الدكتور محمد محمود دوداني: دولة الاحتلال التركي عنصرية لا تؤمن بوجود الآخر

أكد الدكتور محمد محمود دوداني، أن دولة الاحتلال التركي لا تؤمن بوجود الآخر وفقا للفكر الطوراني العثماني، ومن ثم فهي لا تعترف بحقوق القومية الكردية ولا تعترف بوجودهم.

أوضح الدكتور محمد محمود دوداني مدرس التاريخ المعاصر في جامعة دمياط المصرية، في حوار لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أن كتابه الأخير الصادر في معرض القاهرة الدولي للكتاب بعنوان تحولات السياسة التركية بين الشرق والغرب، يرصد العلاقات التركية بمنطقة الشرق الأوسط والغرب الأوروبي  وانعكاساتها على القضية الكردية، مشيرا إلى أن التحول الأخير في السياسة التركية تضمن نزعة استعمارية تسعى للسيطرة على الدول ونهب ثروات شعوبها نكاية في أوروبا التي رفضت انضمامها للاتحاد في الاستفتاء الفرنسي عام 2007، كما تطرق في حواره إلى العديد من المحاور المرتبطة بالقضية الكردية وتداعيات توسع النفوذ التركي في المنطقة عليها، فإلى نص الحوار:

*بداية ما هي أبرز مظاهر التحول في السياسة الخارجية التركية خلال العقود الماضية؟

التحولات السياسية في تركيا ممتدة ومستمرة منذ الأربعينيات، إلا أن التحول الأكبر كان في أعقاب رفض الدول الأوروبية انضمامها الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الفرنسي عام 2007، فبدأت دولة الاحتلال التركي تتجه نحو الشرق الأوسط لتنافس الاتحاد في نفوذه، وحينها قال أردوغان أن الفرنسيين سيشاهدون الأعلام التركية ترفرف في على مناطق النفوذ الفرنسي القديمة جنوب البحر المتوسط والمشرق العربي، كما أن هناك تحولا في السياسة الخارجية سبق تلك الفترة وتحديدا بين 1945 و 1967 حينما توجهت إلى أوروبا وأمريكا ولما حدثت أزمة قبرص 1964 توجهت مرة أخرى للعالم العربي وأصبحت تنافس أوروبا في نفوذها ومن ثم فإن توسع النفوذ التركي في الشرق الأوسط بعد أحداث 2011 يعود إلى تقلص نفوذ الاتحاد الأوروبي وترك الساحة خالية للأتراك.

*دليل النزعة الاستعمارية التركية.. احتلت تركيا دولة أوروبية كيف تفسر صمت المجتمع الغربي؟

تبرر تركيا احتلالها بحماية المواطنين الأتراك رغم أن عدد السكان الأتراك في قبرص لا يتجاوز 18%  مقابل 80% من القبارصة اليونانيين، وكان الأتراك يسيطرون على 3 وزارات، و40% من الجيش، و30% من مقاعد البرلمان، ومن ثم فإن الادعاءات التركية ليس لها أساس من الصحة وإنما تسعى دولة الاحتلال لإشباع رغباتها الاستعمارية باحتلال جزء من دول أوروبية بدليل أن القبارصة اليونانيين حينما استهدفوا المدن التركية ضرب الطيران التركي القبارصة الأتراك واليونانيين على حد سواء، وبالتالي فإن النزعة الاستعمارية متأصلة في وجدان الساسة العثمانيين وفي 8 ديسمبر 2024 قال أحد نواب البرلمان التركي لا تنسوا  أن مدينة حلب تركية، فالمشكلة لا تتلخص في الدفاع عن الحدود أو الأمن القومي وإنما في بروز عثمانيين جدد يسعون للسيطرة على العالم العربي.

*في خضم التوترات الجيوسياسية الجارية في المنطقة هل يُولد من رحم تلك الاضطرابات من يتصدى للنزعة العثمانية الاستعمارية؟

للأسف الشديد تراجع القومية العربية وتفتت الدول بعد حرب 73 ثم احتلال الكويت من قبل العراق والغزو الأمريكي، خلق صدعا في المشروع العربي الذي أثر بالتبعية على السياسة الخارجية المصرية التي تتعرض لحصار اقتصادي بعد أحداث 2011 وهو ما منح دولة الاحتلال التركي مساحة للتحرك بحرية في الشرق الأوسط، فمصر كانت تملأ الفراغ ومن بعد 1979 انكمشت مصر، بسبب حصارها دوليا.

