قالت الإدارية في حركة المجتمع الديمقراطي مزكين أحمد إن إهداء احتفالات يوم المرأة العالمي إلى نساء روج آفا هو استجابة لنداء نساء روج آفا، وأضافت “إننا نخوض نضالاً استراتيجياً ضد النظام الرأسمالي مستندين إلى ذهنية وإيديولوجية علم المرأة”.
جاء ذلك في لقاء أجرته وكالة أنباء هاوار مع الإدارية في حركة المجتمع الديمقراطي مزكين أحمد للحديث حول نضال المرأة في روج آفا ضد ذهنية النظام الرأسمالي والإقطاعي وقيادتها للمقاومة في القرن الحادي والعشرين.
* في الوقت الذي تتعرض فيه النساء في مختلف أصقاع العالم لمختلف أنواع العنف والاضطهاد فإن المرأة الكردية تصعد نضالها من أجل الحرية، كيف تقيمون ذلك؟
’هناك صراع بين ذهنيتين‘
تتعرض المرأة في مختلف أصقاع العالم على مدار السنة للقتل والاغتصاب، ورغم استمرار النضال ضد ذهنية الرجل التسلطية إلا أن جميع أشكال العنف ضد المرأة مستمرة، ولا زالت المرأة تدفع ثمن السياسات الخاطئة للنظام القائم.
بالنظر إلى التاريخ فإننا نرى أن هناك ذهنيتين متصارعتين في تاريخ البشرية، الذهنية الأولى هي الذهنية التي تقود الأم طليعتها، حيث تنتفي في هذا المجتمع جميع الطبقات، وتطور الحب، الاحترام، الحرية والمساواة وجميع القيم الجميلة. وهذا المجتمع استمر فترة زمنية معينة، ومجتمعنا الراهن لا يخلو أيضاً من هذه القيم والمبادئ. إنه المجتمع المسالم والذي يدير نفسه بنفسه ويتمتع بالمساواة الاجتماعية.
الذهنية الثانية هي الذهنية التي جاءت بعد الإطاحة بمجتمع المرأة، وجاء باسم التقدم والحضارة، ويقول قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان إن ذهنية الرجل تطورت باسم التقدم والحضارة، وبعد تلك الحقبة فإن مجتمع الحرية والمساواة تحول إلى مجتمع طبقي إقطاعي، والمجتمع الطبقي أيضاً تنامى وتطور من خلال استغلال الجهود التي بذلتها المجتمعات السابقة ويرسخ نظامه على هذا الأساس، وكانت تلك هي الضربة الأولى التي لحقت بالمرأة، حيث انفصلت ثنائية العقل الديالكتيكي التي جسدته المرأة من خلال الذكاء التحليلي والعاطفة.
الذهنية المتسلطة التي تطورت باسم الحضارة بدأ أولاً بحرب إيديولوجية ضد تفكير المرأة وعقلها، ومن خلاله فرض حصاراً على المرأة من جميع النواحي ومن ثم اعتبرها ملكاً له. إن ذهنية مجتمع المساواة يهدف إلى تحقيق الحرية الاجتماعية، وفي المقابل فإن الذهنية المشيدة لا تعترف بالمجتمع وبشكل خاص بالمرأة. مما يشكل فارقاً كبيراً جداً بين الذهنيتين، وهما ذهنيتين متضادتين، لذلك يمكننا القول إن عزل المرأة عن الحياة يعني عزل المجتمع بكامله عن الحياة.
’جوهر المرأة مخفي وليس ميتاً‘
هذه الذهنية ضربت المرأة من العديد من النواحي إلى أن جوهر المرأة ظل موجوداً ولو كان مخفياً، فهي لم تسلم عقلها، المرن ولا قوتها العاطفية للنظام السائد. بل إنها حافظت عليه ومارسته على الدوام. المرأة لم تكن تدرك مدى قوتها فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية وكذلك قدرتها على قيادة المجتمع، لذلك فإن المرأة تظهر طاقتها الكامنة حين تتعرف على قدراتها، حيث نجد أن المرأة تتمرد وتنتفض حين تتمادى الأنظمة المتسلطة في ظلمها واضطهادها، وتستمد هذه القوة من ميراث المجتمع الطبيعي الممتد إلى آلاف السنين. وحين تكشف المرأة عن طاقاتها الكامنة فإنها تظهر مقاومة كبيرة تثبت فيها للجميع قوتها الجوهرية الحقيقية.
ومثال ذلك حين انتفضت 128 امرأة عاملة ضد النظام الحاكم ورفضوا استغلالهن واستغلال جهدهن، وللحصول على حقوقهم الطبيعية انتفضن وأبدين مقاومة كبيرة، إلا أن النظام المتسلط أحرق النساء الـ 128 بهدف حماية نظامه وترسيخ سلطته. لقد أبدت النساء مقاومات بطولية على مدى التاريخ البشري الطويل.
