رغم اتفاق غزة وتنصيب ترامب .. عقبات عديدة تفخخ التطبيع بين السعودية وإسرائيل
عقب إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتنصيب دونالد ترامب، تعود إلى الواجهة التكهنات باستئناف واشنطن مباحثات تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
عقب إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتنصيب دونالد ترامب، تعود إلى الواجهة التكهنات باستئناف واشنطن مباحثات تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
وما أن أبرم اتفاق وقف إطلاق النار بشأن غزة، وحتى قبل أن يدخل حيز التنفيذ، أطل على الفور مايك والتز مستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط بتصريحات مثيرة؛ قال فيها إن إبرام اتفاق سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل أولوية قصوى أمام إدارة دونالد ترامب، معتبراً أن "الأوان قد آن لإبرامه".
ثم جاء التصريح الأكثر إثارة بشأن هذا الملف لاحقاً من قبل ترامب نفسه، حين قال إنه "لا يتعين عليّ أن أضغط" فيما يتعلق بعملية التطبيع بين تل أبيب والرياض، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنه "سينتهي بهما الأمر إلى الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية"، مؤكداً أن ذلك لن يكون "بعد فترة طويلة جدًا".
ويأتي الحديث عن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، في إطار مساعي ترامب لاستكمال مسار اتفاقات السلام الإبراهيمي التي بدأها خلال ولايته الأولى (2016 – 2020)، وقادت البحرين والإمارات وسلطنة عمان والسودان والمغرب بشكل مفاجئ و دراماتيكي إلى توقيع اتفاقات تاريخية مع الجانب الإسرائيلي.
أين تقف المباحثات؟
كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن تقود على قدم وساق مباحثات التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وبما تملك الرياض من مكانة كبيرة سواء في العالمين العربي والإسلامي، أو على مستوى الشرق الأوسط أو حتى دولياً، فإن التوصل إلى اتفاق كهذا كان بالنسبة للديمقراطيين بمثابة "الصفقة الكبرى"، التي تمكنهم من تجاوز نجاح ترامب في اتفاقات التطبيع بين تل أبيب وأبوظبي والمنامة ومسقط والخرطوم والرباط.
وكانت التصريحات التي تأتي من الولايات المتحدة، وربما بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، تشير إلى أن عملية التطبيع كانت قاب قوسين أو أدنى؛ حتى أتت أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في غزة، التي أجهضت التقدم في تلك المباحثات، لا سيما في ظل حالة الغضب العربي – الذي تضعه السعودية في الحسان – تجاه جرائم العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وكانت تلك المباحثات تأتي بالأساس في إطار إعادة هندسة للعلاقات السعودية – الأمريكية، مع تعاظم مكانة المملكة، والرغبة المشتركة بين واشنطن وتل أبيب والرياض في مواجهة النفوذ الإيراني، ومن هنا كانت الصفقة تشمل إبرام اتفاق أمني تاريخي بين السعودية وأمريكا يشبه المبرم مع اليابان وكوريا الجنوبية، وكذلك أن يؤدي التطبيع إلى إقامة دولة فلسطينية، لا سيما وأن تلك القضية تحتل موقعاً كبيراً في كافة تفاعلات الشرق الأوسط.
حسبة السعودية
والمؤكد أن الرئيس ترامب سيسعى إلى استئناف المباحثات، ويريد لها أن تنجح، ليرسخ صورته كصاحب مفتاح التطبيع في الشرق الأوسط، لكن السؤال الأهم هنا: هل سيكون الأمر قريباً كما صرح؟، هنا تأتي إجابات ربما تشير إلى أن الأمر لن يكون يسيراً بتلك الدرجة التي تحدث عنها سيد البيت الأبيض، لا سيما في مدى قدرة واشنطن على انتزاع اعتراف إسرائيلي بالدولة الفلسطينية، استجابة للمطالب السعودية.
يقول فواز العنزي الباحث السياسي السعودي في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن العقيدة الأمنية السعودية ترتكز على حماية السيادة، وتحقيق الاستقرار الإقليمي، ومواجهة التهديدات، خاصة النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة، ما يجعل أي خطوة تطبيعية مشروطة بتحقيق مكاسب أمنية واضحة.
ويضيف المحلل السعودي أن المملكة تُظهر التزاماً ثابتاً بالقضية الفلسطينية، وتؤكد أن أي تطبيع يجب أن يرتبط بتقدم ملموس وفق مبادرة السلام العربية، مشيراً إلى أنه في ظل التغيرات الجيوسياسية، فإن الرياض توازن بين الضغوط الدولية ومصالحها الوطنية، مع تركيزها على التعاون الأمني الإقليمي؛ لتحقيق الاستقرار دون المساس بدورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي.
