بحثت عن الحقيقة و ترجمت معاناة المرأة عن طريق أشعارها

كتبت الخواطر وهي في العاشرة واستمرت بها حتى المرحلة الإعدادية، ألهمتها الظروف المحيطة بها ومكتبة عمها كتابة الشعر، وكبتت مشاعرها وتوقف إبداعها عندما مُنعت من متابعة دراستها، وتزويجها في سن مبكرة

 كتبت الخواطر وهي في العاشرة واستمرت بها حتى المرحلة الإعدادية، ألهمتها الظروف المحيطة بها ومكتبة عمها كتابة الشعر، وكبتت مشاعرها وتوقف إبداعها عندما مُنعت من متابعة دراستها، وتزويجها في سن مبكرة، ولكن انضمام ابنها البكر أثناء ثورة روج آفا لوحدات حماية الشعب، أحيا كل المشاعر الجياشة التي كانت مكبوتة بداخلها وعادت لكتابة الشعر من جديد.

الأم رمزية رمضان من منطقة درباسية البالغة من العمر 38 عاماً، متزوجة وأم لـ 6 أولاد، نمت موهبة كتابة الشعر لديها في سن العاشرة من العمر، واستمرت بالكتابة بأسلوب بسيط حتى انتهائها من المرحلة الإعدادية.

بحثت عن الحقيقة في مكتبة عمها

شكلت الظروف المحيطة بـ رمزية رمضان من الاضطهاد والظلم الذي تعانيه المرأة في المجتمع، ونظرة المجتمع إلى المرأة نظرة دونية واعتبارها إنسانة من الدرجة الثانية، صراعاً وتناقضاً في داخلها، جعلتها تبحث عن الحقيقة وسبب التعامل مع المرأة بهذا الشكل، ودفعتها الذهنية الذكورية والعادات والتقاليد البالية، للبحث في تلك السن المبكرة عن الحقيقة، فوجدت ضالتها في مكتبة عمها، التي كانت تحوي الكثير من الكتب السياسية، الاجتماعية، الدينية وكتب الشعر.

فعكفت رمزية على المطالعة والبحث في الكتب عن الحقيقة، فثابرت على استعارة الكتب من مكتبة عمها ومطالعتها رغم صغر سنها وبتشجيع من عمها.

وقرأت إلى جانب ذلك كتب الأدب والشعر والتاريخ، وزاد اهتمامها بالشعر وبدأت تكتب ما يجول في خاطرها من ألم وحزن عن طريق كتابة بعض الخواطر والأدبيات الشعرية القصيرة، وورثت موهبة الشعر من عمها الذي عانى هو أيضاً من ظلم النظام البعثي حيث فصل من الجامعة رغم أنه كان طالباً جامعياً في السنة الثانية بكلية الحقوق في جامعة حلب وذلك بتوجيه التهم السياسية إليه ولأنه مكتوم القيد والجنسية “أجنبي الجنسية” حاله حال الآلاف من أبناء الشعب الكردي من أبناء مقاطعة الجزيرة الذين سحبت منهم جنسياتهم من قبل النظام البعثي في سوريا.

ترجمت معاناة المرأة عن طريق أشعارها

وكل تلك الظروف والأوضاع التي أثرت على حياتها جعلت رمزية تعيش حالة من عدم الرضى ولجأت لكتابة الشعر والخواطر لترجمة عما يدور في مشاعرها، وعن طريق كتابة الخواطر والشعر عبرت رمزية عن رفضها للعادات والتقاليد التي كبلت المرأة وسجنتها بين جدران منزلها، وما تعانيه النساء عامة من ذهنية المجتمع والسلطة.

وبقيت رمزية تهتم بالدراسة والمطالعة وكتابة الأشعار والخواطر حتى أكملت المرحلة الإعدادية من دراستها، لتصطدم أحلامها فيما بعد بواقع مجتمعها المرير.

تركت مقاعد الدراسة مرغمة

وعندما حصلت رمزية على الشهادة الإعدادية بدلاً من أن تفرح بنجاحها حزنت كثيراً لأنها بذلك اليوم حرمت من الدراسة بحجة أنها فتاة ولا حاجة لها بالدراسة ويكفيها أنها حصلت على الشهادة الإعدادية، وبعد فترة قصيرة زوجوها لابن عمها، وهنا ماتت كل المشاعر الجميلة الممزوجة بالألم والحزن المدفون في أعماق قلبها الصغير ومات الإبداع بداخلها بحسب ما قالت رمزية عن نفسها.

