لننتفض معاً ضد جميع أشكال العنف

منظومة المرأة الكردستانية: لننتفض معاً ضد جميع أشكال العنف و نحول تكاتفنا إلى جدار في وجه التمييز العنصري والجنسي والاستبداد ونؤسس لنظام الإدارة الذاتية لنساء العالم.

أكدت منظومة المرأة الكردستانية (KJK) في بيانٍ لها على ضرورة تصعيد وتعزيز نضالات المرأة في هذه المرحلة الوبائية ودعت إلى رص الصفوف.

وجاء في البيان:

" تتعرض النساء في شتى بقاع العالم لهجمات الإبادة الهادفة إلى إضعاف الحركات النسوية وقمع آمالهم التحررية، يتزامن زيادة العنف ضد المرأة مع الأزمة التي يعاني منها النظام الرأسمالي الذكوري، وهذا الوضع المتأزم للنظام الذي يبني استمراريته على قمع المرأة، يشكل خطراً على جميع المجتمعات، كما استغل هذا النظام ظروف انتشار وباء كورونا المستجد لدرجة كبيرة من أجل شن هجمات تستهدف ضرب الوعي والنضال النسوي، وعلينا نحن نساء العالم تبني "استراتيجية المقاومة المشتركة" وتصعيدها أكثر من أي وقت مضى.

ونحن كـ"حركة حرية المرأة الكردستانية"، التي تنظم نفسها اعتماداً على الإرث النضالي النسائي العالمي الممتد لآلاف السنين، نَعتَبِر أنفسنا جزءاً من الحركة النسائية العالمية، وأن مسؤولياتنا تتعدى حدود كردستان. فمثلما نستمد المعنويات الكبرى من مقاومةِ المرأة وتنظيمها لذاتها ولو في أقصى زاوية في العالم، فإننا نعلم أيضاً أن نضال الحرية المتصاعد على أرضنا يمدّ شقيقاتنا بالقوة والإلهام ولو على بُعدِ آلاف الكيلومترات. وتنسحب هذه الحقيقة على كل النضالات النسائية المحلية. إذ وصلنا مرحلةً باتت فيها النضالات النسائية في سبيل الحرية والمساواة والكرامة تنطلق من البُعد المحليّ وتتعاظم على موجاتٍ متتالية لتصبح في النهاية بحراً شاسعاً. فالنسمة التي تهبُّ في مكان ما، تتحول تدريجياً إلى عاصفة في الطرف الآخر من العالم. هذا التضافر العظيم بين الانطلاقات المحلية لنضال حرية المرأة، والتي نطلق على حالاتها المنظَّمة اسم "الكونفدرالية النسائية الديمقراطية العالمية"، إنما يدكُّ أركان النظام الأبوي المنظَّم عالمياً.

فمثلما أن حرية المرأة تُعَدُّ المضادّ التاريخي لنظام الاستغلال الذكوري، فإنّ النضال المُخاض في سبيلها يُعَدُّ المقاومةَ التي تُضيِّقُ الخِناقَ عليه بالأكثر في راهننا، وتهزّ أرضيته وتُصدِّعها من الأساس. وبما أنّ قضية المرأة تُشكِّل الخلية النواة للقضايا الاجتماعية كافة، فإن المرأة هي الوجود الاجتماعي الذي يعاني فيه النظام السلطوي من التناقضات البنيوية الأعمق. لهذا السبب تحديداً، فإن تحرر المرأة هو المجال الوحيد القادر على حلحلة كل العقد الكأداء، وعلى البلوغ بقضية الحرية إلى الحل الحقيقي المأمول. ويرتبط تجلّي الوضع المتأزم للحداثة الرأسمالية راهناً في ثنائية "حرية المرأة وعبوديتها" بهذه الحقيقة بالأكثر. كما يرتبط الهجوم الممنهج للنظام الأبوي العالمي على المرأة بهذه الحقيقة أيضاً.

