نائب رئيس "المجلس المصري للشؤون الأفريقية": السودان مهدد بالتقسيم

مضى أكثر من 200 يوم على الأزمة التي اندلعت في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، في وقت لا يرى كثيرون أفقاً للحل رغم عودة مفاوضات جدة السعودية.

وبينما كانت هناك رسائل ترحيب باستئناف مفاوضات جدة خرج عبد الرحيم دقلو نائب رئيس قوات الدعم السريع في فيديو متداول يؤكد مساعي تلك القوات للسيطرة على كافة ولايات السودان وجميع مواقع الجيش.

وفي هذا السياق، حاورت وكالة فرات للأنباء (ANF)، السفير صلاح حليمة مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية والذي أبدى مخاوفاً من أن سيناريو التقسيم لا يزال يهدد السودان.

وكان نص الحوار كالآتي:

*وسط الانشغال بحرب غزة، إلى أين ذهبت الأوضاع في السودان بعد حوالي أكثر من 200 يوم على الأزمة، وكذلك حديث عن مفاوضات في مدينة جدة السعودية؟

- ما يحدث أنه قد تم استئناف مفاوضات مدينة جدة السعودية بين مجموعات الدعم السريع والقوات المسلحة، وهي تركز على نقطتين رئيسيتين، الأولى وقف الحرب أو وقف إطلاق النار، والنقطة الثانية إدخال المساعدات الإنسانية. لكن الحقيقة، ليس هناك اهتمام كأولوية بالرؤية فيما يتعلق ببقية البنود الأساسية أي المسار السياسي وإعادة البناء والإعمار، وبالتالي لا تزال هناك انقسامات داخل المجموعات الخاصة بالمجتمع المدني، وأقصد بها الأحزاب والقوى السياسية المختلفة وكافة طوائف الطيف السوداني.

*إلى أي مدى تشكل هذه الانقسامات التي تتحدث عنها سيادة السفير مشكلة رئيسية في الأزمة السودانية؟

- بالفعل هذه إشكالية أساسية فيما يتعلق بضرورة التوصل إلى توافق بين القوى المدنية حول المرحلة الانتقالية، لأن مجموعة قوى الحرية والتغيير "قحت" لم تستطع التوصل إلى قدر من التوافق، بل في تقديري أنها كانت السبب الرئيسي فيما وصل إليه السودان الآن من تطورات، لأنها أولاً احتكرت السلطة وقالت إن هياكل السلطة الانتقالية تكون قاصرة فقط على مجموعة قوى الحرية والتغيير التي وقعت الاتفاق الإطاري، أما بقية القوى المدنية التي لم تنضم فلا يحق لها. والنقطة الثانية أن قوى الحرية والتغيير ساوت بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة وأعطت فرصة للدعم السريع لكي تندمج على مدى 10 سنوات.

*لكن 10 سنوات أليست فترة طويلة جداً؟

- بالفعل، هي فترة طويلة جداً وتكشف أن النية ليست أن يكون هناك جيشاً وطنياً واحداً، وإنما الواقع يقول إن هناك ازدواجية في هذا الصدد، بل وربما أن تصبح قوات الدعم السريع هي القوات المسلحة للدولة، بينما القوات المسلحة يتم إدماجها في الدعم السريع وليس العكس. وبالتالي الصراع الدائر في السودان هو صراع ذو أهداف وتباينات مختلفة، فمن جهة، هي صراع بين القوى المدنية المنقسمة حول الثروة والسلطة، وعلى المستوى العسكري من الواضح أن الصراع المتفاقم بين المكونين العسكريين ليس له آفاقاً بشأن إمكانية احتوائه، خاصة وأن منبر جدة حتى الآن لا تزال الأمور فيه لا تعط بصيصاً قوياً من الأمل.

