بعد قرار المحكمة الاتحادية.. كواليس إشعال نار الخلاف في ملف الحدود العراقية الكويتية من جديد

لا تزال أزمة ترسيم الحدود العراقية الكويتية تنذر بتوتر بين الطرفين من جديد، خاصة بعد قرار المحكمة الاتحادية العراقية بإلغاء اتفاقية خور عبد الله التي ترسم الحدود البحرية بين الطرفين.

مرة أخرى، عادت للواجهة مشكلة العلامة 160 الخلافية في ترسيم الحدود العراقية الكويتية، مما يثير التساؤلات حول تداعيات أزمة ترسيم الحدود وهل يمكن استخدامها من قوى إقليمية لإفساد العلاقات الكويتية العراقية.

كشف فهد الشليمي، الخبير الأمني والسياسي الكويتي، والذي كان عضواً دولياً سابقاً في لجنة ترسيم الحدود الكويتية، أن قرار المحكمة الاتحادية هو قرار عراقي، وهذا القرار لا يلغي الاتفاقية لأن الاتفاقية اتفاقية دولية ولكن يجعل أحد الأطراف غير متعاون في هذه الاتفاقية، وقرار المحكمة الاتحادية يقول أن القانون الذي صدر به هذه الاتفاقية لم يحصل على ثلثي أصوات مجلس النواب والكلام صحيح، مبيناً أن السؤال هو لماذا صمتت الحكومات والبرلمانات العراقية منذ 2013 حتى الآن لمدة 10 سنوات، ولماذا الآن يتم تجريح القانون أو الاعتراض عليه، مما قد يكون دعم لموضوع إيران في حقل الدرة أو موضوع انتخابات المحافظات.

وأكد "الشليمي" في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن العلامة 160 هي علامة حدودية في منتصف طرف خور عبد الله وهي آخر علامة حدودية تحدد الحدود العراقية الكويتية، والعراق احتج على ترسيم حدود الأمم المتحدة أنه تم في منتصف الخور ولم يتم في أعمق نقطة من الخور، وذلك لأنه في منتصف الخور الجزء العراقي ممتلئ بالطين والطمي.

وأضاف العضو الدولي السابق في لجنة ترسيم الحدود الكويتية، أن الكويت تريد أن تحل الموضوع ولذلك سننتظر انتهاء انتخابات المحافظات العراقية وتتفاهم مع العراق

وبين "الشليمي"، أن إيران تحاول أن تربك الموضوع للحصول على مكاسب في حقل الدرة الذي يدور حوله مفاوضات بسيطة، مبينًا أنه قد يريد العراق أن تلجأ الكويت للتحكيم ولكن هذا اللجوء يلغي قرار مجلس الأمن، ولا يمكن اللجوء للتحكيم أو الطعن في القرار حتى محكمة العدل الدولية لا تستطيع أن تلغي القرار لسبب بسيط هو أن القرار صادر عن مجلس الأمن وهي أعلى سلطة مسؤولة عن الأمن والسلم العالميين وقرارات مجلس الأمن واجبة النفاذ، ولذلك واجب رئيس مجلس الوزراء العراقي أن يحل هذه المشكلة
وأوضح العضو الدولي السابق في لجنة ترسيم الحدود الكويتية، أن العراق يواجه نفس المشكلة ولكن لم يتحدث عنها أحد، لأن إيران أخذت نصف شط العرب والآن أخذت 2 كيلو و200 متر من الأراضي العراقية في شط العرب ولكن لم تتحدث الحكومة العراقية أو النواب العراقيبن، وهي أسئلة تثير الريبة، خاصة وأن الكويت ليس لها أطماع في التضييق على العراق أو الاستفادة من أي مورد من موارد العراق، والكويت تريد تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 833 لسنة 1993 والخاص بترسيم الحدود العراقية الكويتية سواء كانت بحرية أو برية، وقد تتعاون الكويت في حركة المرور البريء للسفن، أن تدخل ضمن المياه الإقليمية الكويتية السفن الداخلة للعراق بدون أن ترفع العلم وهو ما يسمونه المرور البريء، وبعدها تتجه لميناء أم القصر عبر خور عبد الله إلى خور الزبير وبعدها تتجه للميناء.
 