لقد بلغَت الحرب المعادية للمرأة حدّ الإبادة في حاضرنا. وتتضاعف الأمثلة والممارسات الملموسة على ذلك مع مرور كل يوم. فالبنات والفتيات والنساء في جميع أنحاء العالم يتعرّضن للهجمات العنيفة والمميتة على يد الرجال وقوى الدولة وسماسرة السلطة. وعليه، ربما يتضح اليوم أكثر من أية مرحلة تاريخية أخرى، أن الجائحة الأساسية الكبرى هي العنف الذكوري ومعاداة المرأة. لذا، يتحتم علينا نحن النساء بخاصة، وعلى المجتمع بصورة عامة، أن نتصدى لفيروس الأبوية الكامن وراء تفشّي وباء معاداة المرأة، أي أن نقاوم الذهنية الذكورية أولاً، وأن نخوض نضالاً مثمراً ومحقِّقاً للتغير والتطور. بمعنى آخر، ينبغي أن يؤديَ نضالُنا وتنظيمنا إلى تعزيز قدرات المرأة من جهة، وإلى إضعاف وشلّ تلك الذهنية من جهة أخرى. وهذا ما يؤكد حاجتنا الماسّة إلى تطوير أساليب النضال المحققة لذلك، المباشرة منها وغير المباشرة. وعلينا ألاّ ننسى أن التحرر الاجتماعي غير ممكن إلا بإنجاز الثورة الذهنية. بالتالي، فإننا أمام مَهمّةِ التصدي للذهنية الذكورية بحِدّةٍ أشد وبكثافة أكبر وبصورةٍ ممنهجة أكثر.

إن تلك الذهنية من حيث المضمون هي عدوة المرأة. ففي هذه المرحلة التي تشهد تصاعد بحث المرأة عن حريتها، ورقيَّ وعيها ونضالها وتنظيمها العتيد في سبيل ذلك، تعمل تلك الذهنية على ضمان وجودها بإطلاق حملات مضادة جديدة أسفرَت عن زيادة خطيرة في نسبة العنف ضد المرأة، بحيث لا يمكن إيضاحها فقط بالظروف الناجمة عن جائحة كوفيد19. بل إن تلك الذهنية تبذل قصارى جهودها للإفادة من هشاشة وضع المرأة بسبب ظروف الحجر الصحي والحظر نتيجة تفشي الجائحة. وإلا، فإذا ربطنا زيادة نسبة العنف بظروف الجائحة، وإذا افترضنا أن هذه النسبة ستقلُّ مع انتهاء الجائحة، فسنقع في ضلال فادح. لذا، فإن التشخيص السليم للمصدر الرئيسي للمشكلة يُعَدُّ الخطوة الأولى على درب تطوير الحل. فالظروف متغيرة، لكن الثابت هو الذهنية الذكورية التي تنتهز كل الفرص دون استثناء. بالتالي، علينا أن نلاحظ جيداً كيف تنتهز تلك الذهنية كلَّ الظروف والأوقات (وليس فقط الجائحة) بشكل خارقٍ في سبيل تنفيذ مجازر المرأة.

وخير مثال على ذلك هو الهجمات الشنيعة التي تواجهها "حركة حرية المرأة الكردستانية" في نضالها، بعدما باتت منبع إلهام لشقيقاتها في كل العالم من خلال مقاوماتها الباسلة ومستوى تنظيمها وريادتها للنضال الثوري، سيما وأننا وجهاً لوجهٍ أمام الهجمات المضادة الهادفة إلى نسف النظام الديمقراطي البديل الناشئ في روجافا (شمال سوريا) على نور مشعل الثورة النسائية. ولا ننسى أن هذه الهجمات الأخيرة لم يشنّها داعش، بل شنّتها مباشرةً الدولةُ التركية الفاشية ومرتزقتها الإسلامويون المأجورون، وصادقَ عليها النظام الذكوري الدولي، أكان بصورةٍ علنية أو مستورة!

وآخِر هذه الهجمات الفاشية، التي استهدفَت النساء بصورة خاصة باعتبارهنّ القوة الريادية للثورة، قد تحققَت قبل بضعة ليالٍ في مدينة كوباني. فالعضوات المحليات في منسقية "مؤتمر ستار"، أي التنظيم السقفي لحركة المرأة الكردية في روجافا/شمال سوريا، واللواتي كنّ في زيارةٍ لإحدى قرى كوباني، قد تمّ اغتيالهنّ من قِبَل الجيش التركي، فقضَت ثلاث نساءٍ كرديات في هذا الهجوم المقصود، الذي نفَّذَته طائرات الاستطلاع التركية المُسلَّحة. أي أن الدولة التركية التي تنتهز الفرصة لشنّ هجوم احتلالي على كوباني بعد احتلالها لمناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي، قد استهدفَت النساء عمداً في كوباني هذه المرة، كونها أول مدينة هزمَت داعش، وكونها ترمز إلى ثورة المرأة، وإلى المقاومة التاريخية التي رادَتها النساء، والتي باتت منبع الأمل ولإيمان والثقة لشعوب العالم جمعاء. وإذا وضعنا نُصبَ العين أن المجال الجوي لمدينة كوباني هو تحت إشراف روسيا، فسيتّضح من ذلك أنّ جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبَتها الدولة التركية، قد حصلت بمصادقة من الأنظمة الدولية المعادية للمرأة.