’نحن نخوض نضالاً استراتيجياً‘
وبالعودة إلى التاريخ أيضاً نجد أن المرأة ناضلت كثيراً وأبدت مقاومة بطولية وبذلت تضحيات كبيرة، ولكن في الحقيقة فإن حركة الحرية هي الحركة الوحيدة التي خاضت نضالاً استراتيجياً ضد الذهنية المتسلطة، فالحركة لا تناضل بمعزل عن التاريخ وتستمد قوتها من الميراث التاريخي وتدعمه بالعلم وعلى هذا الأساس تخوض نضالاً علمياً استراتيجياً.
فحركة الحرية هي التي أعادت إحياء الميراثي التاريخي لنضال المرأة وشخصيتها، الرفيقة زيلان هي التي أسست لإيديولوجية المرأة والرفيقة سما طبقتها في الممارسة العملية وأظهروا الهوية الحقيقية للمرأة، فحركة الحرية تخوض نضالاً مستمراً واستراتيجياً ضد الذهنية المتسلطة واستطاعت من خلاله تطوير الثورة الجنسية والاجتماعية.
’نساء روج آفا خطون خطوات مهمة‘
ثورة المرأة في روج آفا ليست وليدة السنوات القليلة الماضية، بل إن المئات من النساء ظهرن في روج آفا ومهدن درب النضال. لقد تحققت ثورة كبيرة من خلال شخصية المرأة في روج آفا، بالإضافة تطوير الثورة التنظيمية، ومثال ذلك تأسيس تنظيم اتحاد ستار، وحدات حماية الشعب وغيرها العديد من المؤسسات والتنظيمات النسائية. لقد تمكنت ثورة روج آفا من تحرير النساء والشباب من مخلفات النظام الرأسمالي، لا يمكننا القول إن المرأة نالت جميع مطالبها في الحرية، فالحرية الكاملة لن تتحقق إلا من خلال تحرير المجتمع.
’الرئاسة المشتركة نموذج رائد في روج آفا‘
رغم ظروف الحرب في روج آفا فإننا نبني نظاماً ديمقراطيا، ونحن لا نبالغ في القول، فالجميع جاء إلى هنا ورأى هذا النظام بأم عينه، ففي كل العالم لا يوجد نموذج للرئاسة المشتركة، أما نحن فقد بدأنا بذلك في باكور والآن في روج آفا أيضاً، هذا الأمر ألقى بتأثريه على نساء روج آفا من الكرد، العرب، السريان والكلدان. ففي 8 آذار سعينا من أجل مشاركة جميع النساء بألوانهم وزيهن، ولقد لذلك بالغ الأثر على النساء العربيات، كانوا يقولون إنهم لم يشهدوا مثل هذه الديمقراطية والتعددية أبداً.
’نساء روج آفا تناضلن وفق أسس فلسفية‘
العمليات الفدائية التي نفذتها المقاتلات الكرد في كوباني وبشكل خاص العملية البطولية التي نفذتها المناضلة آرين ميركان ألقت بتأثيرها على العالم أجمع. إن العالم الذي لم يتمكن من التصدي لداعش رغم كل قوته وقف مندهشاً أمام إرادة المناضلة آرين ميركان حين قالت ’لن اسمح لداعش بالبقاء في كوباني‘، وكذلك الأمر بالنسبة لمقاومة الرفيقة دستينا من باشور، جيان من روجهلات، كلان وزوزان التي قالت ’لن يمروا إلى كوباني إلا على أجسادنا‘، هذه العبارات وكذلك أقوال الرفيقة آرين ليست أقوالاً عابرة وبسيطة، بل إنها تنطوي على أسس فلسفية تظهر مدى ارتباطهم بالأرض والطبيعة، وهذا الأمر اثر على جميع نساء العالم.
إلى أي درجة تمكنت المرأة خلال هذه الثورة من تجاوز النظام الأبوي؟
’لا يمكن تحقيق التغيير الجوهري خلال يوم واحد‘
لا يمكن تغيير الذهنية السائدة خلال ليلة وضحاها، المرأة في روج آفا تناضل في جبهات القتال، وكذلك تقود النضال في المؤسسات المدنية، وبالمقابل فإن ممارسات من قبيل قتل النساء، الانتحار، العنف أيضاً لا زالت مستمرة، أحياناً تعتقد المرأة إنها أضعف من الرجل، ولكنها في نفس الوقت تناضل أكثر من الرجل ولكنها لا تشعر بقوتها، لذلك لم يتحقق حتى الآن التوازن المطلوب. وعليه فإن من المهم تدريب وتوعية النساء، فكما يقول القائد آبو ’أبحث في التاريخ عن الحقيقة‘ فإن على النساء أيضاً أن تبحثن عن الحقيقة في التاريخ، فلوا تمكنت المرأة من تحقيق هذا التغيير ستتمكن أيضاً من تغيير المجتمع وتحقيق المساواة. لا نقول إن سقوط المجتمع المتسلط يعني تحرر المجتمع، فعلى سبيل المثال حين سقطت الأنظمة في مصر وليبيا لم تتحقق تغييرات جوهرية في بنية المجتمع.