قال الدكتور عايد المناع، الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، إن ترسيم الحدود الكويتية العراقية انتهى من الجانب البري بالكامل، وذلك وفقا لمتطلبات القرار الأممي رقم 833 لسنة 1993 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وهو مستند على قرار دولي سابق، واعتمد على وثائق ثنائية من أهمها محضر الاتفاق الذي تم في 4 تشرين الأول عام 1964 والذي بدوره تم بناء على رسالة رئيس وزراء العراق في العهد الملكي نور السعيد إلى المندوب السامي البريطاني ومن ثم إلى حاكم الكويت في ٢١ تموز 1932 والتي حدد فيها رئيس الوزراء العراقي في خطاب مطول الحدود بين الكويت والعراق وبالتالي وافق عليها حاكم الكويت واعتبرت أحد الوثائق الهامة، وسبقتها مفاوضات بين بريطانيا والدولة العثمانية سنة 1913، وراء الغزو وتم احتلال الكويت في 2 آب 1990 الى 26 شباط 1992 عندما تحررت الكويت، والحقيقة لم يتم التنفيذ العملي لترسيم الحدود إلا بعد سقوط نظام صدام حسين

وأكد المانع في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، بالنسبة للجانب البحري تم ترسيم الحدود البحرية بعد توقيع اتفاقية خور عبد الله في عام 2012 وتم التوقيع عليها من جانب الحكومة العراقية في 2013 ومجلس النواب وافق عليها بأغلبية يقال بسيطة في 2014، ولكن جميع متطلبات الاتفاقية قد تحققت ولكن بقيت نقطة وحيدة وهي وضع العلامة 162 التي كان عليها الحوار والنقاش والعمق وغيره من الأمور.

وأضاف الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، أنه جاء حكم المحكمة الإتحادية العليا في 4 سبتمبر 2023 ليعلن إلغاء الاتفاقية لمخالفتها نص المادة 61 من الدستور العراقي الفقرة 4، والتي تقول إن الاتفاقيات والمعاهدات تنظم بقانون يجب أن يحصل على ثلثي أعضاء البرلمان، وبالتالي أن هذه الاتفاقية لم تحصل على هذه النسبة فهي باطلة، مبينًا أن هذا القرار بعد 10 سنوات شيء معيب وغير لائق، أن يتم بين الدول المتشاطئة والشقيقة، لأنه بعد تلك المدة تمت أمور كثيرة.

وبين المانع، أن هذا الإلغاء يلزم الحكومة العراقية ولكنه لا يلزم الحكومة الكويتية وبالتالي على الحكومة العراقية أن تتصدى وكان المفترض أنها تصدت للدعوى المقامة أمام المحكمة الاتحادية من خلال محامي الحكومة من خلال الدفع بعدم جدية الحكم والدعوة بالإبطال، ولكن يبدو أن الحكومة العراقية تعاونت أو أرادت أن يتم ذلك..

وأردف الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، أنه يبقى هذا الوضع مسؤولية الحكومة العراقية وهي التي ينبغي أن تعمل على أن تتغلب على هذه الإشكالية وأن تعود للبرلمان والحصول على أغلبية الثلثين حتى لا يكون هناك مبرر للإبطال مرة أخرى، أو أن تبقى الأمور معلقة وأن تبقى الكويت ستبقى على ما هو عليه فإذا تضررت الكويت فسيكون العراق المتضرر الأكبر لأنه لن يستطيع ممارسة صلاحيات في الجوانب البحرية في المواقع التي تواجدت فيها الكويت بعد ترسيم الحدود، مشيراً إلى أن الأمل هو أن تحسم الحكومة العراقية الأمر وتطرح الاتفاق على البرلمان وتنهي هذه الإشكالية، ولا يعيبها أن تتحدث مع الحكومة الكويتية في بعض الأمور التي تسهل عليها ذلك ولكن الكويتيين لن يقبلوا بأقل مما حصلوا عليه ولذلك قد تتدهور الأمور مستقبلاً.