*كيف تخطط دولة الاحتلال للسيطرة على العالم العربي؟  

هناك نموذج واضح على مخططات الاحتلال التركي الهادفة إلى السيطرة على مقدرات الدول العربية، ففي الثمانينات أعلنت حكومة توركوت أوزال عن مشروع لنقل المياه من العراق للكويت ثم دول الخليج عبر خط أنابيب والهدف المعلن هو الدعم والمساندة أما الهدف الحقيقي فتمثل في الهيمنة والسيطرة والتحكم في الشعوب، وحينها رفضت دول الخليج المشروع لأنها تعلم مساعي الاحتلال الخفية، وفي الستينيات أعلنت أيضا عن تدشين خط مياه من العراق للأردن ثم إسرائيل فيما عُرف بمشروع الجاب الذي لم يكتمل.

*هل تحاول دولة الاحتلال إعادة سيناريو الأرمن مع الشعوب الكردية؟

الاحتلال التركي يعيد تكرار سيناريو الأرمن كل فترة بأشكال مختلفة، فمنذ القرن التاسع عشر، أسست العثمانية للفكر الطوراني الذي لا يؤمن بوجود الآخر ويتمتع بالأنا العالية ووفقا لهذا التأصيل فالتركي لا يقبل شريك في حُكم أو وطن، ومنذ بداية جرائم الإبادة ضد الأرمن في 1894 وأثناء الحرب العالمية الأولى، أعدم جمال باشا 18 ألف عربي في سوريا وبيروت لأنهم طالبوا بالقومية العربية، وحينما حاصر مكة أثناء الثورة العربية التي قادها الشريف الحسين بن علي قال جمال نصا: «قتلنا الأرمن حرقا وسنقتل العرب جوعا»، فطالما استمر هذا الفكر الطوراني ستظل سياسات الإقصاء والإبادة والدم.

*هل تعتقد أن غياب المشروع العربي سببا في عودة العثمانية الاستعمارية؟

بالطبع هذا أحد أهم الأسباب، فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أصرّ على وجود القومية الكردية منذ القدم إلى جوار القومية العربية وكان أول حاكم عربي يطالب بحكم ذاتي للكرد في العراق، وحينها حدثت خلافات بين مصر والعراقيين وبينها وبين دولة الاحتلال التركي الذين اتهموه بتحريض الكرد ضدهم فرد بسؤال: هل لديكم كرد؟ وذلك رداً على تجاهل السفير التركي في مصر وجودهم ورفض الاعتراف بهم، كما شبه العراقيين الكرد بإسرائيل وهو ما واجهه عبد الناصر بالرفض القاطع مؤكدا أن الكرد موجودون منذ الأزل وشاركت القومية الكردية القومية العربية وكان هناك مشروعا وحدويا اسلاميا قاده الكرد وأفرز دولة قوية عاشت أكثر من 150 عامًا وكان لها باعا في الدفاع عن المقدسات الإسلامية.

*ساند الكرد العثمانيين ضد الدولة الصفوية في معركة جالديران. هل تخشى دولة الاحتلال من قوة الكرد؟

معركة جالديران كانت بمثابة حرب دينية سببها المذهبية، فأغلب الكرد سُنة والعثمانيين سُنة، واسماعيل الصفوي حوّل بلاد فارس للمذهب الشيعي بالدماء وحينها رأى الكرد أن العثمانيين أقرب إليهم بسبب المذهب واتحدوا معهم للتصدي للدولة الصفوية، والعلاقة بين الكرد والعثمانيين قديمة ومتجذرة وهو ما خلق تخوف عثماني من قوتهم العسكرية.

*هل تعدد المشروعات العرقية والمذهبية في المنطقة وسط غياب المشروع العربي كان سببا لحرب الإبادة التي يتعرض له الكرد؟

هناك مشروعين في المنطقة هما المشروع الإيراني والعثماني، حدث صداما بينهما في سوريا  بعد تغييب المشروع العربي الوحدوي الذي مكّن العثمانيين من التنكيل بالكرد ، ففي 2011  استعان بشار الأسد بإيران وروسيا وحينها تدخلت أمريكا وتدخلت دولة الاحتلال التركي بتشكيل مجموعات سنية جهادية استطاعت السيطرة على الدولة بعد انكسار المشروع الإيراني على خلفية الضربات الإسرائيلية لمحور المقاومة ووفاة زعيم حزب الله حسن نصرالله، وتم الانسحاب من الأراضي السورية باتفاق أمريكي إسرائيلي تحت إدارة تركيا وجاء الجولاني الذي صنفته أمريكا في وقت سابق بأنه إرهابي، ومحاولات العرب احتواء سوريا تأخرت كثيرا.