أما المكان الآخر الذي تعاظمَت فيه جرائم الحرب المعادية للمرأة على يد النظام التركي الاستعماري، فهو مدينةُ عفرين التي تُشكِّل أقصى نقطة في غربِ روجافا (شمال سوريا). وهي مكانٌ يتميز بقيمةٍ رمزيةٍ عظمى على صعيد ثورة المرأة في روجافا. إذ طُبِّقَ نظام الرئاسة التشاركية هناك لأول مرة، وأُعلِنَ عن تأسيس "وحدات حماية المرأة YPJ" هناك لأول مرة، واستشهدَت هناك أول مقاتلةٍ دفاعاً عن الأرض. وعندما قام الجيش التركي ومرتزقته المشبعون بذهنية داعش باحتلال هذه المدينة باستخدامِ دبابات حلف الناتو في بداية عام 2018، لم يصدر عن قوات التحالف الدولي أو الأمم المتحدة أو روسيا أي صوت. هذه المدينة وضواحيها وقراها، التي كان كل سكانها تقريباً من الكرد آنذاك، قد تعرَّضت للتطهير العرقي، وحُظِرَت اللغة الكردية فيها، وأُعلِنَت اللغتان التركية والعربية لغتَين رسميتَين، وأُعلِنت سيادة الشريعة الإسلاموية الأموية، وأُرغِمَ أغلب أهالي عفرين على النزوح والهجرة، في حين خاض مَن لم يتركْ منزلَه صراعَ الحياة تحت ظل إرهاب فظيع. لا يقتصر هذا على عفرين وحدها، بل وينسحب على كل مدن شمال سوريا، والتي احتلَّتها الدولة التركية وحوَّلتها إلى مستعمَرات.

لكنّ عفرين تشهد أشدّ الهجمات القاضية التي تستهدف المرأة على يد الدولة التركية وجنودها ومرتزقتها المأجورين. ونحن نعلم يقيناً أن هذا ليس محض صدفة، بل يُطبَّقُ بنحو ممنهج بهدف تحويل تلك المدينة التي ترمز إلى ثورة المرأة إلى مدينةٍ ترمز لعبودية المرأة. إذ لا تُشَنُّ هجمات التطهير العرقي والإبادة الثقافية فحسب في عفرين، بل وتُرتكَب فيها إبادةُ المرأة أيضاً. فالفتيات والنساء الكرديات هناك يُختطَفن ويُغتصَبن ويُقتَلن لتُترَكَ جثثهن في الخلاء ويُبَعن كإماءٍ في مختلف المدن على يد المرتزقة الإسلامويين الفاشيين، الذين يأخذون رواتبهم من أنقرة (وعلى الأغلب إنها من الأموال التي خصَّصها الاتحاد الأوروبي لتركيا تحت اسم "مساعدة اللاجئين"). إن ممارسات الإبادة تلك، والتي تتعرض لها النساء في مدن روجافا (شمال سوريا) المحتلة، والصائرة مستعمَراتٍ تركيةً بمصادقةٍ فعلية من الناتو والاتحاد الأوروبي؛ لا تختلف أبداً عن ممارسات داعش. أي أن القوى التي تعمل على شرعنةِ تدخلها في أفغانستان بذريعة حقوق المرأة، لا تُصدر أي صوتٍ إزاء مجازر المرأة المُرتكَبة بإشراف الدولة التركية العضوة في حلف الناتو. وهذا ما يفضح شراكتها في الجرم، ويميط اللثام عن وجهها الحقيقي.

