صفقة المال مقابل الأسرى بين أمريكا وإيران.. تفاهم محدود أم مقدمة لتقارب أوسع؟

يشكل مسار العلاقات الأمريكية-الإيرانية تيرمومتراً لكثير من التفاعلات والتطورات الإقليمية والدولية، ووسط سخونة أجواء ما بعد حرب روسيا وأوكرانيا ورغم التوترات عند مضيق هرمز، أبرم مؤخراً اتفاق بين واشنطن وطهران.

وفرضت هذه الصفقة التي ستفرج الولايات المتحدة الأمريكية بموجبها عن 6 مليار دولار إيرانية تخضع للعقوبات مقابل إطلاق إيران سراح 5 سجناء أمريكيين لديها، تساؤلات عدة بشأن مسار العلاقات بين واشنطن وطهران، لا سيما ما يتعلق بأن تكون هذه الصفقة مجرد اتفاق أحادي ينفصل عن غيره من التفاهمات، أم أنها تمهد الطريق لعدة اتفاقات وصفقات أخرى لاحقة ضمن تفاهمات أوسع، كذلك ما قد تفكر فيه دول الخليج العربي بشأن تلك التفاهمات التي كانت في السابق دائماً ما تزعجها.

استنساخ لقرار النفط مقابل الغذاء

وفي الوقت الحالي تتفاوض واشنطن مع طهران لاستعادة السجناء الخمسة، بحسب ما صرح جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، والذي سبق وأكد أن الولايات المتحدة وضعت شروطاً للحيلولة دون استخدام الأموال التي سترفع عنها العقوبات في كوريا الحنوبية، إذ ستودع تلك الأموال في البنوك القطرية وستستخدم لأغراض الغذاء والدواء.

وقالت مصادر عدة إن الولايات المتحدة ستستلم السجناء الخمسة في العاصمة القطرية "الدوحة"، والذين تم إخراجهم بالفعل من الاحتجاز ونقلوا إلى فندق ما، انتظاراً لإتمام عملية التبادل بمجرد التوصل إلى الاتفاق النهائي، وهي تشبه إلى حد ما الكثير من الصفقات التي كانت الدوحة طرفاً فيهاً خصوصاً بين حركة طالبان الأفغانية وواشنطن.

 

لكن تلك الصفقة أثارت بعض الانتقادات الداخلية في إيران، منها ما صرح به الدبلوماسي السابق قاسم محبلي، لموقع "ديدبان إيران"، إذ يرى أن الصفقة وتحويل الأموال لاستخدامات متعلقة بالغذاء والأدوية فقط، أصبحت أشبه بصفقة تسير وفق مبدأ "النفط مقابل الغذاء"، في إشارة إلى هذا القرار الأممي الذي طبق على العراق عام 1995، والذي بموجبه سمح لبغداد بتصدير جزء من نفطها مقابل توفير عائدات توجه للاحتياجات الإنسانية للشعب العراقي.

وحول ما إذا كانت تلك الصفقة سترتبط بتفاهمات أخرى منها البرنامج النووي الإيراني، يرى الدبلوماسي السابق أن هذا لن يحدث، لأن أي تفاهم رسمي ودائم بين واشنطن وطهران لن يحدث إلا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، كما أن الاتفاق النووي مسألة مختلفة تماماً عن هذه الصفقة ويجب أن يتم مناقشتها في مسار مختلف.

ويرى "محبلي" أن ما حدث هو أن إيران تريد استعادة أموالها للاستفادة منها، فيما تريد الولايات المتحدة الأمريكية استعادة مواطنيها، لكنه يرى أن طهران فقدت كثيراً من استقلالها المالي والاقتصادي، حيث باتت الدول الأخرى هي التي تحدد ما يجب أن يحصل عليه الإيرانيون وما يجب أن يمتلكونه، في انتقاد واضح منه لمسألة ربط إنفاق تلك الأموال بالغذاء والأدوية.  

استعادة رؤية باراك أوباما

في هذا السياق، يقول طارق البرديسي الخبير في العلاقات الدولية، لوكالة فرات للأنباء، إن التدهور كان الملمح الرئيسي للعلاقات الأمريكية – الإيرانية، إلا أنه مع قدوم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تم التوصل إلى الاتفاق النووي وكانتا واشنطن وطهران أقرب ما تكونان إلى مسار العلاقات الطبيعية، لكن كل هذا تبدل مع قدوم دونالد ترامب رئيسياً للولايات المتحدة.

وأوضح "البرديسي" أن الرئيس السابق ترامب شهدت إدراته حالة من تراجع التقارب مع إيران، لكن مع عودة الديمقراطييين مرة أخرى إلى الحكم بوجود جو بايدن، يبدو أن هناك رغبة في تسوية تلك الخلافات والتوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين الأمريكي والإيراني، إلا أن هذه المقاربة لا تسير بشكل متسارع، وإنما هناك قدر من التلكؤ والتباطؤ من وقت لآخر.

ويرى خبير العلاقات الدولية أن هذا الاتفاق يعكس قدراً من الانفراج في العلاقات بين البلدين، من خلال الإفراج عن سجناء امريكيين مقابل رفع الحجز على أموال إيرانية في كوريا الجنوبية وتوجيه تلك الأموال لأنشطة إنسانية وليس أعمالاً عسكرية، ويؤكد أن هناك نوع من التفاهم والتقارب، لكنه غير كاف لحلحلة التوترات بين واشنطن وطهران بشكل دائم.

موقف الخليج

لطالما كان لين المواقف الأمريكية مع إيران موضع انتقاد من قبل دول الخليج العربي لا سيما المملكة العربية السعودية، التي كانت دائماً ما تنظر بعين القلق والتوجس إزاء أي تفاهم أمريكي إيراني، وتعتبره تهديداً للأمن القومي الخليجي بل وعدم مبالاة من قبل الحلفاء الأمريكيين لمصالح دول الخليج، لكن ربما تكون النظرة تغيرت مع إبرام طهران والرياض اتفاق تطبيع العلاقات بين البلدين قبل أشهر.

وتعليقا على ذلك، يقول "البرديسي"، إنه بالفعل كان الخليج ينظر بعين القلق لأي اتفاق أمريكي إيراني، لكن ثمة تطورات استراتيجية جذرية وقعت منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية وحدثت تكتلات وتموضعات جديدة على مستوى العالم، هنا بدأت الدول العربية ومن بينها دول الخليج تدرك وتجد ضالتها بأن أمريكا ليست هي الملاذ الوحيد، بل إن هناك قوى أخرى سواء كالصين اقتصادياً واستراتيجياً أو روسيا عسكرياً، وكل هذا اعطى فرصة وفسحة للدول العربية أنها تركن إلى تلك النوعية من العلاقات بعيداً عن الولايات المتحدة.

وقد التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، الجمعة، في مدينة جدة، حيث عقدت جلسة مباحثات هي الأرفع بين السعودية وإيران منذ إبرام اتفاق تطبيع العلاقات بين البلدين، إذ أكد "عبد اللهيان" أن العلاقات بين البلدين تسير على ما يرام وفي الاتجاه الصحيح.