وبالحديث عن عدم توافر الإرادة السياسية لاتخاذ تلك الإجراءات الإصلاحية تأتي هنا المشكلة الرئيسية، إذ يقول مراقبون إن الأمر برمته يعود إلى الخلافات بين الفرق السياسية اللبنانية المختلفة والتي جعلت من الصعوبة بمكان انتخاب رئيس جديد للبلاد يشغل هذا المنصب الشاغر منذ أكتوبر 2022، فضلاً عن عدم تشكيل حكومة دائمة، وبالتالي عدم وجود مؤسسات مستقرة يمكنها اتخاذ قرارات وتحمل تبعاتها.
الأزمة معقدة ومتشعبة
في هذا السياق، يقول دكتور طالب سعد الباحث اللبناني في الاقتصاد السياسي إن الوضع الاقتصادي اللبناني لا يزال بأزمة، وكل كل طرف يراها من ميوله ومنظاره، لكن الحقيقة الاقتصاد يعاني أكثر من أزمة وليست واحدة، وتتشابك وتتداخل بينها فهي أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، فالأطراف السياسية المتنازعة لم تقدم حل للأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف "سعد"، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الأطراف السياسية هم ذاتهم الذين كانوا بالحرب الأهلية يديرون البلد الآن، ولا يوجد أحد منهم أثبت أن لديه مصلحة بإنقاذ البلاد، وكل فريق عنده ارتباط بالخارج، وبالعودة للاقتصاد لدينا أزمات سعر صرف وتضخم واقتصاد بنيوي وفقر وهروب استثمارات وغياب ثقة مع المصارف ومنع ودائع الناس دون معرفة مصيرها ويميل أكثر ليكون غير متوفر.
ويشير أستاذ الاقتصاد اللبناني إلى أن هناك أزمة تتعلق بتصنيف لبنان الدولي والخارجي، وهذا جعل لبنان يخسر من إمكانية أن تكون هناك سهولة أمام تجارته واستيراده وتصديره، وبالتالي جاءت تصنيفاته سيئة للغاية، مشيراً إلى أن أزمة سعر الصرف ناتجة عن تقلص العملة الأجنبية وزيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية لتمويل الإنفاق العام ورواتب القطاع العام والتي زادت في الفترة الأخيرة بسبب التوظيفات السياسية بالدولة دون جدوى، ولم يكن هناك حلاً إلا بطبع مزيد من العملة.
ويرى "سعد" أن لبنان اقتصاده معطل تقريباً وبالتالي الواردات أكثر من الصادرات، ولهذا هناك شح بالعملة الأجنبية وإن كان المغتربين اللبنانيين يمكنهم تأمين بعض العملة، كما وصل معدل التضخم إلى 270% بشكل سنوي، كما أن هناك أزمة استثمارات إذ أصبح المستثمرون يبحثون عن أماكن أخرى للقيام باستثماراتهم لا سيما في ظل النظام الضريبي ونظام الاستثمارات والظروف القانونية غير الآمنة بالنسبة للمستثمر.
وقال إن هذا الوضع الصعب ينتج عنه أزمات اجتماعية، وإن كان هناك حالات انفصام نراها فنجد مطاعم مليئة وفي نفس الوقت أناس يعانون الجوع، وكل هذا ولا تقدم أية حلول بسبب عدم وجود فريق سياسي ينفذ خطة اقتصادية ناجحة، والحل الوحيد للبنان حالياً هو مشروع اقتصادي جديد قائم على التمويل بالنمو، وتقليص حجم القطاع العام للحدود القصوى وفتح الباب للاستثمارات وتحويله إلى بلد جاذب للاستثمارات.
ولفت إلى أهمية الاتجاه نحو التخصيص الذي يحمي حق الدولة دون أن تدير هي في إطار من المنافسة وليس الاحتكار، وبالتالي هناك ورشة إصلاحات يمكن أن تغير الوضع، لكن نحتاج في هذه الحالة إلى فريق سياسي جديد يحكم على أساس مشروع اقتصادي واضح وخطة سريعة لإنقاذ الوضع الاجتماعي.
بارقة أمل رغم الصعوبات
ورغم التحذيرات التي أطلقها، فقد أثني وفد صندوق النقد الدولي على القرارات الأخيرة التي اتخذها مصرف لبنان المركزي، من خلال التخلص من منصة صيرفة، وإنشاء منصة تداول عملات أجنبية "مرموقة وشفافة"، ووقف استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، والحد من التمويل النقدي، واعتبرها "خطوة في الاتجاه الصحيح".
وذكر وفد الصندوق أنه بناءً على هذا التقدم هناك الآن فرصة للإصلاحات الشاملة لتعزيز حكم مصرف لبنان ومحاسبته، مشدداً على ضرورة توحيد جميع أسعار الصرف الرسمية بسعر السوق، مما سيساعد في القضاء على فرص التحكم في الأسعار والربح التي تثقل عبء المالية العامة، مؤكداً وجوب دعم تلك الخطوات واستكمالها بإجراءات سياسية من الحكومة والبرلمان، ومعالجة مشاكل القطاع المالي من خلال الاعتراف بالخسائر وتقديم خطوات هيكلية للبنوك.
الحاجة إلى تغليب المصلحة الوطنية
ويتفق الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية مع الطرح السابق للدكتور طالب سعد من أن الحل يكمن في الحاجة إلى فريق سياسي قادر على تجاوز خلافاته السياسية، ويجلس من أجل مصلحة الشعب اللبناني أولاً وليس المصالح الحزبية الضيقة، ويبدأ الحل بانتخاب رئيس جديد للبنان.
وأضاف "إسماعيل"، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF) أنه لن يكون هناك تغير في الوضع الاقتصادي اللبناني دون وجود مؤسسات سياسية مستقرة، لأن الدول تتعامل مع مؤسسات ولا تفضل التعامل مع حكومة مؤقتة، ويجب على الفرقاء اللبنانيين أن يجلسوا ويتفاهموا ويغلبوا المصلحة الوطنية على ما عداها.