وأشار المانع، إلى أنه يبدو أن الحكومة العراقية بضغط من أطراف من بقايا النظام السابق ومن أطراف لا يريدون لها علاقات جيدة مع دول الجوار وخاصة الكويت، وانحنت حكومة بغداد لتلك المتطلبات.

كشف حسين عبد الرحمن، الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، أن ترسيم الحدود العراقية الكويتية مرت بسنوات عجاف مرت بكثير من التعدي العراقي على الحدود الكويتية خاصة وأن الكويت دولة مسالمة ودستورها لا يؤمن بالحرب الهجومية ويمنع التعدي على أي دولة أخرى، لذلك أن تكون بلد خير وساعدت الكويت في الاستقرار الاقتصادي للكثير من الدول العربية وهذا ليس منه بل هو واجب على الكويت.

وأكد عبد الرحمن في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، أن الترسيم الذي تم في عام 1993 وهو قرار مجلس الأمن رقم 338 وهو أول قرار من مجلس أممي لرسم حدود بين دولتين حتى لا يكون هناك خلاف، وقد حضر الترسيم الجانب العراقي وشارك وكان لديهم السفير رياض القيسي وبالتالي الكويت مشت على هذا الترسيم، والمشروع حصل على تصويت مجلس النواب العراقي بالموافقة وهو آخر مرحلة من المراحل

وأضاف الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، أن المحكمة الاتحادية الفيدرالية اتخذت قرار ليس بإسقاط القانون الذي تم ترسيمه، ولكن اعتبرت أن الموافقة في مجلس الشعب يجب أن يكون بأغلبية حضور من النواب، والعملية بسيطة حيث يعاد التصويت على هذا القانون مرة أخرى وسيحصل على الأغلبية لأن العراقيين شعب يريد ان يستقر وألا يخلق نزاعات مع الدول المجاورة.

وبين عبد الرحمن، أنه يريد بعض الناس أن يحصلوا على تكسب شعبي وخاصة في وجود انتخابات لديهم، ولكن الكويت ستحافظ على مكتسباته الأممية وهو قرار الأمم المتحدة، الكويت متمسك بالقرار الأممي ولا يمكن أن تأتي العراق بعد 30 سنة من الترسيم وتراه باطل، مبينًا أنه من يريد أن يبطل هذا الترسيم عليه أن يلجأ للأمم المتحدة ومجلس الأمن ويبطله هناك، وليس عبر عنتريات وكلمات تقال في الصحف أو القنوات الفضائية.

وأوضح الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، أن الكويت تعتبر أن الحدود تم ترسيمها ومجلس الشعب العراقي وافق عليه، ولذلك الكويت متمسكة بهذا الاتجاه والعملية ستكون بيد العراقيين الذي يحرصون على مصلحة بلدهم، وهذا شيء طبيعي أن تكون بعض القرارات لها أغلبية، وربما يرى بعض الخبراء الدستوريين أنها لا تحتاج لأغلبية والعملية ستكون محل نقاش وجدل إلى أن يتم الاستقرار.

وأردف عبد الرحمن، أن بعض القوى قد تستغل الخلاف من أجل تأجيج الوضع بين العراق والكويت وهؤلاء لا يريدون الاستقرار للمنطقة، ولكن الواعين أكثر من  هؤلاء، والكويت تعتمد على القوى المعتدلة والقوى الراغبة في الاستقرار من أجل تنمية البلدين ومن أجل مصالح الشعبين، وبدون استقرار لا يوجد بناء للوطن، والعراق قادر على أن يجتاز أزماته، وتلك الأزمة الأخيرة هي أزمة في نفوس بعض المحطات وبعض القنوات وبعض مؤججي الصراع، وهو تأجيج ليس عقلاني وإنما لمصالح انتخابية، وبعض الأصوات تقوم بدور الكومبارس يشاركون في كل قضية ولا يهمهم استقرار البلد ولكن المهم أن تكون المنطقة ملتهبة، والقوى المعتدلة هي من ستشارك في إطفاء تلك الحرائق.


