مع بداية العام الدراسي.."المدرسة" بيت العلم الذي عرفته مصر على يد الكرد

يأتي العام الدراسي الجديد في مصر، والعديد من المصريين لا يعلمون أن فكرة المدرسة في العصر الإسلامي، لم تكن لتظهر لولا جهود الكرد الذين جعلوها حقيقة على أرض الواقع، وكانت المدارس في هذا الوقت معاهد علمية تدرس المذاهب الفقهية المختلفة والحديث الشريف.

كان الكرد من المؤسسين الأوائل للمدارس في مصر حتى قبل المجئ الأول للكرد على يد صلاح الدين الأيوبي، حيث كان ثاني منشئ لمدرسة في مصر هو كردي وهو الوزير العادل بن السلار، الذي تقلد منصبه في أواخر الدولة الفاطمية، رغم أن تلك المدارس كانت تنشر المذاهب السنية داخل الدولة الفاطمية معقل الفكر الشيعي في العالم.

وكشفت درية عوني، المؤرخة المصرية ذات الأصول الكردية والتي عملت 40 سنة في وكالة الأنباء الفرنسية، أنه  لم يكن الوجود الكردي في مصر قبل الدولة الأيوبية بالصورة التي كان عليها في عصر الدولة الايوبية،  ومع ذلك كان للكرد دور مهم في تاريخ مصر بصفة خاصة ، وتاريخ الإسلام بصفة عامة، ففي العهد الفاطمي كان العادل بن السلار( الكردي الأصل ) وزير للخليفة" الظافر بأمر الله الفاطمي"، وقام الوزير العادل بالدفاع عن البلدان الإسلامية ضد الصليبيين،  ووقف لهم بالمرصاد ، قال عنه صاحب كتاب العلاقات السياسية بين الدولة الايوبية والامبراطورية الرومانية المقدسة : إنه كان يرسل كل ستة أشهر حملة عسكرية إلى مدينة " عسقلان" ، لمقاومة الصليبيين والدفاع عن الأماكن المقدسة ، والدليل على ذلك حملات سنة ٥٤٧ه/ ١١٥٢م ضد الصليبيين وبعد موت ابن السلار عادت الأوضاع  إلى حالتها الأولي،  وظل الوضع كما هو حتى جاء صلاح الدين الأيوبي،  فبدأ الجهاد ثانيا ضد الصليبيين،  حتى ترسم ذلك فيما عرف بالعصر الذهبي للكرد في القرون الوسطى خلال الدولة الأيوبية.

وكشف أيمن فؤاد السيد، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، ورئيس هيئة المخطوطات الإسلامية، والأستاذ المتفرغ في كلية اللغات والترجمة، أنه بعد أربع عشرة سنة من إنشاء ( المدرسة الحافظية) وهي أول مدرسة في مصر الإسلامية التي أنشأها الوزير رضوان بن ولخشي، أي في سنة ٥٤٦ه/ ١١٥١م، أنشأ العادل بن السلار مدرسة ثانية في الاسكندرية، ولكن في هذه المرة كانت لتدريس المذهب الشافعي، وقرر في تدريسها الحافظ الشهير أبو الطاهر أحمد بن محمد الشافعي، وبعد ذلك انتصارا للشافعيين ، كما كان إنشاء المدرسة الحافظية انتصارا للمالكيين، وذكر السبكي ان ابن السلار بني هذه المدرسة وهو وال على الإسكندرية قبل ان يلي الوزارة ، بينما حدد ابن خلكان تاريخ بناتها سنة ٥٤٦ه/ ١١٥٠م، أي في الوقت الذي تولي فيه ابن السلار الوزارة ، إلا أنه عاد في موضع آخر ليؤكد أن ابن السلار بناها وهو مازال واليا على الإسكندرية متابعا في ذلك نص السبكي.

وأكد السيد في كتابه، الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد، أنه عندما ترجم ابن خلكان الحافظ السلفي ذكر وجود المدرسة التي أنشأها ابن السلار، والتي كان السلفي مدرسها الوحيد عشرين عاما قبل ان يصبح صلاح الدين وزيرا للفاطميين، ولكنه عندما ترجم لصلاح الدين ذكر أنه لم تكن في مصر مدارس قبله، وقد أخذ بهذا الرأي أيضا المقريزي، وهي ملاحظة غير صحيحة ، ولكن نستطيع القول ان المدرسة كمؤسسة سنية رسمية لم تعرف على مستوى واسع في مصر إلا مع تولي صلاح الدين الوزارة للخليفة العاضد آخر خلفاء الفاطميين وأنشئت أول هذه المدارس في مدينة الفسطاط سنة ٥٦٦ ه/ ١١٧١م.