كما تُشَنُّ هجمات إبادة المرأة ضمن حدود الدولة التركية أيضاً ووفق المفاهيم نفسها، ولكنْ بأساليب وأدوات مختلفة، وبحِدّةٍ أشد. فالدولة التركية التي تستلهم القوة من صعوبة تنظيم التظاهرات الجماهيرية الاحتجاجية بسبب حظر التجوال وتفشي وباء كوفيد19، قد اعتقلَت في هذه الفترة الرئيسات التشاركيات لبلديات المدن الكردية، وعيَّنَت بدلاً منهنّ رؤساء بلديات جدداً، هادفةً إلى نسف نظام الرئاسة التشاركية هناك. كما أَفرجَت عن السجناء المتهمين بتعنيف النساء باسم قانون "العفو بسبب كورونا"، وأَلغَت عقوبات مرتكبي العنف الجنسي باسمِ قانون "الزواج من المغتصِب". وبالمقابل، فإنها قامت بتجريم الرياديات القائمات على نضال المرأة، وباشرَت بحملة اعتقالهنّ.

لا يوجد في أي مكان من العالم هذا الكم الهائل من المعتقلات السياسيات الأسيرات في السجون، مثلما الحال في تركيا. فبدءاً من النائبات المنتخَبات وحتى الرئيسات التشاركيات للبلديات، ومن ناشطات المجتمع المدني إلى أمهات السلام، ثمة مئاتُ بل آلاف النساء المعتقلات في تركيا بسبب أنشطتهنّ السياسية والاجتماعية أو أحاديثهنّ أو أفكارهنّ وآرائهنّ. إن الدولة التركية تسعى إلى احتواء النساء بخاصةٍ وفرض الاستسلام عليهنّ عبر الابتزاز والتهديد والقمع والعنف والاحتجاز والاعتقال، لأنها تعلم يقيناً أن المرأة تمثل المقاومة الاجتماعية الأقوى ضد النظام الفاشي. إن الدولة التركية لا تكتفي بتنفيذ كل ذلك بصورة مباشرة أو عبر القوى التابعة لها فقط، بل وتحفز على شتى أنواع العنف ضد المرأة عن طريق الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المستشرية، بالإضافة إلى تسويق الألفاظ العنصرية والسياسات العسكرتارية المعادية للمرأة. وحصيلة ذلك، نشهد زيادةً فادحةً في حوادث القتل أو الانتحار المشبوهة.

إن الدولة التركية التي لا تعرف حدوداً في هجماتها المعادية للكُرد والمرأة، قد كثَّفَت من هجماتها الإبادة العسكرية في باشور كردستان/العراق أيضاً. فعمليات القصف الجوي التركي، التي تُنَفَّذ منذ عام 2007 عموماً، والتي تكاثفَت خلال السنوات الخمس الأخيرة خصوصاً، قد بلغَت حدوداً جائرة للغاية. ففي ليلة 14 حزيران الجاري، قصفَت عشراتُ الطائرات الحربية التركية بنحوٍ متزامنٍ كلاً من: جبل سنجار، الذي يُعَدُّ الموطن العريق للإيزيديين، ومخيم مخمور للاّجئين، الذي يزيد تعداد سكانه عن 12 ألف نسمة، ومنطقة ميديا الدفاعية. فبينما لم يتخلص الشعب في سنجار ومخمور من صدمة هجمات داعش، والتي تعرّضوا لها في شهر آب من عام 2014، إلا إنهم واجَهوا هجمات التطهير العرقي هذه المرة على يد الدولة التركية. لكنْ من المعلوم أنه يستحيل شنّ مثل هذه الهجمات الجوية خارج الحدود التركية، والتي تشكل جريمة حرب، من دون موافقة الناتو. بالتالي، فإن أمريكا أولاً وكل دول حلف الناتو ثانياً شريكةٌ ومسؤولةٌ عن جُرم الدولة التركية هذا. لقد قضى خمسة مدنيين في هذا القصف الجوي التركي الأخير، وتأثرت النساء به بخاصة. ذلك أنّ مئات القرى في المناطق الريفية قد أُفرِغَت من سكانها حصيلة تلك الهجمات، واضطروا للنزوح إلى المدن. أي أن النساء الفعالات في الإنتاج الزراعي والحيواني في الأرياف، يعانين العزلة والإقصاء من الإنتاج مع موجة النزوح هذه. وهذا ما يضاعف من حدّة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة أصلاً، التي تعاني منها النساء في باشور كردستان/العراق، ويرفع من نسبة العنف المنزلي ضد المرأة، فتزداد جنايات قتل المرأة أو حوادث الانتحار المشبوهة في المحصلة.

