بعد لقاء قياداته.. خبير حركات إسلامية: أردوغان الابن المخلص لتنظيم الإخوان ومصر لا تستغرب الاجتماع

شهدت الأيام الماضية لقاءً مثيراً للجدل بين الرئيس التركي أردوغان وعدد من قيادات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في عدد من الدول، والذي جرى خلاله مناقشة بعض الأمور المتعلقة بوجود الجماعة في تركيا، وتجديد تلك القيادات تأكيداتها على دعم أردوغان.

لكن ما يثير الجدل بشكل كبير هو أن هذا الاجتماع وعلى هذا المستوى الرفيع يأتي تزامناً مع تطبيع للعلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا، كما يأتي في وقت يثار الحديث فيه عن إرجاء زيارة كان مقرر لها قبل نهاية يوليو المنصرم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا حيث يعقد قمة مع نظيره التركي.

أجرت وكالة فرات للأنباء حواراً مع عمرو فاروق الباحث المصري المخضرم في ملف حركات الإسلام السياسي، لمحاولة تفسير هذا المشهد الملتبس على صعيد العلاقات المصرية – التركية، ومبررات هذا الاجتماع وما يعنيه بالنسبة لتوجهات أردوغان الذي ظن كثيرون أنه قد تخلى عنها.

وإلى نص الحوار:

* بداية، كيف تابعت لقاء أردوغان مع قيادات التنظيم الدولي للإخوان؟

- أنا كمتابع للحدث ومتابع لملف الإسلام السياسي وفي تركيا تحديداً فإن مبررات هذا الاجتماع لها شقين، شق متعلق بالجوانب الإيديولوجية عند الرئيس التركي نفسه، فأردوغان لا ولن ينفصل أو ينخلع عن الإطار الإخواني، فهو الابن المخلص للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وإن كان يحمل ما يعرف بأدبيات الإسلام الليبرالي، أردوغان لم يخرج مطلقاً على مدار عمله في السياسة عن الإطار العام لتنظيم الإخوان، سواء التفاهمات السياسية مع بعض الدول، وتحالفاته مرتبطة بتحالفات التنظيم الدولي، وكان ذلك واضحاً من خلال علاقاته مع ماليزيا وقطر وإيران، وكل هذه العلاقات تسير في فلك رؤى التنظيم الدولي.

*قلت إن هناك شقاً آخراً يبرر هذا الاجتماع، ما هو؟

- ما يقودنا إلى الشق الثاني من مبررات هذا الاجتماع هو أن كثيرين كانوا يعتقدون أن أردوغان سيتخلى عن جماعة الإخوان، وهذا غير صحيح، لأن السياسة الخارجية للرئيس التركي سياسة توسعية، فهو طوال الوقت لديه مبرراته البرجماتية الخاصة به على المستوى السياسي والأمني، وبالتالي تفاهماته مع القاهرة وتطبيعها على المستوى السياسي والأمني والدبلوماسي والرئاسي في الفترة الأخيرة أمر يأتي في إطار التفاهمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة، مثل اتفاقية العلا التي قادتها المملكة العربية السعودية لخلخلة الأزمة مع قطر وتركيا، وبالتالي أردوغان يلعب طول الوقت على كل الأطراف.

*هل عدم التخلي عن الإخوان يعني أن أردوغان لا يزال يرى أنها تشكل ورقة ضغط على مصر حتى رغم التقارب؟

- دعني أقول لك شيء وبكل وضوح، من الغباء بمكان أن يعتقد البعض أن أردوغان يمكنه أن يتخلى عن أي ورقة ضغط على مصر، وهو يريد أن يكون لديه أوراق ضغط طوال الوقت، لأنه يريد أن يلعب بها سياسة مع الجانب المصري، هو هنا يلعب سياسة، والتحركات السياسية تحقق في المقابل أهدافاَ على المستوىات الأمنية والاقتصادية والسياسية كذلك، فلا تزال هناك مواجهة في ليبيا لم يتم التوصل إلى صيغة نهائية بالنسبة لها، وهناك ملف غاز شرق المتوسط وملف ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص، وكلها ملفات لا تزال موجودة وغير محسومة، أيضاً هناك الملف الإثيوبي، تركيا من أكبر الدول التي لديها استثمارات في إثيوبيا، وبالتالي سيظل أردوغان يلعب بأوراقه من أجل كل هذه الملفات.

*وماذا يعني ذلك في إطار العلاقة بين أردوغان والإخوان؟

- أنا أعتقد أن ورقة الإخوان ستظل بيد أردوغان يلاعب بها الدول بما فيها مصر، حتى لو كان ظاهرياً هناك مجموعة من التنازلات، فهو بالفعل أغلق مجموعة من المنصات للإخوان وأعاد النظر في مسألة التجنيس. ودعنا نقول إن هناك جزء أمنياً في هذه اللعبة، فهناك أمور قد تتم على المستوى الأمني لكن قد لا يصاحبها توافقات سياسية، فقد تكون هناك خلافات يتم تفكيكها على المستوى الأمني لكن سياساً تكون غير كاملة، وبالتفاهمات الأمنية هنا بين مصر وتركيا لم تنقطع ومستمرة وكانت بشكل مباشر على المستوى الاستخباراتي، وبالتالي في فترة يمكن وضع الإجراءات التي اتخذت من قبل تركيا ضد الإخوان في إطار الإجراءات الأمنية كوضع بعض العناصر على قوائم الملاحقة أو المتابعة وغلق بعض المؤسسات وإعادة النظر في التجنيس، وهذه قرارات أمنية وليست سياسية.

*هل أفهم من حديثك إذن أن هذا الاجتماع لم يكن مستغرباً بالنسبة للسلطات المصرية؟

- لا طبعاً، أي من يتابع المشهد سيرى أن أردوغان لديه علاقاته القوية مع التنظيم الدولي للإخوان، فهو ابن لهذا المشروع، وهو في الوقت ذاته مشروع لدى التنظيم الدولي، علماً أن هناك انشقاقات حصلت في صفوف الإخوان داخل تركيا، ويمكن أن تطبق الإجراءات الأمنية باتجاه بعض العناصر الذين لا يمكن وصفهم بأنهم صلب التنظيم الدولي، خصوصاً أن هناك بعض المنضمين لهؤلاء في تركيا ليسوا من الإخوان وإنما انضموا في إطار بعض المصالح الخاصة بهم، والإخوان في الوقت ذاته كانوا يستفيدون من هؤلاء لتشكيل جبهة كبيرة معارضة للدولة المصرية، وكانوا يظنون أن الدولة مترهلة وستنهار وهذا تفكير عبثي.

*لكن مسألة الاتصال المباشر بين أردوغان والإخوان أمر يثير كثيراً من علامات الاستفهام، أليس كذلك؟

- الرئيس التركي خصص خطاً ساخناً للإخوان في رئاسة الجمهورية، أي يستطيعون التواصل معه بشكل مباشر، وهذا يعني أن هناك جناحاً أمنياً تركياً لديه ميول إلى مطالب الدولة المصرية ويسير في هذا الاتجاه منذ فترة طويلة، وهذا الجناح ربما يتعارض مع الجناح السياسي الذي يقوده أردوغان، فيصبح الأمر كما لو كان كل طرف يحاول موازنة الأمور مع الطرف الآخر، وبالتالي نحن أمام مشهد معقد، خصوصاً وأن تركيا من المعروف عنها أنها لديها كثيراً من الأجنحة الأمنية، ولهذا رأينا التطبيع بين مصر وتركيا على المستوى الأمني تقريباً منذ عام 2018.