’على المرأة أن تغير ذهنية الرجل‘
الرجل لا يتخلى بسهولة عن المركزية، الفردية التسلط والفكر التحليلي، كما أن المرأة الغير منظمة محكومة للرجل، يجب على المرأة أن تطور من شخصيتها المنظمة، الحرة والواعية، كما إن من أهم مسؤولياتها هي أن تغير معها ذهنية الرجل وأن تعمل مع الرجل من أجل بناء الحياة الحقيقة الندية. ومن جانب آخر فإن عليها التمتع بالرشاقة والجاذبية والأخلاق والجمال الفكري لتؤثر بها على روح وعواطف الإنسان. عليها أن تدرك وتعي كيف إن العقل يؤثر على الجسد وكيف الجسد يؤثر على الحياة. في عام 1998 أهدى القائد الفلسفة الاجتماعية للمرأة وطالب المرأة بالنضال من أجل حقيقتها. لقد أشار إلى النقطة الضعيفة في المرأة ومنحها الروح. وثورة روج آفا التي هي ميراث عشرات السنين تستمد قوتها من فكر وفلسفة قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان.
’نطور علم المرأة‘
المجتمع بحد ذاته فن، لذلك فإن بناء المجتمع الحر تتطلب مهارة عالية، نحن نسعى إلى تطوير ثورة ذهنية وتنظيمية من خلال ثورة روج آفا. النساء هن الأكثر تضرراً من العلوم المتطورة. لذلك فإننا نسعى إلى تطوير علوم المرأة، وتشمل هذه العلوم مختلف جوانب المجتمع وتناضل ضد الذهنية القديمة.
نساء العالم أهدين المسيرة العالمية للمرأة هذا العام إلى نساء روج آفا، كيف تقيمون ذلك؟
لقد أهدت نساء العالم مسيرة المرأة العالمية التي تنظم بمناسبة يوم المرأة العالمي هذا العام إلى نساء روج آفا، لأن نساء روج آفا ناضلن نيابة عن جميع نساء العالم. حوالي 500 امرأة من مختلف أنحاء العالم لم تتمكن من الحضور إلى روج آفا بسبب الحرب، إلا أنهن شاركن في الفعالية التي نظمت في مدينة نصيبين ووجهن التحية إلى أبطال وحدات حماية المرأة. وهذا يؤكد لنا إن الطاقة والقدرة الحقيقة للمرأة قد انفجرت وألقت بتأثيرها على جميع أصقاع العالم. فقضية المرأة ومعاناتها واحدة أينما كن، الإرجنتين التي لم تكن تعرف الكرد كانت أول من ساندت عملية ميركان، وكذلك الصين والعديد من الدول الأخرى، مما يشير إلى أن القوة الحقيقية للمرأة لا تنفك تتصاعد وتتنامى.
المكتسبات التي تحققت هل يمكن أن تتحول إلى حالة مؤسساتية في المنطقة والعالم؟
إننا نسعى ومن خلال نضال المرأة إلى تطوير النموذج الديمقراطي في مواجهة النموذج الرأسمالي، نضال نساء روج آفا نضال استراتيجي وليس نضالاً رمزيا. زيارة قيادة وحدات حماية المرأة نسرين عبدالله والرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي آسيا عبدالله إلى قصر الإليزيه في فرنسا يعني إن جميع القوى العالمية تحترم هذا النضال. فالنضال الذي تخوضه نساء روج آفا لم يشهد العالم مثيلاً له في أي مكان. نسائنا تخضن هذا النضال عن وعي وشجاعة كبيرة، لقد خرق الرئيس الفرنسي جميع القوانين الخاصة بقصر الإيليزيه من أجل استقبال نسرين عبدالله وأسيا عبدالله.
مقاومة القرن الحادي والعشرين تخوضه المرأة، تمهد طريق الحرية وتحقق تنظيماً يستطيع التأثير على العالم أجمع. إن هذا النضال سيشكل جبهة للنساء المضطهدات من أجل التحرر من النظام الرأسمالي، فإرادة المرأة سوف تغير كل شيء وسيضطر الجميع لتحقيق تغييرات جوهرية. ولأجل تحقيق وحدة نسائية يجب تصعيد النضال في هذا المجال، فالمرأة التي استطاعت أن تؤثر بهذا القدر على السياسة يمكنها أن تعمل على تغيير العالم كله.