إلى جانب ذلك، فإن الرياض لديها حساسية كبيرة تجاه الرأي العام الإقليمي والمحلي، طبيعية انطلاقاً من موقعها السياسي والوجداني أو الديني في العالمين العربي والإسلامي، ومن ثم فإن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يبدو بحاجة إلى قرار إسرائيلي تاريخي بشأن الدولة الفلسطينية، من ناحية يرضي الرأي العام، وفي نفس الوقت يقدم خدمة كبيرة للشعب الفلسطيني.
ويمكن الاسترشاد على رؤية ولي العهد السعودي هذه، مما كتبته صحيفة بوليتيكو الأمريكية في أغسطس/آب الماضي، من أن الأمير محمد بن سلمان أبلغ مشرعين أمريكيين أنه يعرض حياته للخطر جراء المساعي لتلك الصفقة، مستشهداً بما جرى لأنور السادات، الرئيس المصري الذي قُتل بعد إبرام اتفاق السلام، ما اعتبرته الصحيفة محاولة لحمل الولايات المتحدة على ممارسة ضغوط تجاه تل أبيب للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وتقترن فلسفة الجانب السعودي في التطبيع مع إسرائيل بشكل كامل للغاية مع قيام دولة فلسطينية، ويمكن أن نلمس هذا الموقف من خلال مبادرة السلام العربية التي طرحها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2002، والتي نصت على إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967، وعودة اللاجئين، وانسحاب تل أبيب من هضبة الجولان السورية، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع الجانب الإسرائيلي.
مطلوب من ترامب
إذن سيكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام تحد كبير في هذا الملف، وسيكون عليه بوصفه "رجل الصفقات" إذا أراد تحقيق إنجاز ما، أن يقدم مقاربة جديدة بشأن هذا الملف شديد الأهمية، لتحقيق متطلبات السعوديين، والمعلوم أنها مرفوضة بشكل كلي من الجانب الإسرائيلي، وفي ظل متغيرات جديدة طرأت على المنطقة، أبرزها تراجع النفوذ الإيراني بشكل كبير، نتيجة سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وإضعاف حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، وربما حدوث تغييرات دراماتيكية في هيكل السلطة الإسرائيلية كتبعات لما بعد أحداث 7 تشرين.
هنا يقول البروفيسور جبريال صوما عضو المجلس الاستشاري للرئيس الأمريكي، في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن ترامب سيستكمل مسار التطبيع بين إسرائيل والدول العربية؛ باعتباره الضمانة الأهم لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، على حد قوله.
ويوضح "صوما" أنه بشكل واقعي هناك تردد من قبل واشنطن بشأن إبرام الاتفاق الأمني الذي تريده الرياض، وأيضاً هناك صعوبة في إقناع إسرائيل بالاعتراف بقيام دولة فلسطينية وكذلك طبيعة تلك الدولة، لكنه يرى أن كل شيء يمكن أن يأتي بالمفاوضات بين السعوديين والإسرائيليين، وفي ظل العلاقات الطيبة التي تجمع ترامب مع السعوديين.
ثمن التطبيع
وعن إمكانية استجابة إسرائيل للمطالب السعودية، يقول أيضاً الدكتور إحسان الخطيب أستاذ العلوم السياسية بجامعة موري ستايت الأمريكية، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن تل أبيب تراوغ وليست جادة في مسألة السلام، في المقابل نجد الرياض جادة للغاية في هذه المسألة ومتمسكة بأن حل الدولتين هو ثمن التطبيع.
وأعرب الخطيب عن اعتقاده بأن موقف تل أبيب بأحلامها التوراتية التوسعية سيكون موضع خلاف مع إدارة ترامب، على نحو يدفع الأخيرة لممارسة ضغوط على الأولى؛ لا سيما مع احتياج واشنطن الجمهورية بشكل كبير إلى العرب والمسلمين في مواجهتها مع الصين.
خلاصة ما سبق أن المشوار لا يزال طويلاً أمام تقدم ملموس في ملف تطبيع العلاقات الإسرائيلية – السعودية؛ خاصة وأن العقبات التي تواجه هذا المسار مليئة بالفخاخ، إذا وضع في الاعتبار أن رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الذي يعاني من ضغط حلفائه اليمينيين، ومن تبعات 7 تشرين، لن يكون بمقدوره تقديم تنازلات لا سيما تلك المتعلقة بقيام دولة فلسطينية، في المقابل ترى الرياض أنها أمور في المتناول.