هذا وثمة وضعٌ مشابه في روجهلات كردستان/إيران أيضاً. فالأزمة التي تعجز السياسة المحافِظة والمعادية للمرأة عن حلها، تستشري أكثر فأكثر مع مرور كل يوم، وتكتم أنفاس الشعب كأزمةٍ اجتماعية واقتصادية. وهذا ما يؤثر للغاية في كل الجماعات الأثنية والدينية في إيران، علماً أن الكرد هناك يواجهون هجمات ممنهجة وأكثر حدّة. ذلك أن الدولة الإيرانية تدعم القصف الجوي الذي يشنه الجيش التركي على باشور/العراق من خلال قصفها إياه بقذائف الهاون والمدفعية من ناحية، وحشدَت قواتها على حدود منطقة كردستان مُطلِقةً تمشيطاً عسكرياً هناك. اللافتُ في هذا التمشيط الجديد الذي يستهدف الشعب الكردي، هو أنه يتزامن مع معاناة إيران من الحصار في صراعها مع أمريكا لأجل بسط النفوذ في منطقة الشرق الأوسط من جهة، ومع ضيق الخناق عليها داخلياً حصيلة استفحال الأزمة الاقتصادية وتفشي فيروس كورونا. وينعكس هذا الوضع على النساء بخاصةٍ من خلال ارتفاع نسبةِ وحِدّة العنف الممارس ضدهنّ.

إن هجمات الإبادة التي تستهدف المرأة في كردستان، تنفَّذُ بنحو متشابه في الجهات الأربع من المعمورة. إذ ثمة ازدياد مروِّع عالمياً في نسبة العنف ضد المرأة عموماً والعنف المنزلي خصوصاً. ويمكننا رؤية ذلك من نسبة الاتصال بالخطوط الساخنة المخصصة لأجل النساء المعنَّفات. ففي لبنان مثلاً، شهدَت مناشدات المساعدة على الخطوط الساخنة زيادةَ ظاهرة العنف المنزلي بنسبة مئة بالمئة مع تفشي وباء كوفيد19، في حين وصلت النسبة في كولومبيا إلى 142%. أما في المكسيك، فبلغَ عدد نداءات المساعدة للنساء المعنَّفات منزلياً 2.338 خلال شهرَي آذار وأيار، أي أثناء فترة الحجر الصحي المنزلي (كان عدد طلبات المساعدة من النساء 735 فقط خلال الفترة نفسها من عام 2019). وبنفس المنوال نلاحظ زيادةً خطيرةً جداً في نسبة الاعتداءات الجنسية، سيما إزاء الفتيات القاصرات. فقد تعرَّضَت 2.338 طفلة للعنف الجنسي والاغتصاب في كولومبيا خلال شهرَي الحجر الصحي. هذه طبعاً الأرقامُ المسجَّلة رسمياً، بينما الأرقام الحقيقية أعلى بكثير.

إن إبادة المرأة المتصاعدة عالمياً تتغذى بصورة مباشرة وغير مباشرة من ركائز الحداثة الرأسمالية الأربع: العصبيات القومية والجنسية والدينية والعلمية. ولهذا السبب، فإن صعود العنصرية والفاشية أيضاً بالتزامن والتوازي مع حالات الاعتداء الجنسي ليس مجرد صدفة. ارتباطاً بذلك، فإنّ ظاهرة الفوقية البيضاء المطبَّقة ضد الزنوج في أمريكا منذ مئات السنين قد اتَّخذت حالةً بنيوية نتيجةَ تفاقم عنف الدولة بنحو جائر. ولهذا السبب تحديداً، فإننا أمام حاجةٍ ماسّة وأساسيةٍ تتمثل في ضرورة اتّسام نضال حرية المرأة بمناهَضة العنصرية ومناهضة الرأسمالية ومناهضة الاستعمار، وفي ضرورة عقد التحالفات مع الشرائح المظلومة والمقهورة.

