أكدت عدد من المبدعات والناشطات المصريات على تفرد التجربة النسوية المصرية في عدة أمور وجوانب عن غيرها من النساء في محيطها العربي والإقليمي إلا أنهن في الوقت نفسه شددن على رفضهن للعديد من الأمور الموجودة على أرض الواقع والتي تنم عن ذكورية لا تزال تتسيد المجتمع المصري.
وتعتبر مصر شهر مارس بأكمله هو شهر للمرأة فتحتفي بها أماً وأختاً وزوجة ورفيقة عمل وكفاح، فمن احتفالات العالم بيوم المرأة في الثامن من مارس/ آذار، لعيد الأم في 21 من نفس الشهر ثنائية تظهر في العديد من المواقف التي تعبر عن حضور المرأة ولو شكلياً.
في عدد من أماكن العمل، وهي بتجارب فردية يحددها قائد العمل ذاته، يقابل المسؤولون في العمل النساء في يومهن بالورود والشيكولا وكذلك مصروف نقدي بسيط، تعبيراً عن تقديرهن في يومهن.
وغير ذلك صور عدة مختلفة لتقديم لمحة تقدير للنساء في أعمالهن، لكن رغم هذا فإن المرأة المصرية لاتزال تعاني بسبب النوع في نواحٍ عملية عدة.
ولا يختلف أحد على النجاحات التي حققتها المرأة المصرية، على مدار مسيرتها، حتى أنها تكاد تكون أوفر حظًا من غيرها في عدد من المجتمعات العربية والشرقية المحيطة.
ولم تأت هذه الوضعية من فراغ وإنما كانت نتاج نضال وسعي كبير ومعارك ضارية على مدار العصور، بدأت إرهاصاتها الأولى مع قاسم أمين وفكره في تحرير المرأة، مروراً برائدات الحركة النسائية من هدى شعراوي وملك حفني ناصف، وغيرهن.
وترتكز هذه المسألة على التاريخ القديم، فمشاركة المرأة ودورها في مصر تمتد إلى مصر الفرعونية والتي وصلت فيها المرأة لتكون هي الملكة ذات القرار التي تقود المجتمع كحتشبسوت وكيلوباترا، وكذلك فيلسوفة صاحبة مدرسة فكرية في وقت كان العالم في أولى درجات التعرف على العالم كهيباتيا.
ويبدو في الوقت الراهن وفقاً للوضعية القانونية والعامة أن المرأة المصرية أصبحت تسير على قدم المساواة مع الرجل في كثير من أمور الحياة، فهي الآن تتبوأ مناصب الوزيرة والمحافظة، وعميدة الجامعة وغيرها من المناصب التي توضح طبيعة واقع المرأة، ومع ذلك إلا أن هناك أمور عدة لازالت تنقصها وهي التي توضحها نخبة من المبدعات المصريات كل في مجاله في تحقيق أجرته وكالة فرات للأنباء.
الدراما انعكاس لواقع المجتمع
البداية مع الناقدة الفنية والسنمائية، أميمة فتح الباب، التي ترى أن المرأة في المجتمع المصري مظلومة إلى حد كبير، وأن المجتمع لا يزال ذكورياً، ويمارس بالمقابل عليها أقصى الضغوط، سواء في المنزل مع زوجها، أو في العمل مع زميلها، وعندما تطالب بحقوقها فإن المجتمع عادة ما ينتصر للرجل على المرأة في كل المجالات وبلا استثناء، فهي مهما حققت من نجاح وتفوق إلا أن المجتمع لا زال ينظر إليها كونها الطرف الأقل.
وأضافت "رغم حالة التطور الكبيرة والمتسارعة للمجتمع إلا أنه لا يزال في وقت من الأوقات يخرج ليقول بأن مكان المرأة المنزل لرعاية شؤون الأولاد، وهي للأسف نظرة تتبناها في بعض الأوقات بعض النساء اللاتي تطالبن بحقوقهن".