بينما ترى الدكتورة ندى الجبوري، رئيسة ”منظمة المرأة والمستقبل العراقية“، والبرلمانية العراقية السابقة، أن مسألة ترسيم الحدود مع الكويت هي مسألة وطن حاليًا، ولا يوجد حق بترسيم حدود دخل بها العراق مضطرًا على التوقيع بعد تحرير الكويت بمساعدة دولية وتعرض العراق الى حرب كبيرة اشتركت بها جيوش أجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية علاوة على التعويضات التي من المفروض ان تتوقف بعد تغيير النظام في 2003.

وأكدت الجبوري في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، أن اتفاقية خور عبد الله تم نقضها من قبل المحكمة الاتحادية ورفضها الشعب العراقي، وبالتالي من الصعب حاليًا أخذ مكاسب بترسيم الحدود على حساب الشعب العراقي الذي دفع أثمان منذ عام 1990 والى عام 2003 تكبد مليارات الدولارات واحتلالين وتهجير قسري للمناطق المتاخمة على الحدود مع الكويت.


كشف علي البيدر، الكاتب والمحلل السياسي العراقي، أن المفاوضات بين العراق والكويت بشأن ترسيم الحدود البحرية تسير بحالة من التشنج أو فرض الإرادات أو فرض واقع سياسي معين بعيداً عن الروحية التي أن تكون بها نوع من الجدية في هذه المرحلة ونسيان الماضي بكل تفاصيله.

وأكد البيدر في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، أن الموقف الكويتي يتعامل بانتقام مع العراقيين وكأنما العراق ما يزال تحت حكم نظام صدام، أو الشعب العراقي هو الأزمة وليس ما حصل كان يمثل رؤية النظام حينها، وهي نقطة في غاية الحساسية والأهمية وبذلك يتصور أن الأمور لن تحل عبر المفاوضات بل تحتاج ببصمة وقرار قضائي يجبر الطرفين للامتثال لواقع معين، والكويت استغلت ظروف العراق ووضعه الضعيف خلال المراحل السابقة بسبب الأزمات التي عاشتها البلاد وذهبت لفرض واقع بطريقة توضح أن هناك نوايا ثأرية في التعامل مع المشهد العراقي وكأنها تريد أن تنتصر لملف الغزو وما فعله صدام حينها 

وأضاف الكاتب والمحلل السياسي العراقي، أنه تتزامن المفاوضات مع أزمات أو مشاكل أخرى تتعلق بدولة الكويت، وقد تكون هناك دول أخرى دخلت على خط الأزمة، مشيرًا إلى أن قرار المحكمة الإتحادية هو قرار صائب، لأنه اعتمد على قانون الاتفاقيات العراقية الذي يشير على البرلمان أن يكون تصويته بثلثي الأعضاء عندما نتحدث عن الاتفاقيات ذات الأبعاد الاستراتيجية ومنها اتفاقية خور عبد الله ولذلك يعد هذا القانون باطل لأنه لم يحصل على هذه النسبة.

وبين البيدر، أن العلامة 162 هي آخر نقطة شخصتها المفاوضات والمواقف الدولية بعد عام 1993، والعراق يرى أنها تجاوزت على حدوده والكويت ترى أنها استحقاق لذلك يفترض أن يعاد النظر حتى بالقرارات الدولية المتخذة في هذا الجانب، كون العراق وافق على هذه القرارات على مضض.

وأردف الكاتب والمحلل السياسي العراقي، أن الفوائد التي سيجنيها الجانبين من ترسيم الحدود هو تقليل التوترات والأزمات والتشنجات والاخير العراق والكويت صديقان وهناك الكثير من الأواصر بين الجانبين، متمنياً ألا يستخدم أي طرف نظرية المنتصر أو يحاول صناعة واقع معين على حساب الطرف الآخر، وضرورة إعادة النظر بالحدود.

وأشار البيدر إلى أنه من الوارد أن تغذي بعض الأطراف الأزمة وتحاول إطالة عمرها للحصول على مكاسب معينة، وهذه المكاسب قد توفر لها بعض الامتيازات أو تبقى المنطقة في أزمات متواصلة لذلك على الجانبين أن يلجأ إلى الحلول الإيجابية والمخرجات المرضية لكلا الطرفين.