خبراء.. الشرق الأوسط لن يكون كما قبل حربي غزة وأوكرانيا

يبدو أن حسابات الشرق الأوسط بين الحرب الروسية – الأوكرانية وحرب غزة قد اختلفت، لا سيما في ظل حديث متواصل عن تغيرات في بنية النظام الدولي نحو عالم أكثر تعددية أو على الأقل عالم غير خاضع للهيمنة الأمريكية.

وترتبط تلك التحولات في إطار حسبة الصراع الثلاثي بين أمريكا وروسيا والصين على اجتذاب الحلفاء في المنطقة وبسط مزيد من النفوذ، على نحو يفرض عديداً من التساؤلات بشأن الدرجة التي عادت بها واشنطن إلى الشرق الأوسط بعد سنوات من الاستدارة بعيداً عنه، وحول ما إذا كانت دول الإقليم قد التقطت تلك التغيرات بالفعل وتسعى للاستفادة منها.

طبعة جديدة في الشرق الأوسط

في هذا السياق، يقول دكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية إنه سيكون هناك طبعة جديدة من عالم متعدد الأقطاب بعد حرب غزة، لأن رد الفعل الأمريكي على هذه الحرب كان مبالغاً فيه ويشي ويوضح أن واشنطن لديها قلق مما يجري في المنطقة أكبر مما يحدث بين إسرائيل وحماس، وإرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد وإيزينهاور يؤكد أن الأمر أكبر مما نراه لدى واشنطن ولا يقتصر بأزمة ثنائية بين حماس وتل أبيب.

وأضاف "سمير"، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن رد الفعل الأمريكي بإرسال حاملات الطائرات يقول إن الولايات المتحدة تريد إثبات وجودها من جديد في الشرق الأوسط، وما يمكن تسميته بإعادة استدارة من قبلها باتجاه الشرق الأوسط، لأنه سبق وابتعدت أمريكا منذ 2010 عن المنطقة بداعي أن هناك دولاً أصبحت منتجة للنفط خارج الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وأن إسرائيل باتت قادرة على حماية نفسها.

وتابع أن الولايات المتحدة أدركت أن التحول نحو الطاقة الخضراء أمر يحتاج إلى مرحلة انتقالية يجعلها بحاجة إلى منطقة الشرق الأوسط التي تنتج الغاز والنفط، كما أدركت واشنطن أن فكرة الأمن المثالي لإسرائيل كما كان يدعي جيش الاحتلال الإسرائيلي غير موجودة، وبالتالي ببساطة تعود الولايات المتحدة الأمريكية مجدداً إلى الشرق الأوسط.

وحول أسباب تلك العودة أيضاً، يقول الدكتور أيمن سمير إن واشنطن أدركت أن هناك تقارباً بين دول المنطقة وروسيا وإيران، وحتى تركيا وإيران الدولتين الشرق أوسطيتين الغير العربيتين لديهما علاقات خاصة واستراتيجية مع روسيا والصين وأنقرة تحديداً على الأقل لديها علاقات طيبة مع موسكو، وبالتالي تعيد واشنطن تموضعها في المنطقة وتحاول نزع المساحات التي اكتسبتها بكين وموسكو خلال السنوات الماضية، لا سيما بعد نجاح الصينيين في الوساطة بين إيران والسعودية.

ويرى "سمير" أننا بالتالي أمام طبعة جديدة من عالم متعدد الأقطاب، ووجهة الشرق الأوسط ستتغير بالكامل، لأن أمريكا بإرسالها تلك الأسلحة وجهت رسائل للأعداء والأصدقاء، بأنها عائدة إلى الشرق الأوسط، وحتى لو كانت قد قللت من وجودها في المنطقة، فإنها عائدة. وجولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن كانت تسير في نفس الاتجاه، لا سيما في ظل المخاوف الأمريكية من الاستفادة الروسية من الوضع القائم حاليا بالمنطقة، ورأينا تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما وصف حصار غزة بحصار النازيين لمدينة ليننجراد، والأمر لا يقتصر على عودة أمريكا فقط بل بريطانيا وألمانيا، على نحو يجعل هناك تأثيرا كبيرا على متغيرات الشرق الأوسط.

على دول الشرق الأوسط أن تبحث عن مصالحها

من جهته، يقول طارق البرديسي خبير العلاقات الدولية، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الحرب الروسية – الأوكرانية انعكست على دور الشرق الأوسط، فلم يعد دوره كما كان قبل الحرب في أوكرانيا، ولم يعد تابعاً للولايات المتحدة، بل يرى أن هناك عالماً أكثر رحابة به قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين وقوى عديدة سواء في أمريكا الجنوبية أو آسيا.

وأضاف أن العالم العربي أصبح الآن يبحث عن مصالحه وفرصه من خلال تنويع علاقاته، حتى لو كان ذلك يتعارض مع طلبات الغرب ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبيين، مشدداً على أن أحداث غزة جاءت لتكشف سوءة المجتمع الغربي، فمن الواضح ذلك الانحياز الأعمى للدولة الإسرائيلية، وهذا يؤكد على أن الدول العربية عليها أن تبحث عن مصالحها وصالحها كما بدأت بالفعل، مثلما حدث بعد الحرب الروسية – الأوكرانية.

ولفت إلى أن الدول العربية بعدها رفضت زيادة إنتاجها من الغاز والنفط، وأن العرب يبحثون عن قواعد السوق، والدولة المصرية الرائدة على سبيل المثال باتت توسع تلك الشراكات الاقتصادية ليس فقط مع الأوروبيين والولايات المتحدة، وإنما مع الآسيويين والهنود واليابان وروسيا ودول عديدة، وبالتالي نستطيع القول بشكل واضح أن العالم تغير وأن الشرق الأوسط تغير بشكل جذري.