وتؤكد أن الأزمة نابعة في الأساس من التربية التي تفرق في حالة التربية بين الولد والبنت وتنمي لدى كلاهما النزعة الذكورية فالولد هو القائد والحامي المستقبلي وعلى الأخرى الخضوع والانصياع.
وحول الصورة الذهنية حول المرأة في الدراما والسينما قالت: "إن الصورة الذهنية للمرأة المصرية في الدراما تعكس الصورة الموجودة في المجتمع، ولو تناولت شيء غير حالة المجتمع لن تتقبل بسهولة".
وأضافت "حتى المرأة الجادة في عملها يتم تصويرها على أنه (مسترجلة)، بدلا من القول بأنها تحقق وجودها وتجد لبناء ذاتها، والدراما عندما تقوم بذلك فهي تعكس الواقع ليس إلا، وهي في الأخير مرآة المجتمع".
صالون المبدعات بطابع مغايير
أما الروائية والكاتبة الصحفية نفيسة عبدالفتاح فتذهب إلى أن المرأة في مصر غير مهضومة الحقوق، بل على الحكس حققت كثير من النجاحات والامتيازات.
وتضيف عبدالفتاح، التي يصادف يوم المرأة العالمي يوم ميلادها، أن المرأة حققت انتصارات في مجالات عدة، مشيرة إلى أنها استبقت هذا اليوم باعادة تقديم صالونها الفكري، الذي تقدم فيه رؤى فكرية وإبداعية كما أنها تكشف عن المواهب في كافة المجالات.
وحول انحيازها للمرأة في صالونها، تقول: إن الانحياز للمرأة قائم، فمهما كانت قوتها تبقى هي الحلقة الأضعف، ومن ثم فإن الصالون يقدم الإبداع بكافة صوره وأياً كان مصدره لكنه أيضا ينحاز للمرأة ويفتح المجال لها ولإبداعها في وقت ينحصر دور المؤسسة الثقافية الرسمية في الترويج لأسماء بعينها.
وتوضح عبدالفتاح أن صالونها الذي اعادت استئناف أعماله قبل أيام في استضافة مؤسسة "الكاتبة هالة فهمي"، وليقدم حالة ابداعية بصورة شهرية إنما جاء في البداية بفكرة لديها تمنت خلالها أن تقدم المواهب الجديدة في الكتابة والفن وتتبنى القضايا التي تشغل المواطن حتى لو كانت بعيدة عن الأدب.
وترى نفسية عبدالفتاح أن حالة صالونها يختلف عن التجارب القديمة ذات الصدى للصالونات الثقافية المصرية التي كانت تسعى لمحاكاة حالة الأديبة "مي زيادة" وصالونها الذي لا يزال حديث الأوساط الأدبية حتى الآن.
وتضيف " في السابق كانت هذه الصالونات من النخبة إلى النخبة، لكن ما نريده وما أقدمه هو حالة من عامة الشعب إلى الشعب، فالفكرة بالأساس لم تعد نخبوية وأضحت أقرب للشعب، والسيدة الجميلة التي يجتمع حولها المبدعين والنخبة لم تعد نموذجاً الآن.. فتجربة مي زيادة كانت رائعة وبديعة تاريخياً لكن المسألة لا يمكن تكرارها أو السير على نهجها فالظروف التاريحية والطبيعة للمبدعات تغيرت اليوم".
نظرة استعلائية تجاه المرأة
أما القاصة والروائية نسرين البخشونجي، والتي توجه التهنئة لنساء الأرض بيومهن فترى أن المرأة المصرية بالنسبة للقانون لديها حقها كاملاً، لكن بالنسبة للمجتمع لا زالت على الوضع الذي بدأ مع ردة المجتمع والتي جرت في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ورؤيته للمرأة على أنها جسد، ففي هذا التوقيت بدأت ردة مجتمعية بسبب الثقافة القادمة لمصر من شبه الجزيرة العربية لتبقى الثقافة السائدة عن المرأة أنها جسد وعورة.