ثورة روج آفا وانضمام ابنها لوحدات الحماية أحيا المشاعر بداخلها من جديد

وبقيت الأم رمزية تعيش حياتها كأية أمرأة في منزل زوجها وتعتني بأولادها فقط، ومع بزوغ فجر ثورة روج آفا والتي هي ثورة المرأة أيضاً تعرفت رمزية على حقوق وواجبات المرأة وتقربّت من الثورة للمشاركة فيها وذلك عن طريق تعرفها على فكر وفلسفة قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان، وقررت أن تكسر قيودها من جديد، ولتدرك مدى قوة المرأة بعد أن رأتها تحمل السلاح وتدافع بإرادة قوية عن وطنها وشعبها ونفسها بكل حرية، وتشارك في كافة مجالات الحياة السياسية، العسكرية، الاجتماعية والاقتصادية، وتأخذ دورها الطبيعي والريادي في قيادة المجتمع.

وانضمام فلذة كبدها ابنها البكر “بوطان كوران” لوحدات حماية الشعب والمقاومة البطولية التي تبديها هذه الوحدات والانتصارات العظيمة التي حققتها على أرض الواقع، كلّ ذلك أحيت المشاعر الجياشة التي كانت مكبوتة بداخلها، وعادت لتكتب الشعر من جديد لأنها استمدت قوتها من خلال كل ما يجري من حولها ، فكتبت مشاعرها شعراً وترددها في المناسبات الوطنية والقومية.

قررت الانضمام والمشاركة في الثورة مع أولادها

بعد انضمام ابنها لوحدات الحماية، وتعرفها على حقيقة الثورة وشخصية المرأة الحرة، قررت رمزية أن يكون لها دور في هذه الثورة والمشاركة فيه قدر المستطاع، وانتسبت إلى مؤسسة نوري ديرسمي للعلم والفكر الحر لتتمكن من تطوير نفسها والتعرف على الحقيقة ومايجري حولها، وانتسبت أيضاً إلى حركة اللغة والتدريب وتعلمت اللغة الكردية وأصبحت تكتب أشعارها باللغة الكردية بعد أن كانت تكتبها بالحروف العربية.

وبعد ذلك انضمت رمزية إلى حركة الثقافة والفن في مدينة درباسية، وهي الآن عضوة في مركز الثقافة تقدم مايمكنها تقديمه من فن وأشعار وقصائد لمركز الثقافة والفن.

وتشير رمزية أنها تعمل كل مابوسعها لتقدم شيئاً للثورة بالإضافة لتنظيم وقتها بين عملها في المركز وبين خدمة منزلها وعائلتها، مؤكدة أنها الآن تشعر أنها عضوة فعالة في المجتمع لأنها تمكنت من فهم الحياة وكيف تدير عائلتها وتتعامل مع واقعها بشكل أفضل.

ولأنها تعرفت على حقيقة ذاتها والثورة ولأنها لاتريد لأولادها أن يعيشوا نفس ظروفها فتحت المجال لهم ليختاروا حياتهم، فانضم أغلب أولادها إلى مؤسسات المجتمع المدني في درباسية، فبالإضافة لابنها بوطان الذي انضم لصفوف وحدات الحماية، فابنها الآخر عضو في مؤسسة نوري ديرسمي وإحدى بناتها عضوة إلى جانبها في مركز الثقافة والفن، والأخرى في المعبر الحدودي في درباسية، والباقي لايزالون صغاراً.

المناضلة أرين ميركان قدوتها في الحياة

وتقول رمزية أنها تتخذ من المناضلات قدوة لها وتأثرت كثيراً بالمناضلة آرين ميركان، وأشارت أنه مع ثورة روج آفا أثبتت المرأة ذاتها ووجودها وبأنها ابنة هذا الوطن ولها الحق المشروع في حمايته والدفاع عنه، وشاركت في كل مجالات الحياة وأخذت حقها الطبيعي، وجاء ذلك بفضل التضحيات العظيمة التي قدمتها المناضلات لتصل المرأة اليوم إلى حريتها وحقها وإخراجها من القوقعة التي فرضت عليها.

وتابعت رمزية حديثها قائلة “إن الأشعار التي أكتبها نابعة من أعماقي ووجداني وأحاسيسي  فكل ما أشعر به وما يجري من حولي من الظلم والهجمات التي تشنها المرتزقة على الشعب الكردي، وما يقدمه أبناء وبنات شعبنا من مقاومة ونضال ملحمي وتاريخي كل ذلك ألهمني الكثير من الأفكار والمشاعر لأصوغ منها قصائد وأشعار أعبر فيها عما يجول بداخلي”.

فكتبت رمزية رمضان أشعاراً عن مأساة شنكال وماذا حل بهم، كتبت عن الثورة ودور المرأة المميز فيه، عن الشهيدة آرين ميركان التي سطرت أروع ملاحم الفداء والتضحية.

وبعد أن كادت العادات والتقاليد والظروف والذهنية السلطوية تقضي على أحلامها وشخصيتها، أعادت ثورة روج آفا الحياة لها من جديد لتعود وتبحث عن الحقيقة وتصبح شاعرة تصوغ كل مشاعرها قصائد وأشعار تعبر بها عن ذاتها، ومايجول حولها.

...
...