحداً تجاه هذا البطش العثماني الجديد.
ويقع إقليم كارباخ في منطقة جبلية جنوب القوقاز بين بحر قزوين والبحر الأسود ويقطنه أغلبية سكانية من الأرمن، لكن الإقليم معترف به دولياً ضمن حدود أذربيجان، وقد نشبت حروب عديدة بين باكو ويريفان من أجل السيطرة على الإقليم في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وصولاً إلى العمليات الأخيرة لباكو الشهر الماضي والتي أفضت في نهاية المطاف إلى فرار الأرمن واستقبال أرمينيا لهم.