وتؤكد البخشونجي التي تناقش في أعمالها وكتاباتها قضايا عدة: "شربنا ثقافة ليست لنا وتوارثناها من السبعينيات وحتى الآن.. وهذا دليل على مواقف الشباب بعد فتوى دار الإفتاء بتحريم الختان، حيث خرج الشباب في انتقادات غريبة إن دلت على شيء فهي تدل على تلك الثقافة الغريبة الواردة إلينا".
وتروي تجربة جرت معها عندما أجرت لقاء مع صديقتها الكاتبة منى الشيمي في أحد الإصدارات الثقافية ليخرج عنوان المقابلة "لا أكتب أدب بورنو"، مشيرة إلى كم الانتقادات والهجوم الذي تعرضت له الكاتبة بسبب العنوان من جمهور ربما لم يقرأ لها شيء ليقيمها، لكنها طبيعة سائدة ونظرة ضدية من المجتمع.
وتقول الخشونجي إنها نفسها لدى الكتابة تشعر بأنها مقيدة، موضحة: "لا أستطيع الكتابة بحرية.. أستشعر بأن هناك رقابة، وطوال الوقت أفكر أن أهلي، أسرتي سيقرأون هذا العمل، ومن ثم فلا أعتقد أني حتى في كتاباتي أنال حريتي الكاملة".
واقع المرأة من واقع مجتمعها
أما المخرجة التلفزيونية فاطمة الحاج فترى أن واقع المرأة المصرية لا يختلف عن الرجل، من جد وجد، إذا اجتهدت ستنال النجاح والتقدير والضد بالضد.
وتعتبر الحاج في حديثها لوكالة أنباء فرات، أن يوم المرأة العالمي ليس تميزياً للمرأة، إنما تمييز للدولة، فواقع المرأة يعبر عن انعكاس للحالة الاقتصادية والسياسية والثقافية للدولة، وبالتالي فإن الأمر بالأساس انتصار للدولة التي تعيش فيها وواقع المرأة هو تعبير عن واقع بلدها.
وتضيف "فلا يمكن أن أقول أني امرأة حرة في دولة فيها قمع حريات، أو أني امرأة قوية في دولة فيها نسبة أمية أو فقر مرتفعة، وبالتالي فأنا أرى أن من يعيش في واقع سيء لا يحق له أن يقول بأنه يعاني قمع أو كبت على حريته دون غيره".
وتلفت أيضا إلى النظرة الدونية في المجتمعات الشرقية للمرأة، مشيرة إلى أن "الرجل في المجتمعات الشرقية ينظر لمرأة بدونية غريبة، في حين أنه هو السبب في تأخرها بالأساس، فالمرأة تظل في المرتبة الأولى، لدينا أوائل الثانوية العامة والجامعات من الفتيات، وتظل المرأة في تقدم وانتصارات حتى تتزوج بعدها تتراجع ومعناها أن هناك من يغيرها ويشكل لها انتكاسة، وهو باختصار الرجل".
وتواصل فاطمة الحاج حديثها قائلة: "اسمع شعارات وكلام جيد لكن هل هناك امرأة في مصر أخذت مكافأة في هذا اليوم الذي هو يوم المرأة؟ أو هل هناك احتفاء فعلي بها على أرض الواقع في عملها في هذا اليوم أو في حياتها.. الأمر مجرد ترديد لشعارات عالمية لا أحد يعرف قيمتها عند ترديدها، والواقع يقول بأي واقع تتحدث عن يوم المرأة العالمي ؟؟"
وتذهب إلى أن خروج المرأة من أزمتها مرهون بالاقتصاد بالمقام الأول فالاقتصاد يتحكم وهو الأزمة الأولى والأخيرة والتي عبرها تستطيع المرأة بناء نفسها والعمل على إحداث حالة من التراكم العلمي والمعرفي وصولاً لما ترتضيه من علم وتنمية قدرات وإلا بظلت تحت مظلة الفقر.