وبينما التزمت "القاهرة" الصمت حيال اشتباكات العاصمة باستثناء تصريح غير مباشر من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد فيه أن الأزمة في ليبيا لها تأثيرها على مصر، إلا أن تعليقها جاء معلنًا ومرحبًا بمخرجات لقاء بنغازي الذي جمع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وخليفة حفتر قائد ما يعرف بالجيش الوطني.
مؤشرات متفائلة باللقاء الثلاثي
في هذا السياق، يقول محمد فتحي الشريف مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات، لوكالة فرات للأنباء، إن طبيعة اللقاء الثلاثي وما خرج عنه أمر يستدعي الترحيب من قبل الدولة المصرية، لأنه جاء ليعبر عن توافق ليبي – ليبي، ويشكل خطوة مفصلية ومهمة، ونتمنى أن ينضم إلى هذا اللقاء الثلاثي لاحقًا المجلس الأعلى للدولة في ليبيا.
ويضيف "الشريف" أن المنفي وحفتر وصالح يشكلون الركائز الرئيسية لتحقيق التوافق الليبي – الليبي، لا سيما وأن اللقاء أكد على أن دور الأمم المتحدة والسيد عبدالله باتيلي المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا مجرد دور مساند وداعم وليس لفرض الآراء أو فرض خارطة طريق لا تتوافق مع التوجهات الليبية.
ويرى مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات أن قمة بنغازي أو اللقاء الثلاثي في بنغازي خطوة حقيقية لحل الأزمة في ليبيا، إذا خلصت النوايا وانضمت أطراف أخرى، وأن تكون هناك مرونة من قبل المجلس الأعلى للدولة لا سيما بعد التغيير الذي طال رئاسة المجلس خصوصًا ما يتعلق بالقوانين المنظمة للانتخابات وأن يتعاون مع مجلس النواب في ذلك.
ويلفت "الشريف" إلى أن القيادة المصرية تدرك أن استقرار ليبيا مهم لمصر، ولهذا كان الترحيب بمخرجات اللقاء الثلاثي، في ظل البحث عن مخرج للأزمة، وفي ظل أن اللقاء عبر عن القوى الرئيسية في الدولة الليبية، وإذا اتسع التوافق ليشمل مزيدًا من القوى الأخرى المؤثرة فإن هذا اللقاء لا شك أنه سيشكل نقطة فاصلة في مسار الأزمة الليبية.
ورحبت مصر بالبيان المشترك الصادر عقب لقاء بنغازي الثلاثي، معتبرةً أنه يؤكد على الملكية الوطنية لأي مسار سياسي وحوار وطني ليبي، كما رحبت بتولّي مجلس النواب صلاحياته في اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة باعتماد القوانين الانتخابية المحالة إليه من لجنة (6+6) بعد استكمال أعمالها.
كما رحبت أيضًا بالدعوة التي جملها البيان إلى رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى عدم اتخاذ أي خطوات منفردة اتصالًا بالمسار السياسي، فضلًا عن أهمية دعوة رئيس المجلس الرئاسي لاجتماع يضم رئاسة مجلسي النواب والدولة للتشاور بهدف استكمال المسار السياسي الوطني، وذلك من أجل تحقيق أكبر قدر من التوافقات بغرض إنجاز القوانين الانتخابية.
ملامح قلق في طرابلس من اللقاء الثلاثي
بدوره، يلفت عبدالهادي ربيع الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي، النظر إلى صدور بيان من قوة الردع وهي إحدى ميليشات العاصمة طرابلس التي دخلت في اشتباكات على مدار الأيام الماضية مع ميليشيا (444)، إذ أعلنت في البيان وقف أي تحركات عسكرية أو أي تصرفات غير مسؤولة، ما يعني تهدئة تامة في العاصمة وإنهاء الاشتباكات التي أوقعت عشرات القتلى والجرحى.
ويرى ربيع أن هذا البيان يعبر عن حالة من القلق داخل طرابلس جراء الاجتماع الذي عقد في الشرق الليبي، معربًا عن اعتقاده بأن قوى طرابلس ستعمل على عرقلة نتائج هذا الاجتماع الثلاثي، بدليل أن الاشتباكات التي استمرت على مدار الأيام الماضية وأزهقت الأرواح تتوقف، وفي نفس الوقت يصدر تحذير واضح وصريح من قبل قوة الردع بعدم القيام بأي تحرك عسكري، علمًا أنها من أشعلت الأزمة في الأيام الماضية بالقبض على محمود حمزة قائد فرقة (444) في مطار معيتيقة.
وقتل أكثر من 50 وأصيب قرابة 200 في اشتباكات دامية بين قوة الردع الخاصة وقوة (444) والأخيرة توصف بأنها وكيلة تركيا في طرابلس خلال الفترة الأخيرة، وإن كانت أنقرة لها تأثيرها ونفوذها على كل تلك الميليشيات، ويرجح مراقبون أن هذه الاشتباكات أتت في إطار صراع لتقاسم النفوذ بين القوتين الكبيرتين.
أزمة ممتدة
ودخلت ليبيا في دوامة سياسية وأمنية وعسكرية منذ الإطاحة بنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، حيث أجريت انتخابات تأسيسية سيطرت فيها تيارات الإسلام السياسي بمختلف مشاربها على المؤتمر الوطني التأسيسي (البرلمان الأول)، وعندما أجريت انتخابات في عام 2014 وخسروها انقلبوا على النتائج وقرروا التحصن بالعاصمة "طرابلس"، حيث أقاموا حكومة هناك ورفضوا الاعتراف بمجلس النواب المنتخب أو عقد جلساته في العاصمة واعتبروا المؤتمر الوطني المنتهية ولايته هو البرلمان الشرعي، وقد استعانوا في ذلك بقوة الميليشيات المسلحة.
أمام هذا الواقع، تم نقل مقر انعقاد البرلمان من طرابلس إلى مدينة "طبرق" شرق البلاد، والذي بدوره شكل حكومة منبثقة عنه، وتحظى بحماية ودعم من قبل ما يسمى بقوات الجيش الوطني الليبي التي يقودها خليفة حفتر، لتصبح البلاد أمام انقسام في المؤسسات التشريعية والتنفيذية وكذلك العسكرية، وسط صراعات وصدامات مسلحة لعب النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان دوراً كبيراً فيها عبر دعم ميليشيات العاصمة، بل وإرسال مقاتلين أجانب ومستشارين عسكريين لهم.
وقد قادت بعض الدول تحت رعاية الأمم المتحدة مباحثات مكثفة أفضت في النهاية إلى تشكيل ما يسمى بـ"حكومة الوحدة الوطنية" أو "الوفاق الوطني"، وتم الاستقرار على أن يستمر المؤتمر الوطني المنتهية ولايته "برلمان طرابلس" تحت مسمى المجلس الأعلى للدولة كهيئة استشارية، وأن يستمر مجلس النواب المنعقد في طبرق على أن تحظى الحكومة المتفق عليها بثقة الأخير، لكن هذا الأمر فشل عدة مرات لتستمر الخلافات والانقسامات.