الأزمة تكمن في أنه كلما تصاعدت وتأزمت الظروف في الشرق الأوسط تكون المرأة أكثر من يدفع الثمن وينعكس الأمر بشكل سلبي كبير على حقوقها، بل تحول الأمر إلى "عنصرية" حسب وصف مختصين في شؤون المرأة، لتصبح مجتمعات السنوات الحالية أمام ردة حقيقية وقاسية بشأن المرأة وحقوقها حتى رغم استخدام بعض العبارات الرنانة المدافعة عنها.
ومن وقت لآخر، يتأكد وسط هذه الظروف وغيرها أن فلسفة عبد الله أوجلان ونظرته لمكانة المرأة وقيمتها ودورها وتأثيرها قادرة على انتشال المرأة من هذه الأوضاع الصعبة، وفق أصوات نسائية، بما قدم للمرأة من أهمية وصلت إلى اعتباره أن حرية المجتمعات تبدأ من حرية المرأة، كما انتقد أولئك الذين ينتقصون من قدرها تحت مسمى الدين وغيرها من أشكال التقليل من وجود المرأة.
العنصرية ضد المرأة
تقول الباحثة الدكتورة عزة محمود علي حسن، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الإشكاليات الحقوقية للمرأة تحولت إلى قضايا تحرر حقيقية، في ظل ما تتعرض له من عقبات حرمتها من ممارسة حقوقها في شتى مجالات الحياة، بما تعانيه من تفرقة عنصرية بالمجتمعات الشرقية، والتي غُلفت بمعنى الحماية والحفاظ عليها باعتبار أنها الجنس الأضعف والأقل قدرة على ممارسات الحياة، في حين أن ذلك الأمر لا ينتج إلا عن فكر مترسخ لطابع المجتمع الذكوري بلا جدال، وفقًا لها.
وتضيف أن المرأة منذ بداية الحياة كانت محور المجتمع عندما لم تكن النظرية الذكورية قد احتلت الواقع وفرضت نفسها لتنتهك حقوقها، لافتة إلى أن العصور البدائية كانت تمثل العصور الذهبية للمرأة الأم والزوجة، إذ كانت هي عضد الكيان الاجتماعي الأول وحظت بالتقديس في تلك الفترة، إلا أن الصراع الذكوري نشأ بعد الاستقرار وتكوين المجتمع الحضاري ومحاولة الرجل للهيمنة والسيطرة المطلقة على المجتمع واعتبار الأنثى جزء من الطبيعة التي يجب عليه أن يخضعها لسيطرته المطلقة.
وعن وضعها في الشرق الأوسط، تقول الدكتورة عزة محمود إن المرأة نالت حقوقها بظهور الدين الإسلامي، مشددة على أن ما يحدث بمجتمعاتنا حالياً ليس له علاقة بالإسلام، بل إن التقاليد البائدة تتحكم في المجتمعات وتفرض هيمنتها على الدين والشرائع.
وهنا تشير إلى رؤية المفكر عبد الله أوجلان في قضية المرأة الشرق أوسطية وقناعته أن وضع المرأة بهذا الشكل ليس بسبب ما شرعه الإسلام، الذي تبنى حرية المرأة، ومنحها كافة الحقوق، كما وضع قضية ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ في ﻨﻁﺎﻗﻬﺎ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ.
وتؤكد أن تقليص القيود القانونية المتعلقة بالفروق بين الجنسين من شأنه أن يمنح المرأة صوتاً أكبر في المستقبل، وهو ما سوف يُترجم إلى قرارات أفضل بشأن المرأة والمجتمع، كما أن مشاركة المرأة تعد أمراً محورياً وإيجابياً على كافة الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية والحقوقية، فاستبعاد المرأة يهدم تلك الصورة بأكملها وهذا ما أكدته كافة الدراسات والأبحاث العلمية والإنسانية.
فلسفة أوجلان
تتفق الأستاذة فاتن صبحي الكاتبة الصحفية المتخصصة في ملف المرأة، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، مع ما طرحته الدكتورة عزة محمود بشأن وضع المرأة الصعب في الشرق الأوسط، معتبرة أن فلسفة المفكر عبد الله أوجلان قدمت رؤى وأفكاراً قادرة على انتشال المرأة من هذه الأوضاع الصعبة التي تعيشها خصوصاً وأنه كتاباته ابنة بيئة الشرق الأوسط بأفكارنا وقيمنا المشتركة وثقافتنا.
وأوضحت الكاتبة الصحفية أن مكانة المرأة في أفكار أوجلان تأتي بالأساس من قناعته بفكرة الحياة التشاركية، بل ذهب أبعد من ذلك عندما اعتبر أن حرية المجتمعات تبدأ من حرية المرأة، بل هي المحرك الحقيقي لتحرير الأوطان، كما أنه اعتبر أن المرأة هي الأكثر وفاء وحباً للأوطان، ومن ثم فإن هذه عبارات تؤكد على المكانة الكبيرة التي تمتعت بها النساء في كتاباته.
وقالت فاتن محمود إن فلسفة عبدالله أوجلان رفضت كذلك فكرة أن تكون المرأة مجرد "شيء جميل أو مجرد زينة في وجه الرجل"، وإنما جمال المرأة يأتي من عملها وفكرها وأن يكون لها دور في العمل السياسي والمشاركة في النضال، ومن ثم فإن أوجلان كان يضع المرأة على قدم المساواة مع الرجل، فالاثنين شركاء في الوطن والدفاع عنه والنضال من أجله ولهما نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات، مشددة على أن تلك الأفكار تحمل ما يجب أن تكون عليه معاملة المرأة ومن ثم فإنها تصلح لكل مكان وزمان وتعد نموذجاً رائعاً قادراً على انتشال المرأة من معاناتها الحالية في الشرق الأوسط.