وقد كشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط بهدف تعزيز التبادل التجاري وتعزيز أمن الطاقة العالمي، لكن هذه الخطوة ذات الأهمية والعوائد التي قد تكون مجزية نظر إليها على أنها تستهدف ضرب مبادرة الحزام والطريق التي كانت أطلقتها الصين.
الصراع مع الصين يصل أروقة قمة العشرين
وتعليقاً على هذا، يقول عماد الأزرق الباحث المتخصص في الشؤون الآسيوية والصينية، لوكالة فرات للأنباء، إن الدول العربية والأفريقية مدينة بالشكر للصين، لأنها ببساطة لفتت الأنظار إلى القارة السمراء مجدداً ومنطقة الشرق الأوسط بعد أن كانت الدول الكبرى تتعامل معها على أنها حقول تجارب وسوق للسلاح ومكان لإشعال الفتن.
وأضاف أن أفريقيا على سبيل المثال كانت مثالاً على ذلك، ففي وقت وجهت بيجين اهتماماً كبيراً للقارة وزادت التعاون الاقتصادي معها، بدأت الدول الأخرى تحذو حذوها، فكما كانت هناك القمة الصينية – الأفريقية كانت هناك قمم أخرى جاءت على غرار ما قامت به الصين مثل القمم الروسية الأفريقية والأمريكية الأفريقية والأوروبية الأفريقية وغيرهم.
ويرى "الأزرق" أن الاتجاه الجديد من جانب قمة العشرين بإقامة ممر تنموي بين الهند والاتحاد الأوروبي هو استكمال لتكرار التجارب الصينية، والأخيرة هي فكرة مناوئة لمبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين، لأن الدول الكبيرة بين مجموعة العشرين تريد خلق كيان مضاد للمبادرة الصينية، لا سيما في ظل مخرجات قمة بريكس الأخيرة التي عقدت في جنوب أفريقيا ودعوتها لإرساء نظام عالمي متعدد الأقطاب وكسر هيمنة الدولار.
لكن الباحث في الشأن الآسيوي يلفت، في ختام تصريحاته، أنه يجب في كل الأحوال أن تستفيد الدول العربية والأفريقية من هذا التنافس الكبير بين القوى الكبرى على استمالة تلك الدول ومحاولة جذب التأييد لكل طرف على حساب الآخر، مؤكداً أن هذا التنافس أمر حسن إذا تم استخدامه على نحو يساعد على تحقيق التنمية حينها سيكون نعمة وليس نقمة.
والحزام والطريق هي مبادرة صينية تقوم على أنقاض طريق الحرير القديم لربط الصين بدول العالم كأكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ولأهميتها فقد أدرجت ضمن الدستور الصيني عام 2017، ومن المقرر الانتهاء منه عام 2049 أي تزامناً مع مرور 100 عام على تأسيس جمهورية الصين الشعبية.
الموقف من روسيا
كان من الملاحظ أن البيان الختامي لأعمال قمة العشرين الذي صدر أمس لم يتضمن أية إدانات واضحة وصريحة بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا وذلك على النقيض تماماً من قمة بالي بإندنوسيا العام الماضي، فيما اكتفى بيان قمة نيودلهي بالتأكيد على دعم وحدة وسلامة الأراضي الأوكرانية.
في هذا السياق، يقول الدكتور نبيل رشوان الخبير في الشأن الروسي، لوكالة فرات للأنباء، إن تجاوز البيان الختامي لأعمال مجموعة العشرين عن توجيه أية إدانات بشأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا يبدو أنه أتى في إطار مساعي الأعضاء للحفاظ على كيان مجموعة العشرين، لأن موسكو يمكن أن تاخذ قراراً بالانسحاب من المجموعة بسبب أمر كهذا.
ويرى "رشوان" أن اكتفاء البيان الختامي بالتأكيد على سلامة الأراضي الأوكرانية دون إدانة العملية العسكرية الروسية أمر يفي بالغرض فيما يتعلق بدعم الموقف الأوكراني، وفي نفس الوقت لا يغضب موسكو بأي تصريح مباشر بشأن عمليتاتها العسكرية، وكأن الأمر إمساك بالعصاة من المنتصف على نحو يحافظ على كيان مجموعة العشرين.
ولفت الخبير في الشأن الروسي إلى أن التأكيد على دعم سلامة ووحدة الأراضي الأوكرانية يعني الحفاظ على حدود أوكرانيا المسجلة في الأمم المتحدة، علماً أن كييف دخلت الأمم المتحدة سنة 1945 وفي ظل حكم الاتحاد السوفيتي أي بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالي كانت عضويتها سابقة على روسيا التي دخلت المنظمة عام 1991.
ويشير في هذا السياق إلى أن حدود أوكرانيا المسجلة في الأمم المتحدة بالمناسبة لا تشمل شبه جزيرة القرم، لأن الأخيرة انضمت إلى أوكرانيا عام 1954 أي بعد 10 سنوات من عضوية كييف في المنظمة، مؤكداً أن بيان المجموعة تغير لكنه قد يكون في إطار العمل على تجنب أي ردة فعل روسية غاضبة.
وكانت روسيا بدأت عملية عسكرية في أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير عام 2022، والتي قالت إنها تهدف للحفاظ على أمنها القومي ضد من تصفهم بالنازيين الجدد وضد توغل حلف الناتو في الشرق الأوروبي، لكن في المقابل تجابه الخطوة الروسية بتحالف أمريكي غربي يقف خلف كييف وفرض حزمات متتالية من العقوبات الاقتصادية ويرفض تحركات موسكو التي توصف من قبل هذا التحالف بالعدوانية.