كواليس لقاء التطبيع بين ليبيا وإسرائيل..زلزال سياسي يهز طرابلس مرورًا إلى تركيا وأمريكا

استيقظ الشارع الليبي بصفة خاصة والعالم العربي بصفة عامة على وقع تسريب لقاء غير متوقع بين وزيرة الخارجية في حكومة طرابلس نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، إذ تشير معلومات عدة إلى أن الأمر برمته تم بتنسيق بين واشنطن وأنقرة وتل أبيب.

وتعد تركيا الحليف الأهم والأول لحكومة عبدالحميد الدبيبة، فقد قدمت لها كافة أشكال الدعم العسكري لمواجهة معارضي تلك الحكومة، إثر توقيع بعض الاتفاقيات الأمنية، ومن ثم فإن مراقبين يرون أن "المنقوش" لم تكن لتخطو تلك الخطوة لولا أن هناك قدر من التنسيق، وربما يكون رجب طيب أردوغان هو عراب هذا التنسيق.

طائرة تتبع حكومة الدبيبة نقلت "المنقوش" إلى إسطنبول

وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن اللقاء جرى بين المنقوش وإيلي كوهين في العاصمة الإيطالية روما، وتم الاحتفاء به في إسرائيل باعتباره لقاء تاريخي، لكن ما إن تسرب الغضب إلى الشارع الليبي أوقف عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة طرابلس "المنقوش" عن العمل، لكن المفاجأة التي أشارت إليها الصحيفة أن طائرة "فالكون" تابعة لحكومة طرابلس أقلت وزيرة الخارجية الموقوفة على عجل ليلًا من العاصمة الليبية وحطت بها في مدينة إسطنبول التركية.

وكشفت الصحيفة عن أمر آخر، وهو أن اللقاء الذي جرى في مكان ضيافة وزير الخارجية الإيطالي كان منسقًا له على أعلى مستوى بين تل أبيب وحكومة طرابلس، وأنه لم يكن صدفة، وذلك نقلًا عن مصادر سيادية إسرائيلية، لتنفي بذلك الرواية الرسمية لوزارة الخارجية في حكومة الدبيبة التي قالت إن اللقاء لم يكن رسميًا وتم بالصدفة خلال تواجد الوزيرة في روما أثناء لقائها نظيرها الإيطالي، ولم يتم خلاله أية محادثات أو اتفاقات.

غضب في واشنطن من تل أبيب

بدورها، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلية إن تسريب تل أبيب لهذا اللقاء أثار غضب الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان على علم باللقاء وشجع طرابلس على المشاركة فيه، لكنه كان على دراية بأن هذا اللقاء سيبقى سريًا، لكن تسريبه أتى بنتائج عكسية ستشكل ردعًا لبعض الدول التي تفكر في التطبيع مع إسرائيل.

وأشارت إلى أن ستيفاني هاليت القائم بأعمال السفير الأمريكي في تل أبيب أبلغ إيلي كوهين أن الإعلان عن هذا اللقاء أمر مثير للقلق، وأن ما جرى خطأ يجب تصحيحه، بل ذهبت تقارير إلى أن هاليت أعرب عن غضب واشنطن تجاه كوهين، كما أن واشنطن لم تقنتع بتفسير وزارة الخارجية الإسرائيلية حول أسباب تسريب اللقاء، والتي بررت بأن الغرض من ذلك كان استباق وسائل الإعلام الإسرائيلية التي ستنشر حتمًا تفاصيل ما جرى.

والاعتماد على روايات وسائل الإعلام الإسرائيلية لا يقلل من قيمة المعلومات المتداولة، وربما تكون الأقرب للحقيقة، نظرًا لعديد من السوابق لها في ملفات التطبيع مع دول عربية، إذ كانت تستبق دائمًا المحادثات وأشارات مرارًا إلى اتفاقيات السلام الإبراهيمي التي أبرمت، ورغم النفي في بعض العواصم العربية، لكن في نهاية المطاف أبرمت الاتفاقات وطبعت العلاقات.