صلاح الدين الأيوبي وإنشاء المدارس

بينما جاء العصر الذهبي للمدارس في مصر على يد صلاح الدين الأيوبي، الكردي المنحدر من مدينة تكريت الكردية، حيث توسع في إنشاء المدارس وكانت مجهوداته الأساس في انتشارها خلال العصرين الأيوبي والمملوكي.

كشفت ليلى عبد الجواد إسماعيل، أستاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب في جامعة القاهرة، أنه أنشأ صلاح الدين المدارس المختلفة لتحل محل الأزهر في القيام بنشر المذهب السني بدلا من المذهب الشيعي، ومن أهم هذه المدارس ، المدرسة الشافعية،  وتقع بجوار جامع عمرو بن العاص، وهي أول مدرسة أنشأها صلاح الدين لتدريس المذهب الشافعي،  وخصصت للفقهاء  الشافعية،  وأوقف عليها صلاح الدين الأوقاف ومنها حي الصاغة وإحدي قري مصر.

وأكدت إسماعيل في كتابها تاريخ الأيوبيين والمماليك في مصر والشام، أنه انشا صلاح الدين كذلك المدرسة المالكية أو (المدرسة القمحية) وكانت أيضا بجوار جامع عمرو بن العاص ، وكانت تدرس المذهب المالكي، وخصصت لفقهاء المالكية، وعرفت هذه المدرسة بالقمحية لأن القمح كان يوزع على فقهائها ومدرسيها أيام صلاح الدين،  وذلك لأنه أوقف عليها أوقافا في إقليم الفيوم وبلدة الحنبوشة، وهي واحدة من قري الفيوم المشهورة بإنتاج القمح.

وأضافت أستاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب في جامعة القاهرة، أنه ترتب على الخطوات السابقة التي اتخذها صلاح الدين، إن بدا نجم المذهب الشيعي يخبو ليضئ نجم المذهب السني من جديد في سماء مصر، وهو ما عبر عنه ابن واصل بقوله: "فاشتهر مذهب الشافعية،  واندرس مذهب الإسماعيلية بالكلية وانمحى أثره".

وعدت عوني في كتابها تاريخ الكرد عبر العصور، منشآت صلاح  الأيوبي الكردي المدارس التي أنشأها، والتي تحفظ لهؤلاء الكرد تاريخهم وحضارتهم وأسلوب حياتهم، ومن هذه الآثار، مثل مدرسة بالقرافة الكبرى والصغرى بجوار قبر الإمام الشافعي، سة القاهرة المعزية بجوار ضريح الإمام الحسين، مدرسة الشافعية وهي الآن معروفة في مصر بمدرسة زين التجار،  مدرسة للأحناف في عام ٥٧٢ ه/ ١١٦٧م، وجعل مقرها دار الوزير البطائحي  و مدرسة لأصحاب مذهب الإمام مالك قريبة من مدرسة الشافعية  وتعرف الآن بالمدرسة السيوفية.

المدرسة الكاملية..أقدم مدرسة باقية في مصر

تعتبر أقدم المدارس الباقية في مصر، وأول مدرسة تنشئ لتدريس الحديث النبوي، أنشأها السلطان الكامل محمد بن العادل، وهو ابن أخ صلاح الدين، وتقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية في القاهرة، وقد اندثرت معظم الأجزاء التي أنشأها السلطان الكامل محمد، وأقام الأمير حسن كتخدا الشعراوي في العصر العثماني زاوية للصلاة على المساحة التي كان يشغلها الإيوان الشرقي، وكانت المدرسة في الأصل عبارة عبارة عن ايوانين، أحدهما في الجهة الشمالية والآخر في الجنوبية الشرقية، وبينهما صحن مكشوف إلا أنها خربت ولم يبق منها غير بقايا من الإيوان الغربي.

مدرسة الصالح نجم الدين أيوب..أول مدرسة لتدريس المذاهب الأربعة

ولا تزال توجد مدرسة الصالح نجم الدين أيوب وهي أنشأها السلطان الصالح نجم الدين أيوب وتقع في شارع المعز لدين الله بالجمالية شمال القاهرة، وهي أول بناء في مصر لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة ، وقد ألحقت شجرة الدر قبة زوجها الصالح نجم الدين أيوب، ولم يتبق من المدرسة سوى الواجهة الرئيسية التي تتوسط المئذنة. أجزاء من الإيوان الغربي من المدرسة.