إلى جانب ذلك، فإن تفاقم ظواهر العسكرتارية والتسلح الفردي وبسط العناصر الباقية خارج الدولة نفوذَها، وتفشي كل ذلك في مجالات الحياة على نطاق أوسع، كل ذلك معني بالنساء والأطفال بالدرجة الأولى لأنه يستهدف حياتهم. أما محاولات مفاقمة الاستغلال الجنسي بشرعنة الإتجار بجسد المرأة انطلاقاً من المفهوم المزيف للحرية، فتُشكّل بُعداً آخر من أبعاد إبادة المرأة. كما يمكن إدراجُ إقحامِ المرأة في العمل في القطاعات غير الرسمية المجردة من شتى أنواع الضمان في الإطار ذاته، لأنه يتسبب بانفتاحها على شتى أشكال الاعتداء والاستغلال. وإذا نظرنا إلى الأمر ضمن إطار واسع ومتكامل، فسنجد جلياً أنه ثمة إبادة متعددة الجوانب والمستويات تُنفَّذ ضد المرأة، وأن الذهنية الذكورية السلطوية تجهد للإفادة بأعلى الدرجات من الظروف المُلازمةِ لتفشي وباء كوفيد19 لأجل تحقيق الربح الأعظم.

حسناً، وبعد هذا التشخيص، ما هو الجواب الذي علينا اعتماده ضد حرب الهجوم والإبادة الممنهجة التي نواجهها كنساء؟ كيف سندافع عن أنفسنا؟ كيف سنتصداها؟ وكيف سننظم مقاومتنا إزاءها؟ هذه هي النقاط التي علينا التعمق فيها حالياً. وينبغي أن تصبَّ تشخيصاتنا وتقييماتنا في خدمة ذلك. وإلا، فإذا ركّزنا فقط على هذه الهجمات وعلى إبادة المرأة، فسنُصاب بالإحباط وخيبة الأمل. علماً أن السبب في استعار النظام الأبوي إلى هذه الدرجة، يعود إلى نضالاتنا النسائية المتصاعدة والمتعززة. أي أننا لسنا الحلقة الأضعف، بل إننا القوة الاجتماعية التي تضيّق الخناق على النظام الذكوري العالمي وتتحداه أكثر من غيرها! وعليه، فإذا أدركنا قوتنا هذه، وإذا أدركنا خصوصيات عصرنا، فبإمكاننا التصدي لكافة أشكال الهجمات الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والجسدية والمعنوية، والتي يشنها علينا النظام الرأسمالي الأبوي العالمي بهدف ترهيبنا وفرض الخنوع والذل والهوان والاستسلام علينا.

وبذلك يغدو بمقدورنا إضعاف ذلك النظام، وتصعيد نضال حرية المرأة، وتصييره الحاملَ العمليّ لعصر ثورة المرأة في القرن الحادي والعشرين. إن هذه ليست عبارةً مذكورةً عبثاً، بل إنه تشخيص مخوَّلٌ لصبغِ عصرنا بحرية المرأة وبلون النضال الديمقراطي والبيئي. إننا قادرات على إنجاز ثورة المرأة التي ستُمَكِّن من تحقيق ذلك. بل إن استعار الطرف الآخر يثبت صحة ذلك. علماً أن فترات الثورة هي مراحل للنضال الدؤوب والمقاومة الشرسة. وهانحن في معمعان هكذا مرحلة نضالية ضروس منذ الآن. وعليه، ينبغي أن يَكون تصَدّينا عنيداً.

إن النظام السائد يهدف إلى عزلنا وتجريدنا، لأنه يدرك يقيناً أننا ننتهل قوتنا من وحدتنا وتضامننا ومن تنظيمنا لصفوفنا. والحال هذه، علينا القيام بما يلي:

أولاً؛ التشبيك فيما بيننا لدرجةٍ لا تبقى فيها امرأة لوحدها، وأن نتبنى ونحتضن وندعم بعضنا بعضاً بدءاً من المستوى المحلي إلى أعلى المستويات.

