قال الدكتور كرم سعيد الباحث في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن المحور الأمني هو المتصدر للمحادثات التركية المصرية، مشيرًا إلى أنه وفي وقت تحاول تركيا إعلاء البعد السياسي على حساب الأمني تقف القاهرة موقفًا مغايرًا فهي لا تريد عودة سياسية بالمجان مع تركيا بدون حسم الملفات الخلافية على مستوى الأمن، لافتًا إلى أن "الانخراط العسكري التركي في شمال سوريا وفي ليبيا والصومال واليمن كلها ملفات حساسة للقاهرة".
وأوضح سعيد في مقابلة مع وكالة فرات للأنباء ANF أن تركيا تسعى إلى بناء حوار مع القاهرة يُعلي السياسي على الأمني، لكن القاهرة لا تريد ذلك وإنما تريد ربط كل المسارات ببعضها، المسار الأمني المرتبط بالانخراط العسكري التركي في الدول العربية، ليبيا، سوريا، اليمن وغيرها من الدول إضافة إلى حل القضايا العالقة بشرق المتوسط.
وشدد على أنه وبدون إجراءات عملية في هذه الملفات وحسم القضايا الخلافية، على الأقل التي تمس الاعتبار الأمني ستبقى حالة الود هذه باردة وغير ذات معنى، مُضيفًا "لكن في تقديري فإن تركيا ستواصل حالة التهدئة مع القاهرة، لجملة اعتبارات؛ أولها مرتبط بالضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها تركيا، ضعف المناعة الإقليمية والدولية لتركيا، فتركيا لديها إشكاليات مع الاتحاد الأوروبي، حالة التوتر مع الإدارة الأمريكية والأوضاع الحقوقية والداخلية".
وأشار إلى أن "تركيا كانت تراهن في وقت من الأوقات على الانقسامات العربية خاصة بعد أزمة قطر والمقاطعة العربية لقطر في ٢٠١٧، أتصور أن قمة العلا رسمت خريطة جديدة للعلاقات العربية- العربية، بالأمس تابعنا الاتصال الهاتفي بين أمير قطر، ورئيس الدولة المصرية، التقارب السعودي القطري أيضًا نتابعه أيضًا. وتركيا كانت قد نجحت في توظيف الأزمة لبعض الوقت، لكن اليوم بعد التقارب الحادث في العلاقات العربية- العربية أصبحت تركيا في حاجة لإعادة صياغة سياستها تجاه دول المنطقة، وتحديدًا تجاه القاهرة".
وقال سعيد: "تركيا تعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ العام ٢٠١٨ والاقتصاد التركي يشهد تردي واضح، وبالتأكيد تمثل مصر أولوية جديدة ومدخل مهم لعبور المنتجات التركية سواء إلى الأسواق العربية أو إلى الأسواق الإفريقية"، وأردف: "استعادت القاهرة جانب واسع من ريادتها في الإقليم وحضورها في عدد من المنصات الإقليمية، فهذا أصبح يفرض على تركيا إعادة صياغة سياستها تجاه القاهرة"
وتابع: "الأهم في تقديري هو أن الرهان على البعد الأيدولوجي فقد حيويته وجوهره، جماعة الاخوان بالنسبة لتركيا لم تعد ورقة رابحة، وتركيا باتت تدرك وتعي أن الجماعة نفسها لم تعد ورقة ضاغطة على النظام في مصر.
وحول مستقبل التكتلات التي جرت في فترة القطيعة المصرية التركية قال خاصة المتعلقة بشرق المتوسط، قال سعيد: "لحقيقة نحن قبل فترة كنا أمام سياسات محاور ومحاور مضادة، فالقاهرة نجحت في بناء تحالف إقليمي مع قبرص واليونان، أخذ هذا التحالف مظاهر متعددة واستطاعت أن تجذب شركاء إقليميين ودوليين سواء عبر منتدى غاز المتوسط الذي تحول إلى منظمة إقليمية في مطلع العام الجاري، تأسيس منتدى الصداقة الذي يجمع مصر وقبرص واليونان ودول خليجية وعربية.. القاهرة استطاعت أن تشكل أيضًا تحالف منصة ثلاثية مع الأردن والعراق.. استطاعت أن يكون لها علاقات قوية مع دول خليجية وأتصور أن هذه التحالفات قائمة وهناك بيئة خصبة لبقاء واستمرار هذه التحالفات".
واستطرد: بالمقابل اليوم تتعرض المحاور التي شكلتها تركيا إلى ضربة قاصمة ظهرت ملامحها في زيارة الرئيس التونسي الأخيرة وبالأمس مهاتفة الأمير القطري للرئيس المصري، فأتصور أن التحالف الذي طالما سعت تركيا إلى بناءه وكان يضم قطر وتونس والصومال هذا التحالف أصبح يتعرض لهزة لم تكن لتتوقعها تركيا، فتقارب مصري قطري ومن قبله تقارب مصري تونسي على مستوى الرئاسة، ناهيك عن الأزمات داخل دول هذا التحالف، تونس تعاني أزمة غير مسبوقة، ما بين الرئيس والبرلمان، الصومال أيضا تعاني أزمة كبيرة في الداخل.
وتابع: أتصور أن الأزمات داخل دول هذا التحالف إضافة إلى التغير الحادث في طبيعة سياسات دول هذا التحالف تعرض تركيا لانتكاسة وربما تزيد من ضعف منعتها في الإقليم.
ولفت إلى أن المحور الأمني المتصدر للمحادثات التركية المصرية تُعلي فيه تركيا من البعد السياسي على حساب الأمني، إلا أن "القاهرة لا تريد عودة سياسية بالمجان مع تركيا بدون حسم الملفات الخلافية على مستوى الأمن"، وأضاف "الانخراط العسكري في شمال سوريا في ليبيا في اليمن الصومال كل هذه الأمور ملفات حساسة للقاهرة باعتبار أن هذه الدول تمثل بعد أمن قومي سواء للدولة المصرية على المستوى العربي أو على مستوى الجوار بالنسبة لليبيا، وبالتالي البعد الأمني حاضر في سياق العلاقات المصرية التركية بل ويحمل أولوية لن تتنازل عنه القاهرة بأي شكل من الأشكال".