*هل تعتقد أنه من الممكن أن يكون هناك حل سياسي في ظل وجود قوة بحجم الدعم السريع؟

- في كل الأحوال، لا بد أن تنتهي الأمور بحل قوات الدعم السريع ودمجها في القوات المسلحة السودانية، لأنه من الواضح أن الشعب السوداني في مجمله يميل إلى تأييد القوات المسلحة، والمأخذ الذي على القوات المسلحة أن بعض القوى السياسية ترى أن قياداتها هم من الإخوان المسلمون أو من بقايا حكم الرئيس السابق عمر البشير وأن هؤلاء لا يزالون متغلغلين في القوات المسلحة.

وفي الحقيقة فإن هذا مأخذ لا يجب ألا يكون له أهمية كبيرة، لأن الشعب السوداني عندما سينتخب ويذهب للاختيار بالقطع لن ينتخب عناصر الإخوان، وهذه نقطة. والنقطة الأخرى فيما يتعلق بميل غالبية الشعب السوداني للقوات المسلحة، أن عناصر الدعم السريع تكاد تكون مجموعات من المرتزقة، فكل عناصرها ليست من الشعب السوداني أو من أبناء قبائل معينة، وبها عناصر أجنبية سواء من أفريقيا الوسطى أو تشاد، وكان إنشاؤها في حد ذاته في ظل نظام البشير وهدفها محاربة الحركات الثورية، وفي نفس الوقت المحافظة على نظام البشير، وبالتالي درجة الثقة في قوات الدعم السريع من حيث النشأة وطبيعتها وشعبيتها تثير الشكوك وفي نفس الوقت لا تحظ بأي تأييد شعبي. المشكلة في أن قوات الدعم السريع بما امتلكت من مزايا وقوة وثروات في عهد البشير استطاعت أن تجمع بين القوة العسكرية والثروة والآن تسعى إلى امتلاك السلطة.

*إذن أفهم من حديثك أن المسألة لا ترتبط بفكرة الديمقراطية وأنها ليست جوهر الصراع بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، أليس كذلك؟

- بالفعل، الصراع ليس قائماً من أجل الديمقراطية والحكم المدني كما تدعي قوات الدعم السريع، وإنما صراع على الوجود والبقاء، فالدعم السريع تريد أن ينتهي الجيش السوداني وتصبح هي القوة العسكرية للدولة أو على الأقل تبقى موازية للقوات المسلحة، في حين أن الأخيرة ترى أنها صاحبة مهمة وطنية وبالتالي فإن قوات الدعم السريع في وجهة نظرها تقوم بعملية تمرد وليس له وصفاً قانونياً سليماً.

*ماذا يعني أن قوى الحرية والتغيير ليس لديها مانع من أن تستمر عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني إلى 10 سنوات كما قلت؟

- هذا يعطي انطباعاً كبيراً على أن قوى الحرية والتغيير تميل إلى قوات الدعم السريع لا سيما في ظل ما تملكه من قوة وثروة بل وعلاقات خارجية كذلك، فهناك دول عربية لا تزال تدعم وتساند محمد حمدان دقلو "حميدتي"، كما أن هناك دول غربية لا تزال تدعمه مثل روسيا على سبيل المثال والتي لديها قوات فاجنر في السودان لدعم قوات الدعم السريع، كما أن لديه علاقات مع كثير من الدول الإقليمية، وكل هذا أعطاه قدراً من الوزن، لكن في كل الأحوال الشعب السوداني في مجمله متمسك بقواته المسلحة.

*ما أكثر ما يُخشى منه في الوقت الحالي بالنسبة للوضع في السودان؟

- الخوف كل الخوف الآن من امتداد المعارك إلى الأطراف سواء في دارفور أو جنوب كردفان على نحو يهدد وحدة وسلامة أراضي السودان، وقد تمتد هذه التداعيات إلى دول الجوار. والمشكلة أن ولايات الأطراف بها حركات انفصالية وهذه الحركات في ظل هذا الصراع الدائر قد تطرح رؤى تتعلق بالانفصال أو بحكم ذاتي واسع، وهذا لن يقبله الشعب السوداني ولا دول الجوار، فالسودان مهدد بالتقسيم ومسألة تقسيمه أحد السيناريوهات التي يمكن أن تحدث، لكن يبدو أن هناك رغبة من دول الجوار والمجتمع الدولي بعدم السماح بتقسيم السودان.