وقد انتقدت المعارضة الإسرائيلية بشدة وزير الخارجية إيلي كوهين بسبب تسريب اللقاء، الذي يعني تداعياته حرق ورقة التطبيع مع طرابلس على الأٌقل لفترة ليست بالقصيرة، وأنه ما كان يجب نشر أي معلومات عن اللقاء، مشددة على أن هذا سيجعل بعض الدول تخشى هذه النوعية من اللقاءات التي جرت العادة أن تكون سرية.

رد فعل الدبيبة

وتحدثت مصادر بالعاصمة الليبية لوكالة أنباء أسوشيتيد برس، مفضلين عدم ذكر اسمائهم، حول تفاصيل هذا اللقاء، وكشفوا عن مفاجأة أيضًا وهي أن السيد عبدالحميد الدبيبة جرى مناقشته في مسألة التطبيع مع إسرائيل وأن تنضم ليبيا إلى سلسلة الدول العربية المطبعة مع تل أبيب خلال لقاء في يناير الماضي مع ويليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكي "سي آي إيه".

وأوضحت المصادر أن الدبيبة لم يمانع مسألة الانضمام إلى اتفاقيات السلام الإبراهيمي، لكنه اشترط أن يبقى الأمر قيد السرية، وصولًا إلى انعقاد اللقاء بين المنقوش وكوهين الشهر الماضي في العاصمة الإيطالية، علمًا أنه بمجرد عودتها أطلعته على كافة تفاصيل اللقاء الذي يمكن القول إنه قد تم بوساطة أمريكية. وجدير بالذكر أن رئيس الحكومة الليبية نفى نفيًا قاطعًا أن يكون على علم باللقاء، كما توجه إلى السفارة الفلسطينية وتعهد بعدم إقامة علاقات مع إسرائيل.

الموقف التركي

أما عن الموقف التركي، فإن المنطق لا يمكن أن يستبعد أن أنقرة كانت على علم بذلك اللقاء، لا سيما أن أردوغان هو الراعي الأول لحكومة الدبيبة وتسير في سياساتها الخارجية بدرجة كبيرة في فلك أنقرة، كما أن المعلومات المتداولة وحتى الآن تشير إلى هروب نجلاء المنقوش إلى إسطنبول وليس إلى أي مكان آخر، حتى لو دخلت بجواز سفرها البريطاني.

في هذا السياق، يقول الدكتور بشير عبدالفتاح الخبير في الشأن التركي والعلاقات الدولية، لوكالة فرات للأنباء، إن علم النظام التركي باللقاء أمر غير مستبعد، لأنه أنقرة بالأساس هي الحليف الدولي الأول لحكومة طرابلس، كما أنها في الوقت ذاته لديها علاقات جيدة مع إسرائيل، وبالتالي ليس هناك ما يمنع أن تلعب أيضًا دورًا في هذا الأمر.

وأوضح عبدالفتاح أن الرئيس التركي خلال الفترة الأخيرة وفي ظل اقتصاده المتعثر يتودد للدول الغربية كثيرًا، وبالتالي ليس لديه ما يمنع أن يستخدم ورقة التطبيع بين تل أبيب وطرابلس ليلعب بها، أي أن تكون تركيا نفسها الوسيطة في هذا اللقاء الذي أدير بمنتهى السوء سواء من الجانب الليبي أو الجانب الإسرايلي.

وقال الخبير في الشأن التركي والعلاقات الدولية إن مسألة عدم علم الدبيبة بهذا اللقاء أيضَا أمر غير منطقي، لأن لقاء بهذه الأهمية والخطورة بروتوكوليًا يجب أن يكون رئيس الوزراء أو المسؤول الأول في الدولة على علم به، لا سيما أن المعلومات تشير إلى أن اللقاء استمر ما بين ساعتين إلى 3 ساعات، ومن الواضح أن الدبيبة كان يعتقد أن الإسرائيليين سيغطون على هذا اللقاء وسيحافظون على سريته كما حدث من قبل.

وأشار عبدالفتاح، في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء، أن ما جرى أنه هذه المرة لم يتم الحفاظ على سرية اللقاءات كما حدث مع دول عربية سابقًا، ونتيجة خلاف بين الموساد الإسرائيلي ووزير الخارجية تم إفشاء أمر اللقاء، إذ أن إيلي كوهين كان يرى أنه إنجاز يجب الحديث عنه، بينما المخابرات الإسرائيلية كانت ترى عكس ذلك.