*هل يمكن أن نشهد مشروعا عربيا مساندا للشعب الكردي؟

ظهور مشروع عربي وحدوي يتطلب وجود حاكم عربي مستنير مثل الزعيم جمال عبدالناصر الذي كان صاحب مشروع التفت حوله الدول العربية والإفريقية، وصلاح المنطقة لن يتم إلا بعودة قوة مصر، وستعود مرة أخرى مهما كانت الأزمات التي تعرضت لها لتبدأ مشروع الوحدة العربية وينسى الجميع مشكلة الدولة الغنية والدولة الفقيرة وإشكالية الاستعانة بالأجنبي على حساب العربي، فالرئيس السيسي سبق وأن أعلن استعداد مصر للدفاع عن الدول الخليجية ضد أي خطر يواجه أمنها القومي.

*كيف ترى في فكر القائد عبدالله أوجلان حلا لمشاكل الشرق الأوسط، وموقف القضية الكردية؟

القائد عبدالله أوجلان فيلسوف ومنظر مُتفرد يمتلك من الأدوات السياسية ما يمكنه من خلق الاستقرار في المنطقة إذا تم الاستعانة بفكره وتطبيقه إلا أن هناك مصالح للقوى العظمى تصطدم مع فكره العادل والراقي، ويكفي أنه صاحب مشروع نضالي بدأ في الثمانينات حينما أسس حزب العمال الكردستاني الذي استمر في مقاومة الطغاة ويجب أن يبقى النضال الكردي طالما ترفض دولة الاحتلال التركي الحلول السلمية، فالكرد جزء من المجتمع التركي والمنطقة الكردية عانت من الفقر والإهمال بخطة تركية خبيثة لأنهم لا يؤمنون بالآخر ومشروع القائد أوجلان من المنظور التركي مجرد حبر على ورق، ويمكننا القول أن دولتا الاحتلال التركي والإسرائيلي وجهان لعملة واحدة، فالأخيرة لا تعترف بحق الفلسطينيين في الوجود وكذلك تركيا لا تعترف بوجود الشعوب الكردية وفي الأدبيات الغربية يقولون إن تركيا واسرائيل أنظمة ديمقراطية في الشرق الأوسط.

*ماذا عن تأسيس مشروع ثقافي كردي عربي يحي القضية ويبرز نضال المقاومين؟

يجب أن يكون هناك قائد عربي قوي يتزعم المشروع ليمثل ورقة ضغط على الدول ويؤثر في السياسات، فالمثقفون قدراتهم على التأثير في صناعة القرار السياسي محدودة، وهناك مشروعات قائمة ولكن على المستوى السياسي يجب أن يكون هناك قائد أو دولة ترعى تلك الصحوة ، وللأسف هناك دول عربية تلتقي مصالحها مع تركيا على حساب القضية الكردية، ورغم إعلان واشنطن دعم الحق الكردي في الوجود إلا أن مصالحها مع تركيا تجبرها عن غض الطرف عن كثير من الإشكاليات، لأن دولة الاحتلال التركي تمثل اداة غربية أمريكية لتحقيق مصالحها في المنطقة والتحاقها بحلف الناتو كان ثمنه اعترافها إسرائيل، كما أن مشروعات الاحتلال التركي والإسرائيلي والإيراني تجسد السبب الرئيس للتوترات في المنطقة بسبب غياب المشروع العربي وتفكك العرب بعد 73، فسبق وأن صرح سعد الدين الشاذلي في 1983 أن إسرائيل ستتوغل في سوريا حتى تصل إلى درعا وتقترب من العراق ثم الكويت وهذا مخطط، وللأسف ليس لدينا أي مشروع لمواجهة تلك المشروعات الثلاثة التي باتت قوة تتمدد في مجال حيوي دون أن تواجهها قوة أخرى ومن ثم فإن صحوة المشروع العربي بات ضرورة.

*كيف تحافظ القوميات والشعوب على حقوقهم في ظل المخططات الساعية للإبادة؟

طالما استمرت المقاومة ظلت القضية قائمة، ويجب الحرص على التماسك وعدم تجهيل الأجيال الجديدة بالقضية، وفي علوم البشر طالما وُجد عدو ظهر المقاوم، وستظل القضية الكردية مثلها مثل القضية الفلسطينية، فرغم ما وواجهه الكرد والفلسطينيين من جرائم إبادة إلا أن القضية لازالت حية وستظل طالما يظل المؤمنون بها، كما أن اتحاد القوميتين العربية والكردية ضرورة  فمصر كانت ولازالت ملاذا للكرد الذين أثروا الثقافة العربية، ففي القرن التاسع عشر كانت كل المطابع في مصر كردية وأسهمت في نقلة ثقافية وحضارية، وبرزت نماذج من أصول كردية لازالت حاضرة في أذهاننا حتى الآن مثل الشاعر أحمد شوقي والدكتور أحمد تيمور والشيخ عبدالباسط عبدالصمد والمخرج على بدرخان والفنانة سعاد حسني.

لا يتوفر وصف.
لا يتوفر وصف.