ثانياً؛ أن نحوِّل تشابكنا إلى بنى منظَّمة وممنهجة. فانطلاقاً من وعينا بأن الحرية تمر من التنظيم، علينا أن نحدد سبل الحل لكل المشاكل التي نعاني منها (من الصحة إلى الاقتصاد، ومن الحقوق إلى السياسة، ومن المجتمع إلى الثقافة، ومن الإعلام إلى الرياضة، ومن العائلة إلى الوطن) اعتماداً على القوة الذاتية والتنظيم الذاتي. وأياً كانت المشكلة، علينا أن نتطلع إلى إيجاد قوة الحل استناداً إلى العقل النسائي الجمعي وإلى الإرادة النسائية الجمعية. ومع تذليل كل مشقّةٍ سنُقوّي أنفسنا على الصعيدَين الفردي والجماعي، وسنُضعِفُ النظام الذكوري السلطوي الساعي إلى سلب إرادتنا.

ثالثاً؛ علينا استهداف الذهنية الأبوية خلال نضالنا ضد النظام الذكوري المهيمن، لأن هذه الذهنية هي التي تنتج شتى أنواع العنف باستمرار. وعليه، لا يمكننا ضمان أيٍّ من مكتسباتنا، من دون إطراء التغيير والتحوّل على هذه الذهنية، التي تتدخل في كافة مجالات الحياة وتتغلغل في جميع المسامات الاجتماعية انطلاقاً من علاقات السلطة والهيمنة. بالتالي، علينا أن نحلل الذهنية الذكورية السلطوية بعمق، وأن نَعرِف كيفيةَ تحوُّلها إلى نظام قائم بذاته، وأن نعي شيفراتها وطلاسمها، وأن ننشئ قوة الدفاع الذاتي الراديكالية الخاصة بنا إزاءها. علينا ألاّ نقبل بهذه الذهنية بتاتاً، بل أن نفضحها ونُجَرِّدها ونُشهِر بها. علينا كنساء أن نتسلح بهذا المستوى من الوعي، وأن نُعززه في محيطنا، وأن نرسم الخطط التعليمية والعملية اللازمة في هذا السياق. علينا أن نحقق رفض الذهنية الذكورية على صعيد كل النساء والمجتمع، وأن نوضح جيداً علاقة هذه الذهنية بشتى أنواع العصبيات القومية والعرقية والجنسية والدينية والاستعمارية، وأن نتحدّاها ببناءِ ذهنيةِ الحرية.

رابعاً؛ علينا كجمعيات وتجمعات ومنظمات وحركات نسائية، أن نبني نظامنا الخاص بنا انطلاقاً من ذهنية الحرية. فبناء النظام النسائي الديمقراطي المستقل ذاتياً يعني إحياء وإنعاش ذهنية الحرية. وفي حال ترسيخنا لنظامٍ مشتركٍ على أرضيةٍ كونفدرالية ديمقراطية، ومن دون إضعاف كياناتنا الخاصة أو أبعادنا المحلية أو خصوصياتنا، ومن دون التوجه نحو بنى مركزيةٍ جديدة؛ فستُحَجَّمُ البنى السلطوية الدولتية. أي أنه علينا توسيع نطاق مساحات حرياتنا، كي نُحَجِّمَ مساحة نفوذ النظام الذكوري المهيمن. فكلما تعاظمنا سيَتقزّم هو، وكلما تعزَّزنا سيضعف هو، وكلما تكاثرنا سيتناقص هو.

إنه الوقت المناسب! فالهجمات الأبوية البالغة حدَّ الإبادةِ لا تُوهِن عزيمةَ المرأة أو بحثها عن الحرية والتحرر، بل إنها تصقلها. والحال هذه، فلنُحوِّلْ كل مجال من مجالات الحياة إلى ساحةٍ للنضال ضد الذهنية الذكورية والنظام الأبوي! لنتكاتفْ ونتحدّى معاً شتى أنواع العنف! لنُحوِّل السلسلةَ الناجمة عن تكاتفنا يداً بيَدٍ إلى جدارٍ تعجز شتى أنواع العصبيات الجنسية والعرقية والاستعمارية عن اختراقه! لِنَبنِ بذلك ذهنيتنا التحررية، ولنُؤسِّسْ نظامنا النسائي الديمقراطي العالمي المستقل ذاتياً! يمكننا فعل ذلك لأنه أوانه! إنه أوانُ تطوير وإنجاز الثورة النسائية التاريخية الثانية الكبرى، تأسيساً على هدمِ النظام الذكوري السلطوي في كل أرجاء العالم، بدءاً من كردستان إلى مينيابوليس، ومن سيوداد خواريز إلى قندهار، ومن الخرطوم إلى مدريد!